عباس السيد
لا تزال المعالم السياسية لما يعرف بـ ” صفقة القرن ” ضبابية ، رغم أن التسريبات بشأنها بدأت منذ عامين . حشرالرئيس الأميركي دونالد ترامب خبراته المالية والإستثمارية في أهم القضايا السياسية التي يشهدها العالم ـ القضية الفلسطينية ـ وتعامل معها بالأدوات المالية ضغطا وترغيبا ، وتحول ملف القدس والمقدسات والأراضي المحتلة إلى مجرد ملف عقارات يعمل على تسويته بطريقته . ولعل ” ورشة البحرين ” الاقتصادية التي أعلنت الإدارة الأميركية عقدها أواخر الشهر الجاري ، هي جزء من الصفقة التي تبيع الوهم للفلسطينيين من خلال الوعود بتحسين أحوالهم المعيشية والاقتصادية دون الإكتراث لوضعهم كشعب يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من سبعين عاما .
ثمرة أفكار صهيونية
أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنحيازا كاملا وصريحا لإسرائيل منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير 2017، وتجسد ذلك من خلال العديد من المواقف والخطوات السياسية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية خلال العامين الماضيين . ومنذ العام الأول لولاية الرئيس ترامب بدأ الحديث عن ” صفقة القرن ” وهي مشروع أميركي ” غير معلن ” بشأن القضية الفلسطينية، يسعى لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات لصالح إسرائيل. ولم تعلن إدارة ترامب بشكل رسمي أي تفاصيل لهذه الخطة التي صارت تعرف بـ ” صفقة القرن ” .
الصفقة التي وعد ترامب بإنجازها ، يجري تسويقها باعتبارها “الحل الأمثل” للصراع العربي الإسرائيلي، وقد أشرف على إعدادها فريق أميركي ضم كلا من مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنرـ صهر ترامب ـ والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفد فريدمان والمبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وهم جميعا من عائلات يهودية ومن أشهر مناصري المستوطنين واليمين الحاكم في الكيان الإسرائيلي .
وحسب التسريبات، فإن الصفقة تطرح ضم القدس بشطريها لإسرائيل، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضم المستوطنات بالضفة إلى دولة الاحتلال، والسماح بحكم ذاتي للفلسطينيين على الأجزاء المتبقية من الضفة، وإنشاء كيان فلسطيني على غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية. وينتظر أن يكون موضوع التطبيع العربي مع إسرائيل أحد الأعمدة الهامة التي ستتضمنها خطة ترامب للسلام، وهو ما يعكسه تهافت بعض الأنظمة العربية في الآونة الأخيرة نحو التطبيع.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصفقة ليست وليدة افكار ترامب أو عهده ، فهي ثمرة أفكار صهيونية ومبادرات يمينية متطرفة متعددة يختلط فيها الإقتصاد والسياسة ، ويتماهى الإنجيلي بالتوراتي . والإمبريالي بالصهيوني ، والمستعمر القديم بالجديد . وعلى سبيل المثال ، فإن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس أقر من قبل أعضاء الكونجرس الأميركي عام 1995 ، وحينما وجد ترامب وإدارته أن المناخ السياسي في المنطقة بات مناسبا ، تم تنفيذ قرار الكونجرس .
تسريبات ..
أواخر 2017 ، ذكر موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، نقلا عن مصدر دبلوماسي غربي ومسؤولين فلسطينيين، أن فريقاً أميركياً بصدد وضع اللمسات الأخيرة على “الاتفاق النهائي” الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والذي يعرف بـ”صفقة القرن”. وبحسب الموقع البريطاني، يتضمن الإتفاق أو الصفقة مايلي :
1- إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ، ب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية.
2- توفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة.
3- وضع القدس وقضية عودة اللاجئين سيؤجلان لمفاوضات لاحقة.
4- مفاوضات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية. [1]
وبحسب التسريبات الإعلامية ، كان مقررا أن يتم الإعلان رسميا عن الصفقة أوائل العام 2018 ، وهو مالم يحدث . وفي أواخر العام ، قالت صحيفة جيروزاليم بوست ، أنه “يتم وضع اللمسات الأخيرة على الخطة ، ويمكن أن يتم نشرها في وقت مبكر من الشهر المقبل ” ديسمبر 2018 أو في يناير 2019 . لكن السفير الأميركي في تل ابيب توماس فريدمان قال في 27 نوفمبر 2018 ” إن صفقة الولايات المتحدة في القرن التي تشير إلى رؤية الولايات المتحدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ستعلن في الوقت المناسب ، وحين تستنتج الإدارة أننا عززنا قدرتها على القبول والتنفيذ” . وأضاف فريدمان “الولايات المتحدة تظل ملتزمة بمشاركة رؤيتها للسلام مع إسرائيل والفلسطينيين وأصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين الآخرين في الوقت المناسب”.
المواقف الفلسطينية من الصفقة
الفلسطينيون من مختلف التوجهات يعلنون باستمرار رفض صفقة القرن التي تسعى الولايات المتحدة لتسويقها بهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وقد تعززت المخاوف الفلسطينية من الصفقة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017 اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ، وهو ما دفع الفلسطينيين للخروج في مظاهرات واحتجاجات شملت مختلف المدن والقرى الفلسطينية، بما فيها المناطق داخل الخط الأخضر، سقط خلالها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى ، كما شهدت عواصم عربية وإسلامية مظاهرات حاشدة ضد القرار الأميركي ، وخرجت في العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المدن اليمنية مظاهرات احتجاجية حاشدة وصفت بأنها الأكبر في المنطقة العربية . وزاد من الغضب الفلسطيني إقدام الولايات المتحدة في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية يوم 14 مايو/أيار 2018 على افتتاح سفارتها في القدس.
حركة فتح
الرئيس محمود عباس ـ بحسب مسؤول فلسطيني ـ يعتقد أن الخطة المعروفة بـ “صفقة القرن ” هي في الأصل خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وقد باعها للفريق الأميركي الذي يحاول الآن تسويقها للفلسطينيين والعرب”. وقد أعلن عباس في مناسبات عدة رفضه للصفقة ، واعتبارة أن الإدارة الأميركية لم تعد وسيطا أو راعيا للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب انحيازها الصريح والكامل للإسرائيليين .
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، قال في تصريحات خاصة لـ”سبوتنيك”، بتاريخ 23 نوفمبر2018، أن “أمريكا تبحث عن الحل بالطريقة الإسرائيلية، وبالتالي لن توافق على دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، ونحن جوعنا ليس جوع طعام وإنما جوع حرية وكرامة ، ونحن نسعى إلى قرارات الشرعية الدولية والمجالس الوطنية، نريد دولة كاملة السيادة على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، وبالتالي فإن المسافات واسعة وبعيدة، فأمريكا هي الكفيلة باستمرار وقوة إسرائيل، التي تعتبرها محطة متقدمة للاستعمار القديم”.
وعن الدور السعودي في قيادة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحقيقة عرض الأمير محمد بن سلمان مضاعفة المخصصات الفلسطينية مقابل الاستجابة لخطة السلام، قال زكى : “مصر في عهد السادات كانت تمثل القوة والقدرة، لم نسر ورائها، وبالتالي لن نمشي وراء السعودية الآن… فهذا وهم، ونحن لا نُشترى بالمال، فهناك الآن فصائل وقوى، ومساع لعودة الاعتبار لمنظمة التحرير”.
وحول ما تحدثت عنه “ميدل إيست آي”، بشأن مساعي بن سلمان إلى الحصول على دعم إسرائيل في مواجهة إيران، من خلال قيادة الحل الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أكد زكي على أن “فلسطين لن تكون جسراً للعداء والتدمير، فنحن جسر سلام”.
وتابع زكي : “نحن من الممكن أن نكون جسرا للسلام، ومن الممكن أن نقوم بدور لتهدئة الصراع بين إيران والعرب، ولكن أن تتخذ القضية الفلسطينية مكان للقفز لإشعال الحروب ، فهذا أمر مرفوض، مثلما رفضته لبنان”، مؤكداً أن الدول العربية التي كانت تقف مع فلسطين هي رهن التدمير.
حركتا حماس والجهاد
رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية أكد موقف الحركة من الصفقة وقال : “القدس لا تزال عربية وإسلامية وفي حراسة المرابطين والمرابطات”. و الصفقة لن تمر ،ولو قطع الرأس عن الجسد”. وتنظم الحركة منذ عامين مسيرات العودة في قطاع غزة، كل جمعة ، وقد أثبتت هذه المسيرات فاعليتها في مواجهة كيان الإحتلال وإعادت القضية الفلسطينية بما فيها القدس واللاجئين إلى الواجهة من جديد ، ومنذ بدء هذه المسيرات في مارس 2018 ، سقط نحو 150 شهيد ا فلسطينيا برصاص الجيش الإسرائيلى .
وتذهب حركة الجهاد الإسلامي بعيدا في رفضها للصفقة والحلول المقترحة ، وفي تصريح للدكتور محمد الهندي عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي ، أكد الهندي أن الحركة تتصدى للمؤامرات التي تتساوق مع صفقة القرن، مشددا على أن محاولات دفع الفصائل الفلسطينية للاعتراف بدولة على حدود العام ????، طعنة في ظهر المشروع الوطني الفلسطيني.
وقال :”إن الجهاد الإسلامي مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي رُحلوا عنها ، ولا التفاف على هذا الحق أو الانتقاص منه أو تحويله إلى مطالبة بعودة إلى دولة في حدود الأراضي المحتلة عام ????”.
وجدد إدانة حركة الجهاد التخلي عن ?? في المائة من فلسطين بتوقيع اتفاق أوسلو وحل الدولتين الذي وصل إلى نهايته المأساوية وكان غطاءً للتهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي وتقطيع أوصال الضفة الغربية.
الأمر ذاته ينطبق على الجبهتين ، الديمقراطية والشعبية ، اللتين ترفضان الصفقة بالمطلق .
اتهامات متبادلة
إجماع الفلسطينيين على رفض الصفقة ، لم يمنعهم من تبادل الاتهامات بالانسياق وراء الصفقة الأميركية. إذ تتهم حماس السلطة الفلسطينية بالإسهام بشكل أساسي في تمرير وتنفيذ صفقة القرن، وذلك باستمرارها في فرض الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة ، وتعطيل مسار المقاومة في الضفة باستمرارها في تنفيذ سياسيات التنسيق الأمني مع الإحتلال . كما تعتبر حركة حماس أن القرارات التي اتخذها عباس مؤخرا تصب في مصلحة تنفيذ صفقة القرن . ومن بين تلك القرارات ، حل المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم سحب موظفي السلطة العاملين في معبر رفح ، المنفذ الوحيد لغزة ، وإغلاق مقرات فتح بغزة، وقطع رواتب العديد من الأسرى والموظفين، بالإضافة للتهديد بعقوباتٍ أخرى، مثل التهديد بقطع المزيد من الرواتب، وتقليص الميزانيات المخصصة للمياه والكهرباء والصحة بالقطاع، وإغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون التجاريين.
بالمقابل ، السلطة الفلسطينية وعلى لسان رئيسها محمود عباس تتهم حماس بخدمة المصالح الأميركية برفضها التخلي عن السيطرة على قطاع غزة. وجاء في اتهام فتح لحماس أن الأخيرة تبعث برسائل إلى إدارة ترامب والاحتلال تؤكد فيها قبولها صفقة القرن على قاعدة دولة في غزة تحت سيطرتها ، وهدنة طويلة الأمد، على حساب قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس وقضية عودة اللاجئين. وهو ما تنفيه حماس . [2]
وترفض حركتا حماس و الجهاد الإسلامي احتكار منظمة التحرير الفلسطينية لتمثيل الفلسطينيين ، وتدعوان إلى تفعيل وتطوير المنظمة وإعادة الاعتبار لمؤسساتها وميثاقها وفق اتفاق القاهرة ???? وإشراك جميع الفصائل الفلسطينية في قيادتها.
تنفيذ الصفقة على الأرض
تأجيل الإعلان الرسمى عن ” صفقة القرن ” لا يعني تجميد العمل بالخطة أو زوال التهديد عن القضية الفلسطينية ، فما يحدث على الأرض المحتلة ، وما يجري في المنطقة العربية يشير بوضوح إلى أن الصفقة يجري فرضها على أرض الواقع من خلال عدد من الإجراءات والقرارات والمواقف السياسية التي يتم اتخاذها في السر والعلن ، ويمكن إيجازها بالتالي :
1 ـ القرارات الأميركية
فالإعتراف الأميركي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، ونقل السفارة الأميركية من تل آبيب إلى القدس هو جزء من الصفقة ، بالإضافة إلى ضغوط مالية وسياسية سنتعرض لها لاحقا .
2 ـ مضاعفة الإستيطان
خلال العامين الماضيين ، تزايدت وتيرة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتضاعفت في الضفة الغربية ثلاث مرات ، وخمس مرات في القدس ، وبلغ عدد الوحدات الإستيطانية المنفذة في الضفة الغربية عام 2017م 6742 وحدة سكنية ، مقارنة بـ 2629وحدة سكنية في سنة 2016 م . وفي القدس تضاعفت الإستيطان نحو خمس مرات، من 130 وحدة في سنة 2017 إلى 603 وحدات في سنة 2018.
وجاء في تقرير منظمة ” سلام الآن ” الإسرائيلية ، أن نحو 1.3 مليار دولار في موازنة السنة الأخيرة ـ 2017 -2018 م ، خصصت للإستيطان في القدس الشرقية . [3]
تزايد وتيرة الإستيطان في القدس والضفة الغربية خلال العامين الماضيين ، وزيادة تمسك سلطات الإحتلال بالمناطق ” ج ” في الضفة الغربية ، يلغي أي إمكانية لإقامة كيان فلسطيني مستقل في الضفة ، أو أن تكون الضفة الغربية جزء من دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة ، فالضفة التي يسكنها نحو 2.5 مليون فلسطينى ، يجري عزل مناطقها عن بعضها بالمستوطنات والجدار .
3 ـ ” قانون القومية ”
في الـ 19 من يوليو 2018 ، صادق الكنيست الإسرائيلي على ما يعرف بـ “قانون أساس القومية”
واعتبررئيس وزراء كيان الإحتلال ، بنيامين نتنياهو ، تصويت الكنيست على القانون بأنها ” لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل“. ويعرّف مشروع “قانون القومية” دولة إسرائيل على انها “الوطن القومي للشعب اليهودي، الذي يمارس فيها حقوقه الطبيعية والثقافية والدينية والتاريخية لتقرير المصير”.
ويقضي مشروع “قانون القومية” بان “اللغة العبرية هي اللغة الرسمية لدولة إسرائيل”، فيما لم تعد اللغة العربية رسمية بل ذات مكانة خاصة. وبخصوص الاستيطان اليهودي، جاء في مشروع القانون “ان الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهودي من القيم الوطنية وإنها ستعمل على تشجيعه”. ويستهدف هذا القانون نحو مليون ونصف فلسطيني يعيشون داخل الخط الأخضر ، والذين سيصبحون مجرد اقلية طارئة على الأرض التي اصبحت ” بموجب القانون ” أرضا خاصة باليهود . [4]
4 ـ التطبيع المجاني
حقق الإسرائيليون خلال العامين الماضيين إختراقات هامة في جدار العزلة المفروض على كيانهم ، سواء من خلال الزيارات التي قام بها نتنياهو لسلطنة عمان في اكتوبر 2018 وجمهورية تشاد في يناير 2019، أو مشاركة العديد من الوفود الإسرائيلية الرياضية والإقتصادية في بعض دول الخليج العربية .
وفي أكثر من مناسبة ، وصف نتنياهو العلاقات بين اسرائيل وعدد من الدول العربية والإسلامية بأنها تتنامى بشكل غير مسبوق ، مشيرا إلى وجود علاقات وتنسيق غير معلن بين الكيان وعدد من الدول العربية والإسلامية .
لا تقتصر هذه العلاقات على الجانب السياسي بل تتجاوز ذلك التعاون الإقتصادي والأمني والعسكري ، فإسرائيل مشاركة في الكثير من الحروب التي تدور في المنطقة العربية ومنها اليمن . وهناك مساعي مشتركة لم تعد خافية بإقامة تحالف عربي سني مع إسرائيل ضد إيران .
تزايد وتيرة التطبيع مع كيان الإحتلال ، يشكل مناخا ملائما لفرض ” صفقة القرن ” الذي بات من غير المناسب وصفها بـ ” الصفقة ” إذ يجري تنفيذها من طرف واحد ولمصلحة طرف واحد ، وهو كيان الإحتلال ، وهذا يشكل طعنة للفلسطينيين وخذلانا لقضيتهم العادلة وتفريطا بالقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية . لقد هرولت العديد من الأنظمة العربية والخليجية بشكل خاص إلى ” المرحلة الثانية من الصفقة ” وهي مرحلة التطبيع مع كيان العدو قبل أن يمنح الفلسطينيون حقوقهم أوبعض منها ، أو ما وعدت به الصفقة ـ على الأقل ـ .
الدور السعودي في الصفقة
تدرك الإدارة الأميركية أن أفضل الطرق وأقصرها ” لتحقيق الصفقة” يمرّ بالمملكة العربية السعودية ، ولم يعد يمرّ بمصر والأردن ، اللتان اعتمدت عليهما واشنطن لسنوات عديدة . فقد فقدت الدولتان مكانتهما في قيادة العالم العربي، حيث تعاني مصر من صعوبات اقتصادية شديدة وانقسامات سياسية داخلية، بينما يفتقر الأردن إلى النفوذ السياسي الإقليمي الذي يخوّلها إقناع العالم العربي ، في حين تتمتع السعودية بنفوذ سياسي ومالي قوي في المنطقة. ومن شأن الانخراط المباشر من قبل المملكة الغنية بالنفط ومعقل الإسلام أن يمكّن “السلطة الفلسطينية” على أخذ المفاوضات على محمل الجد. إن رفض التعل?مات السعود?ة س?أتي بکلفة عال?ة جداً للسلطة الفلسط?ن?ة من ح?ث المساندة الشعبية والدعم المادي. ومن شأن الدعم السعودي أن يوفر مزيداً من الشرعية الدينية والمالية والسياسية للسلطة الفلسطينية، التي كانت مترددة في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالنزاع بسبب خوفها من فقدان شرعيتها. [5]
بن سلمان أحد أركان الصفقة
ينظر الأميركيون والإسرائيليون لولي العهد السعودي بأنه ركن هام لتحقيق صفقة القرن ، وهذا يفسر جانبا من الحماس والدعم الإسرائيلي والأميركي للأمير محمد بن سلمان ومساعدته لتجاوز تداعيات جريمة إغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في اكتوبر 2018 .
أبدى الأمير السعودي الذي يتهيأ لتولي عرش المملكة ، حماسا لتنفيذ الصفقة ، وبحسب دبلوماسي أميركي : “إن بن سلمان متحمس جدا للخطة”، وحريص على التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أولا، ثم بين إسرائيل والدول العربية كخطوة أولى لتشكيل ائتلاف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني”.
وأضاف الدبلوماسي الأميركي السابق والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن ، روبرت ساتلوف: ” إن بن سلمان أبلغ كوشنر أنه مستعد لاستثمار كميات ضخمة من رؤوس الأموال في الصفقة وسيعطي القيادة الفلسطينية الحوافز اللازمة لدفعها للاستجابة الإيجابية.وفي مطلع نوفمبر نوفمبر2017، ألتقى ولي العهد السعوديى بالرئيس عباس وطلب منه قبول الخطة وإبداء رأي إيجابي بشأنها. [6]
جاريد كوشنر المستشار الخاص لترامب ورئيس فريقه لعملية السلام قد توجه إلى السعودية اواخر 2017، وأطلع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الخطة ، وطلب كوشنر من السعوديين المساعدة في إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الخطة .
بعد جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي ، والدعم الأميركي الإسرائيلي للأمير محمد بن سلمان المتهم الأول بالجريمة ، سيكون الأمير ممتنا لمن دعموه ، وأكثر حماسا ومطواعا لتنفيذ مخططاتهم.
ضغوط أميركية
يواجه الفلسطينيون ضغوطا هائلة للاستسلام لخطة ” السلام الأميركية ” ، وقد أوقفت إدارة ترامب بالفعل التمويل إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين ، الأونروا ، التي تهتم بأكثر من خمسة ملايين لاجئ في الأراضي المحتلة ومخيمات لبنان والأردن وسوريا . وعملت على تخفيض المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية ، كما أغلقت الإدارة الأميركية مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ، وهو المكتب الذي كان يقوم بمهام تقترب من مهام السفارات والقنصليات الأجنبية في العاصمة الأميركية.
وفي اتصال أجراه الرئيس ترامب مع الحاخامات والقادة اليهود قبل عيد “روش هاشناه ـ رأس السنة العبرية ” قال ترامب : “لقد أوقفت مبالغ طائلة من الأموال التي كنا ندفعها للفلسطينيين والقادة الفلسطينيين. وإذا لم نتوصل إلى اتفاق، لن ندفع المال. وقد سألت عدداً من المفاوضين السابقين : هل اتخذتم مثل هذه الخطوة في السابق؟ هل جرّبتم استخدام المال كأداة في هذا الصدد؟” فأجابوا : لا يا سيدي، فقد حسبنا في الأمر قلة احترام.” فقلت : لا أعتقد أن في الأمر قلة احترام على الإطلاق… وأظن فعلاً أننا سنتوصل إلى اتفاق”. [7]
معارضة اسرائيلية للخطة
يتظاهر الإسرائيليون بعدم معرفتهم بتفاصيل الخطة ، ويبدون تحفظا على إعلان مواقفهم منها . وحتى الآن ، لا يزال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ينأى بنفسه عن الخطة التي تعد بإقامة دولة فلسطينية ” لحسابات إنتخابية ” . ويرى مراقبون ، أن الحكومة القادمة في إسرائيل ستسقط مبدأ المفاوضات من حساباتها، حتى لو كانت على مقاس صفقة القرن التي تمنح إسرائيل امتيازات كبرى على حساب الحق الفلسطيني ، وأن الطرف الإسرائيلي لن يكون معنيا في المستقبل بأي خطة للسلام مع الفلسطينيين ما دام بمقدوره تنفيذ خطته على الأرض في ظل ميزان قوى عربي ودولي مختل.
بالنسبة للإسرائيليين ، يعتبر تحقيق المصالحة النهائية مع الفلسطيينيين بمثابة البوابة التي سيلجون منها إلى الدول العربية والإسلامية وإقامة علاقات طبيعية معها ، وبالتالي الخروج من دائرة العزلة المفروضة على كيانهم منذ تأسيسه عام 1948 . لكن ، إذا كان بإمكانهم ـ الإسرائيليون ـ أن يتجاوزوا هذه البوابة ، وأن يتوغلوا داخل البلدان العربية والإسلامية بطرق أخرى ، كما هو الحال خلال العامين الماضيين اللذين شهدنا فيهما هرولة العديد من الأنظمة في الدول العربية والإسلامية نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ، بل وعدم التردد في إعلان هذه الأنظمة رغبتها في التحالف مع الكيان الإسرائيلي ضد جمهورية إيران الإسلامية . هذا المناخ السياسي سوف يغري الإسرائيليين ـ الصقور والحمائم ـ على التعنت أكثر وعدم تقديم أي تنازلات للفلسطينيين .
محور المقاومة في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني
أهداف صفقة القرن لا تقتصر على إغلاق ملف النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، لكنها ـ الصفقة ـ تعتبر جزءاً هاماً من المخطط الذي يسعى إلى إعادة صياغة المنطقة العربية وجوارها ، وتشكيل ما يسمونه بـ ” الشرق الأوسط الكبير ” وهو مخطط يستهدف العديد من الدول العربية والإسلامية بوسائل شتى ، بما يؤدى إلى التفتيت والإضعاف ، وإعادة رسم الحدود على أسس طائفية وعرقية .
ويمكن القول أن ” صفقة القرن ، ومشروع الشرق الأوسط الكبير ” مشروعان إستعماريان يكملان بعضهما البعض ، ويجرى تنفيذهما في المنطقة بالتوازي . فما يحدث في اليمن وسوريا والعراق وليبيا واليمن ، وقبل ذلك في الصومال وأفغانستان ، وما تتعرض له إيران من حصار وتحريض .. كل ذلك يأتي في سياق المخططات الأميركية الصهيونية التي تستهدف المنطقة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها . هذه المخططات لم تعد وهما أو رجما بالغيب ، وليست وحيا بتأثير ” نظرية المؤامرة ” فقد باتت هذه المخططات معلنة وبعناويين واضحة ” صفقة القرن ، و مشروع الشرق الأوسط الكبير ” .
يمكن القول أن الحرب المستمرة على اليمن منذ مارس2015، تأتي في ذات السياق . فاليمن بموقعه الإستراتيجي الهام ، وإمكاناته البشرية والاقتصادية وثقافة شعبه وأنتماءه العميق والراسخ لقومه العرب وأمته الإسلامية ، ينظر إليه كعائق أمام المشروعين ، ولذلك شرع الكيان الإسرائيلي بالتحريض على اليمن منذ قيام ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014 ، ولم يتردد هذا الكيان بالمشاركة في الحرب على اليمن منذ العام الأول .
بعد أربع سنوات من الحرب على اليمن ، يتجلى بوضوح زيف الأهداف التي أعلنها تحالف العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن ، لا يريد تحالف العدوان سوى تفكيك اليمن إلى دويلات ضعيفة تابعة ، والسيطرة على ثرواته وسلب سيادته على أرضه ومياهه . في المقابل ، أثبت اليمنيون الصامدون في وجه العدوان أنهم لا يخوضون معركة للدفاع عن حقوقهم ومصالحم فحسب ، بل للدفاع عن حقوق ومصالح الشعوب العربية والإسلامية أيضا .
اليمن يعد جزءا من المحور العربي الإسلامي المقاوم لمشروع صفقة القرن والشرق الأوسط الكبير، والمعركة في اليمن ، هي جزء من المعركة التي تدور في فلسطين المحتلة ، وفي سوريا والعراق وليبيا ولبنان . كما أن التحريض ضد جمهورية إيران الإسلامية التي باتت تشكل ركيزة أساسية لمحور المقاومة ، هو جزء من المعركة أيضا . وعلى الرغم من تكالب قوى الإستعمار والصهيونية والرجعية العربية وتسخير إمكاناتها الهائلة في هذه المعركة ، إلا أن محور المقاومة الذي يمتد من إيران إلى فلسطين مرورا بالعراق وسوريا ولبنان إلى اليمن الصامد منذ أربع سنوات ، هذا المحور ليس من السهل هزيمته أو إخضاعه أبدا .
استخلاصات:
عدم اعلان صفقة القرن رسميا لا يعني تجميد العمل بها أو زوال التهديد لعملية السلام العادلة في الشرق الأوسط ، فما يحدث على الأرض المحتلة أسوأ بكثير مما يتم تداوله من مضامين للخطة الأميركية، وما تحمله مرحلة ما بعد الانتخابات في إسرائيل ينبئ بمخاطر أكبر.
نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي أجريت في ابريل 2019، حملت إلى السلطة في إسرائيل تحالفا أشد يمينية من تحالف نتنياهو السابق . يمين اليمين المتطرف كان الملاذ الأخير لنتنياهو لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات.
الحكومة القائمة في إسرائيل ستسقط مبدأ المفاوضات من حساباتها، حتى لو كانت على مقاس صفقة القرن التي تمنح إسرائيل امتيازات كبرى على حساب الحق الفلسطيني.
والتوقعات في أغلبها تفيد بأن الطرف الإسرائيلي لن يكون معنيا في المستقبل بأي خطة للسلام مع الفلسطينيين ما دام بمقدوره تنفيذ خطته على الأرض في ظل ميزان قوى عربي ودولي مختل ، وفي ظل الإختراقات التي حققتها دولة الكيان في السياسات العربية وخصوصا في دول الخليج .
ـ قد يهرب اليمين المتعجرف في إسرائيل من استحقاقات السلام ، لكنه سيواجه على المدى المتوسط أزمة بنيوية كبرى تتمثل في التحدي الديمغرافي للشعب الفلسطيني وصموده على أرضه رغم كل الضغوط. فمنذ قيامها ، تعمل إسرائيل على تغيير الحقائق على الأرض لتمكين مشروعها، لكن بعد سبعين عاما على الاحتلال ما تزال هناك حقيقة واحدة ثابتة وهي وجود الفلسطينيين على أرضهم.
ـ بعد 70 عاما من تأسيسها ، لا تزال ” إسرائيل” كيانا منبوذا في محيطها العربي والإسلامي ، وما حققه كيان العدو من أختراقات في جدار العزلة وهرولة العديد من الأنظمة العربية نحو التطبيع ، فإن الشعوب العربية والإسلامية لا تزال بعيدة عن تلك الخطوات وتعتبر أنها غير معنية بها ، وهذا ما يؤرق ساسة الكيان الإسرائيلي رغم ابتساماتهم العريضة والدموع التي يذرفونها فرحا وهم يطئون تراب بعض المدن والعواصم العربية .
ـ تعول الشعوب العربية والإسلامية على محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران ، وهو يخوض المواجهة ضد المشروع الأميركي الإسرائيلى ، وقد أثبت هذا المحور صلابتة وقوته في مواجهة قوى الإستعمار وأدواتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن .
المراجع :
[1] وكالة سبوتنك ،23 نوفمبر 2017 ، المادة متوفرة على الرابط :
https://arabic.sputniknews.com/arab/_world/201711231027762430-%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%
[2] الانسياق وراء “صفقة القرن”.. تهمة تتبادلها فتح وحماس ، المادة متوفرة على الرابط :
https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/1/18/%D9%81%D9%84%D8%B3%
[3] صحيفة الشرق الأوسط ، 20 سبتمبر 2018 ، المادة متوفرة على الرابط :
https://aawsat.com/home/article/1401401/%D8%A7%D9%84%D8%
[4] وكالة معا الفلسطينية ـ المادة متوفرة على الرابط :
https://www.maannews.net/Content.aspx?id=955571
[5]هيثم حسنين ، الطريق الأقصر إلى السلام في الشرق الأوسط يمرّ بالسعودية ، معهد واشنطن للدراسات ـ 13 اغسطس 2017 ـ المادة متوفرة على الرابط :
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the
[6] وكالة سبوتنك ، مصدر سابق .
[7] دينيس روس, ديف هاردن , و ديفيد ماكوفسكي ، صيغة جديدة للمساعدات الأمريكية إلى الفلسطينيين ـ 13 أيلول/سبتمبر 2018 ، المادة متوفرة على الرابط :
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/reshaping-u.s.-aid-to-the-palestinians