أرض السعيدة.. إمكانات نهوض زراعي لم يبدأ بعد!!

 

عبدالحميد الغرباني

ساد الوهم وجرد الكثير من أبناء الوطن وعيهم، وسلب البعض الثقة بذاتهم وأسباب عذابهم، وبات الكثير يعاني الارباك حول الصديق والعدو ولا يقدر على التمييز ، لدرجة يٌتصورٌ معها ان خلق مرحلة جديدة يأكل فيها الناس مما يزرعون حلم بعيد المنال أو في حكم المستحيل وأنّ التبعية للخارج و الرضا بالإفقار والقهر هو الامر الوحيد الممكن والواقعي ، ذلك أن النهضة عبر الزراعة أدرجت في قاع الأجندة خلال حكم الأنظمة السابقة وتحديدا منذ اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي ، حيث ظلت الزراعة مذاك اكسسواراً للدولة فيما هي جوهر التنمية بالنسبة للعالم وهي بالنسبة لليمن حجر الزاوية في بناء الاقتصاد الوطني إذ اليمن في المقام الأول بلد زراعي وهي في شبه الجزيرة العربية جزيرة خضراء في محيط من الرمال والحصى .
هذا التحقيق يستقصي الإمكانات الزراعية لأرض السعيدة ..، أو ما يسميها المختصون الموارد الطبيعية” على أن نتناول في تحقيق آخر الفرص والتحديات الماثلة أمام المحاصيل الحبية بالتفصيل وبما يخفف من مساحة التحقيق على القارئ والصحيفة معا وإليكم حصيلة هذا التحقيق:
محددات الإنتاج الزراعي في اليمن:
يعتبر اليمن بلداً غنياً بموارده الطبيعية ووجود فرص واسعة وأراضٍ شاسعة صالحة للزراعة توفر المقومات الاساسية للتنمية و يرتبط الإنتاج الزراعي في اليمن بعدد من المحددات هي :
اولاً: الارض والمناخ (الطبيعة هبة الخالق)
إذا كانت مصر هبة النيل في وصف “هيمويرس” فاليمن هبة موقعها ومواردها وثروتها وفي أراضها الكنز العظيم والخير الوفير واليمني منذ فجر التاريخ حّول بلده إلى حواضن للرزق الكثير، وبها قاوم نائبات الدهر.. ومتغيراته وتتميز اليمن بتعددها وتباينها البيئي والمناخي، فهي تشكيلة تضاريسية (أودية كبيرة وقيعان فسيحة وسهول خصبة) وتأتي ضمن ثلاثة نطاقات بيئية زراعية رئيسية هي:
1 – السهل الساحلي والجزر ويمتد من حرض غربا إلى حدود عمان شرقا..
2 – المرتفعات والهضبة الشرقية (صعدة، عمران، صنعاء، المحويت، ذمار البيضاء، اب، الضالع، تعز، لحج، ابين، المهرة، حضرموت)..
3 – النطاق الصحراوي الذي يتوزع الجوف ومارب وشبوة، الربع الخالي، رملة السبعتين)
وبين النطاق الأول والثاني منظومة واسعة من القيعان الزراعية الشاسعة والوديان الخصبة منها أربعون واديا رئيسيا تتوزع على أربعة احواض هي، البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والربع الخالي..
غير التنوع البيئي تعد المساحة المزروعة من اليمن ضئيلة جدا كما يؤكد مدير عام التخطيط بالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي الدكتور حسان الخولاني قائلاً ” المساحة المزروعة من اليمن لا تتجاوز 2% من مساحة اليمن المقدرة بخمسة وأربعين مليون هكتار، وهو ما يعني أن انتفاع اليمن من الأرض بالشكل الأمثل والمطلوب لم يبدأ بعد “.. ويتابع الدكتور الخولاني: ” نحن بحاجة إلى نهضة زراعية وإلى استغلال أرضنا وهناك فرص كبيرة متاحة تنتظرنا في هذا القطاع الحيوي”.
يضاف إلى التنوع البيئي الذي تمتاز به اليمن المناخ الملائم الذي يوفر تعدد مواسم الزراعة في العام الواحد لعدد من المحاصيل الزراعية، كما أن تنوع المناخ واختلاف درجات الحرارة والرطوبة يسهم في توزيع المناطق الزراعية في اليمن..
صالح محمد مثنى هو مساعد باحث في مركز بحوث الموارد الطبيعية المتجددة التابع للهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي – يؤكد أن التنوع البيئي والمناخي يعد أحد الركائز الأساسية للزراعة في اليمن ولنهوض بهذا القطاع المهم والواعد والأودية تشكل في هذا السياق رافدا حيويا لما فيها من تنوع غير عادي، فوادٍ يبدأ من المحويت وينتهي في حرض، وآخر مثل وادي سهام يبدأ من صنعاء وينتهي في الحديدة)..
ويتابع الباحث مثنى: المدهش أن أودية اليمن تتميز أيضا بالتنوع في إنتاج المحاصيل ففي أسفلها تزرع أنواع من الفواكه، كالموز والباباي والمانجو وهي المحاصيل التي تحتاج إلى درجة حرارة، بالإضافة إلى الدخن والذرة القصيرة كمحصول حبي وتجد في أعلى الوادي تنوعاً آخر حيث تزرع الذرة الشامية والعدس والفول والعتر والشعير والذرة الرفيعة والبطاط)..
ثانيا : الموارد المائية:
أرض اليمن ذات مصادر مياه متنوعة تجمع بين الأمطار التي تهطل خلال موسمي الربيع، مارس ـــ مايو، والصيف يوليوـــ سبتمبر..، والمياه الجوفية وتغطيها منظومة واسعة من الوديان والمساقط ومستجمعات المياه وغيرها من الأنظمة النهرية..
وفي شواهد التاريخ لليمنيين ما يبرهن على مهاراتهم فيما يتعلق بأنظمة الريّ، وبراعتهم في ادخار المياه وتصريفها، من خلال إنشاء قنوات المياه والسدود والصهاريج والخزّانات لزراعة الأرض، وسد مارب لا يقف شاهدا وحيدا على ما سبق وإن كان برأي البعض ” ثورة في عالم الهندسة وتفكير الإنسان ” إذ شيد اليمنيون ذات مرحلة وفي منطقة ظفار من محافظة إب حاليا ثمانين سدّاً، قيل عنها في الشعر اليمني القديم:
وفي البقعة الخضراء في أرض يحصب ثمانون سداً تقذف الماء سائلا.
خلال اعدادنا لهذا الملف جلنا في عدد من محافظات اليمن وفي منكث قريبا من ظفار استوقفنا المزارعون عند سد هران حيث يقول المزارع علي يحيى السباعي ” هذا السد منذ زمن الحميريين ولها مميزات كثيرة منها ممرين لدخول الماء من الجهة الشرقية والشمالية وهو واحد من جملة سدود ذكرها المؤرخون “، ويضيف المزارع السباعي: في الجهة الجنوبية لسد هران يقع سد المهيد وسجن وفي الجهة الشرقية يقع سد ذي الشهال وماجل الخير وذي يوسف وذي صرعف وفي الجهة الشمالية سد قصعان المشهور “..
ومع جمع اليمن بين المياه السطحية والجوفية وتميزه بإرث تاريخي استنبت الارض وأسس أوعية حفظ المياه للري فإن التقارير الرسمية وغيرها تصنف بلادنا من الدول التي تعاني شحة الموارد المائية.. وبمعزل عن صوابية ذلك أو خطائه فإن شبح شح المياه يتوارى، فوي ظل تطور نظم الري يقول الدكتور حسان الخولاني ” استخدام الطرق الحديثة في الري يوفر 40 % من المياه التي قد تستخدم عن طريق الغمر أو الطرق التقليدية، بما يعني أن بين ايدينا وسائل مواجهة مشكلة المياه”..
ثالثا : المعرفة وأساليب الإنتاج:
بالنسبة لليمني الزراعة ليست مجرد عمل وانما تعد أسلوب عيش وطريقة حياة ويمكن اليوم تنويع وتحديث أساليب الإنتاج والوصول الى مستويات إنتاجية عالية في عدة محاصيل، فأرضنا قابلة للزراعة وكان المزارعون في مراحل سابقة يزرعون ضمن دورات زراعية متتابعة يطلقون عليها (القياض والصراب، وهو أن يزرع المزارع ذرة وبعد الذرة يزرع عدساً.. و يزرع بعد ذلك قمحاً)، وغير ذلك.. ويؤكد الباحث صالح مثنى: ” يمكننا التوسع في الزراعة افقيا بمعنى استصلاح أراضي زراعية جديدة ومن خلال محاصيل واصناف ملائمة جدا لهذا التوسع متوفرة بين أيدينا وانتاجها عالي المستوى وأيضا لدينا التوسع الرأسي واستغلال المناخ الملائم للزراعة في اليمن بشكل كبير من خلال رفع إنتاجية وحدة المساحة نفسها من خلال حزم التقنيات الحديثة ” أصناف بذور محسنة ــ تسميد ــ معدل البذار ــ موعد الزراعة ـــ رفع كفاءة الري “)..
الدكتور حسان الخولاني من جهته يؤكد ” بوسع اليمنيين التوسع في الزراعة المحمية كأسلوب انتاج ناجع وبالاعتماد على الأصناف التي لا تتطلب مياهاً كثيرة وشن حرب ضروس تستهدف نبتة القات خصوصا في تلك المساحات المهمة مثل القيعان والأودية “..
أسباب التخلف وشروط النهوض
يجمع الكثير من المختصين في هذا القطاع الحيوي على أن مشوار النهوض الزراعي يبدأ بالتخلص وبشكل كلي من السياسة المنظمة التي عملت على تكريس عقدة النقص تجاه إمكانات بلادنا والنظرة الدونية تجاه أرضنا وتهيئة المناخ أمام الطبقة الفلاحية وسكان الريف بالدرجة الأولى للعودة الكاملة والمنظمة للأرض وتجسيد الاعتزاز بها عن طريق الفلاحة والزراعة باعتبارها أحدى اهم أدوات امتلاك الذات المستقلة..
وإذا كانت حيازة أسباب الإنتاج تبدأ بالإرادة والعزيمة التي تحسن استغلال الفرص فإن التخلف في هذا القطاع يعود بالدرجة الأولى إلى غياب أي استراتيجية وطنية للنهوض بالقطاع الزراعي، أو خطط لحكومات وجداول اعمالها خلال اكثر من ثلاثة عقود، وباستثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم الحمدي الذي شجع انشاء تعاونيات زراعية والعمل الجماعي التنموي في المجتمعات الريفية، وما تلى ذلك فقد فتح اليمن اسواقه للمواد الغذائية وللحبوب المستوردة، في ظل توصيات لا وطنية قدمت بلاد السعيدة أراضي غير صالحة لزراعة الحبوب…
يقول الباحث الزراعي صالح مثنى عن ذلك ” لم يتم تبني استراتيجية للنهوض بالوطن في القطاع الزراعي كسائر القطاعات المختلفة للدولة، ودعني اختصر لك المشهد انا موظف منذ اكثر من عشرين عاما دخلت الى هذا المكان المئات من السيارات الفارهة وفي المقابل لم اشاهد الا دخول تقريبا حراثتين زراعيتين ونحن ضمن منطقة زراعية”..
وفي ظل هكذا واقع كانت السياسة الزراعية تُصاغ بشكل متزايد بلغة الحد من انعدام الأمن الغذائي والحد من الفقر وتولت المنظمات الدولية توجيه مجمل الأنشطة في اليمن إلى ما تضيع معه فرص النهوض وتحقيق الامن الغذائي للبلد وفتحت البلاد للسوق الخارجي لدرجة مرعبة..
يضيف الباحث مثنى ” المنظمات الدولية والإقليمية المختلفة رفضت كثيرا المشاريع العملاقة كتلك المرتبطة بالأمن الغذائي وتعمدت التركيز على مشاريع هزيلة، واهملت مشاريع مهمة مثل استصلاح الأراضي الزراعية وتوسيع شبكات الري واتجهت هذه المنظمات الى دعم مشاريع تأسيس مجلس حماية الطيور والحدائق المنزلية للفقراء – يضحك – ويواصل الفقير يحتاج إلى مشاريع يجد فيها فرصاً لمكافحة الجوع ومشاريع تقدم حلولا جذرية وناجعة..
أهمية القطاع الزراعي
يبرز القطاع الزراعي كرافعة حيوية للاقتصاد الوطني خلال المرحلة الماضية مع كل ما سبق الاشارة إليه من اسباب تخلف حاصرت النهوض، فبحسب المركز الوطني للمعلومات (بلغ متوسط مساهمته حوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي وفي الدخل القومي بلغ متوسط مساهمة القطاع الزراعي (16.5%) وهي مؤشرات كانت وماتزال تستصرخ اليمن للنهوض زراعيا، لاعتبارات عدة تقدم بعضها ومنها ما يلعبه هذا القطاع في التنمية الاقتصادية وما يساهم به من إمداد السكان بالغذاء والمنتجات الزراعية والمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات الزراعية المتمثلة بـ:(القطن والخضروات والأصواف والألبان والزيوت والجلود) بالإضافة إلى الألياف والأخشاب، كما أن القطاع الزراعي يشكل سوقاً هاماً للسلع غير الزراعية، كما يأتي القطاع الزراعي في المرتبة الأولى من حيث استيعاب العمالة حيث تصل نسبة القوى العاملة الزراعية إلى 54% من إجمالي القوى العاملة في البلاد..
هذه المؤشرات يمكن عدها حافزا آخر يدفع نحو استراتيجية وطنية للقطاع الزراعي غنية بالرؤى والحلول وقائمة على التخطيط الجاد ووضع السياسات العامة المبنية على المعرفة، لنعيد بناء وحماية هذا القطاع وكل ما يتصل به وعلى قاعدة دولة للشعب وليس شعباً للدولة كما قال الشهيد الرئيس صالح الصماد في خطابه ما قبل الاخير في محافظة ذمار.

قد يعجبك ايضا