وفاء الكبسي
أربعة أعوام مضت على هذا العدوان الأمريكي السعودي على اليمن مليئة بحكايات الألم والأمل ، أحزان وصمود ، فاطمة تحمل نموذجاً للألم والأمل فالفقد سبب لها ألماً فظيعاً، فكلما ظنت أنها اعتادت عليه يؤلمها قلبها من جديد، فلم تتمكن من تسكين وجعها ، لكنها أستطاعت أن تحوِّل الفقد والحزن والألم إلى أمل وصمود وإيمان وثبات، فكلما اعتصرها قلبها على فقدان أهلها وزوجها وأبنائها أخذت تصبّر قلبها بأنها ستتلتقي بهم في دار الخلود -إن شاء الله.
على هذا الأمل تبقى أيام عمرها تنتظر اللقاء وربها راض عنها صابرة حامدة شاكرة .
تحكي لنا فاطمة قصتها فتقول: أنا ضمن الآف النساء المكلومات في اليمن بالفقد والحرمان.. لقد فقدت أغلى ما في حياتي ، فقد بدأ دمار حياتي وعائلتي منذ بداية العدوان حين قصف هذا العدوان الجائر اللئيم بيت أهلي وفقدت أبي وأمي وإخوتي وما هي إلا أيام قليلة وأنا في غمرة الحزن واﻷم إلا وقصف هذا العدوان سيارة زوجي ومعه أطفالي.. كان يوماً أسود حالك الظلام، لم أدرِ ماذا أقول أو أعمل ،تبلدت مشاعري ،وتوقفت دموعي وكأن الزمان توقف ..حمدت الله وشكرته لكن حزن فراقهم كان يشتد يوماً بعد يوم، ومازال هذا العدوان الجبان يتلذذ بدمائنا فلم يتوقف ولو لحظة واحدة عن القصف والدمار والخراب والقتل المتعمد ، فالأوضاع كانت من سيء إلى أسوأ، كانت مشاعري حينها ممزوجة بالحزن والألم والقلق والاضطرابات العارمة، إحساس أليم لا أستطيع وصفه.
وفي يوم كان الناس يهربون من جحيم القصف والموت والدمار حزمت أمتعتي وألقيت نظرة أخيرة على بيتي وألسنة اللهب تحرق كل ذكرياتي في بيتي وقريتي ، نزحت وأنا تائهة ضائعة، لا مأوى ومكان التجئ إليه برفقة أناس مثلي يهربون من نفس الجحيم .
نزحت معهم، ثم تعرفت على عائلة قريبة من قريتي أكملت معهم طريق النزوح ،وبعد رحلة شاقة وعناء شديد وصلت إلى صنعاء، وعندما كنت أمشي في بعض حاراتها كنت أبكي لعلي أرى بصيص أمل، إحساس موجع أن تفقد كل شيء ، إنه موت على قيد الحياة لكني مازلت أتنفس.
جميعهم رحلوا وتركوني دون أن يودعوني ،وهل أصعب من الموت إلا فِّراق الأحبة ذهبوا دون وداع، فغابت ملامحهم وأطياف أجسادهم، أما أرواحهم فهي تحلِّق حولي .. إنهم أحياء ما بقي الدهر.. إنهم شهداء مظلومون شهداء الإنسانية التي غابت عن هذا العالم،.. تلبدت الجراح بداخلي مع الصبر والإيمان والوثوق بالله الذي نما بعد طول ألم.. لقد نهضت من قوقعة أحزاني لأنثر العلم ، فقد تطوعت في إحدى المدارس بصنعاء وأخذت أعلِّم الأطفال وأزرع فيهم أمل الانتصار والصمود والثبات، وكنت أرى في كل طفل منهم أبنائي وضالتي.. نهضت بعزيمة امرأة مؤمنة، وهكذا بدأت من جديد .