*مشايخ الوهابية.. عين على الكرسي وأخرى على قبضة ابن سلمان
عواصم/ وكالات
رغم قدرة الوهابيين على الالتصاق بالأسرة الحاكمة السعودية لعقود طويلة والتنعم بسخاء ملوك آل سعود وحمايتهم، مقابل بقاء هؤلاء تحت سلطة الحاكم وتنفيذ كل ما يطلبه منهم والترويج له عبر المنابر التي يعتلونها يومياً ويخاطبون الناس من خلالها، بقيت الأمور على هذا الحال حتى وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، ليجد هؤلاء أنفسهم كـ “نخلة وحيدة في الصحراء” تعصف بها الكثبان الرملية من كل حدب وصوب، وهنا كان لابدّ لهم من أن يتّجهوا نحو “كسب رضا” ابن سلمان، ومن لم يفعل منهم ذلك تم وضعه في السجن.
اليوم بدأ مشايخ الوهابية بالمبالغة في مديح ولي الأمر، لدرجة أن من معهم صار عليهم من شدة غرابة الفتاوى التي يطلقونها للتقرب من ولي الأمر، على سبيل المثال قبل عدة أيام تداول نشطاء سعوديون مقطع فيديو على شبكة الانترنت ظهر فيه الداعية السعودي المقرب من النظام عبد العزيز الريس يطلق فتاوى جديدة يحاول من خلالها الحفاظ على بقائه بعد أن شاهد ما حصل مع أقرانه.
في مقطع الفيديو يدافع الريس عن آل سعود بطريقة لم يسبقه عليها أحد، وقال: “تخيّل لو أن ولي الأمر يخرج على شاشة التلفاز لمدة نصف ساعة يومياً وهو يزني ويشرب الخمر على الهواء مباشرة، ورغم هذا كله فلا يجوز الإنكار عليه علناً ولا مهاجمته بل يتوجّب الدعاء له وجمع قلوب العامة عليه”.
وبرأي الريس يجب على الناس دعم ولي الأمر بجميع السبل الممكنة معتبراً هذا واجباً شرعياً حتى لو كان الحاكم فاسداً.
بعد هذه الفتوى فتح الريس على نفسه “باب الجحيم” فقد بدأ النشطاء بمهاجمته بكلام عنيف، جاء ردة فعل على فتوى الريس التي اعتبرها البعض أنها تروّج لدين جديد بعيد كل البعد عن الإسلام، بينما وصفه البعض بـ “الديوث المطبل”.
ورد عليه أحد النشطاء قائلاً: “يا عبد العزيز الريس إذا الناس شاهدوا ولي أمرهم يزني و يشرب الخمر في التلفزيون كل يوم، خلال أسبوع واحد سوف يزني ويشرب الخمر ثلاثة أرباع الشعب إن لم يكن أكثر وبهذا تنحرف الأمة كلها، الناس على دين ملوكهم، الحمد لله الذي أظهر للناس جهلك”.
وهاجمه بندر بن مبارك آل شافي قائلاً :”لعنة الله على علماء السلطان، والله إنهم من زرع الضعف والذل في هذه الأمة”، وكتب آخر ساخراً :”يا جدعان هي السعودية اخترعت ديناً جديداً غير الإسلام بتاعنا”.
طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها الريس فتاوى وتصريحات مثيرة للجدل، فقد أعلن سابقاً شماتته بالدعاة والعلماء الذين جرى اعتقالهم وكان آخرهم الدكتور عبد العزيز الفوزان.
وقال “الريس” في تدوينة له عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر”: “الحزبية غباء أو تغابي، وجهل أو تجاهل!، أين سجن المصلح من المفسد؟! سُجن نبي الله يوسف لعفته، والإمام أحمد لاعتقاده السلفي، وسُجن الحزبيون لبدعة الثورات (الخروج)، كم تسبب الحزبيون في الدمار والخراب! أنسيتم نفخهم في ثورة سوريا ثم تهييجهم على ولاتنا؟، الحمدلله الذي سلّط عليهم ولاتنا”.
من جانبهم، استنكر المغردون المتابعون له شماتته من سجن العلماء والدعاة، مؤكدين بأن الدور قادم عليه لا محاله، في حين طالبه البعض بإثبات اتهاماته بحق الدعاة المعتقلين الذين اتهمهم بالتحريض على ولاة الأمر.
الوهابية وفوضى الفتاوى
رغم شهرة المذهب الوهابي الحاكم في السعودية بفتاوى التكفير والقتل، إلا أن هناك عشرات الفتاوى التي تبعث على الاستغراب، بل أكثر من ذلك.
العديد من الفتاوى تتعارض مع الحد الأدنى للعقل، هل الوهابية تستغبي الناس؟ أم إنها محدودة الآفاق لهذا الحدّ؟ وربما دورها الحالي المتمثل في مفتي السلطان يفترض عليها الظهور بهذا النحو.
هناك البعض من علماء الوهابية مازالوا يراهنون على ابن سلمان معتقدين أن كيلهم المديح لولي الأمر سيمنع التفاف الحبل السلماني على أعناقهم، ولكن ما يفعله ابن سلمان لا يوحي أبداً بأن أحداً يمكن أن يقف في وجه قرارته التي تقود إلى اعتقال رجال الدين في السعودية والتهمة بسيطة جداً وتبرر بكل بساطة لولي العهد اعتقالهم، على اعتبار أن التهمة الرائجة هذه الأيام أن “هؤلاء أشخاص يعملون لمصلحة جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها”، وحقيقة الأمر أن سبب اعتقالهم يتمحور حول عدم تأييدهم التوجهات الجديدة للملك القادم والذي يريد من خلالها تغيير وجه السعودية بين ليلة وضحاها، ولكن ورغم ذلك حتى اللحظة لم يستطع ابن سلمان أن يحدث أي فرق عملي وحقيقي على أرض الواقع، ويمكن أن تؤدي اعتقالاته العشوائية لرجال الدين والدعاة إلى قلب الطاولة عليه، لكون المجتمع السعودي، مجتمع ملتزم دينياً وما يفعله ابن سلمان قد يكون مغرياً للجيل الشاب لكن هذا لا يعني أبداً أن من يدير البلاد راضٍ عما يدور في ذهن ولي العهد.
في الختام.. ابن سلمان سيقضي على الفئة الكبرى من هؤلاء على أن يبقي بعضهم لتشريع خطواته لا أكثر، وهذا الأمر لا يحتاج إلى أعداد ضخمة يرى فيها ابن سلمان مصاريف يمكن حذفها سياسياً واقتصادياً من المشهد السعودي.
من جانب آخر شنّت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هجوماً عنيفاً على القيادة السعودية واصفة طرد السفير الكندي وقطع العلاقات مع كندا بأنه عمل لا يقوم به إلا “الطغاة المتخلِّفون”، منتقدة الصمت الغربي والدولي وخاصة الأمريكي واصفة إياه بالمعيب.
وقالت الصحيفة الأمريكية في مقال لها نشر صباح اليوم الثلاثاء: إن “وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، عاد ليقوّض مرة أخرى الإصلاحات التي بدأها لتحديث المملكة؛ من خلال العمل بشكل استبدادي مع رجال دين وتجّار وأثرياء ونشطاء حقوق إنسان”.
وأضافت الصحيفة: إنه “ليس غريباً أن ترفض الدول الانتقادات الخارجية، ولكن هذا الانتقام السعودي عدوانيّ وبدون أيّ داعٍ له، وهو فعل يهدف بالدرجة الأولى لتخويف من يفكّر بانتقاد السعودية”.
وحول السكوت الغربي عمّا فعلته السعودية ضدّ كندا، قالت الصحيفة: إن “مثل هذا الفعل سابقاً كان لا يمرّ بصمتٍ كما يجري الآن، في حين لم نسمع حتى اللحظة سوى تذمّراً محدوداً”. وانتقدت الصحيفة موقف أمريكا من التصرُّف السعودي ضدّ كندا، مؤكّدة أنه لم يصدر سوى ردّ فعل وحيد من مسؤول في وزارة الخارجية، الذي أكَّد أن حكومته طالبت السعودية بتوفير المزيد من المعلومات حول المعتقلين.
وأشارت إلى أن “ترامب سبق له الإذعان لسلوك السعودية الاستبدادي، ويبدو أن الهجوم الذي شنَّه ترامب على رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، في يونيو الماضي، جعل محمد بن سلمان أكثر جرأة في التصرّف بهذا الشكل مع كندا”.
ولم يسلم ابن سلمان من انتقادات الصحيفة خاصة طريقة وصوله إلى السلطة وخطوات الانفتاح التي قام بها في السعودية؛ والمتمثّلة في منح المرأة الحق في قيادة السيارة، وافتتاح دور السينما، حيث قالت إنها “ترى أنه يتعامل بشكل استبدادي مع رجال دين وتجار وأثرياء ونشطاء حقوق إنسان”.
وحول الخداع الذي تقوم به السعودية واتهام كندا بالتدخل بشؤونها قالت الصحيفة: إن “السعوديةَ تتدخل في شؤون دول عربية كاليمن والبحرين وقطر ولبنان ومصر وتونس و….، كذلك سعت إلى التأثير في صفقة الرئيس السابق، باراك أوباما، مع إيران بخصوص البرنامج النووي الإيراني”.
يذكر أن الأزمة السعودية الكندية بدأت بعد انتقاد كندا السياسات السعودية في ملف حقوق الإنسان، والتي تمثّلت في القبض على ناشطات حقوقيّات، بينهن سمر بدوي، الناشطة الحقوقية السعودية التي تحمل الجنسية الكندية.