انخرطت المملكة العربية السعودية في حرب كلامية ودبلوماسية واقتصادية مع الحكومة الكندية، رداً على تغريدة مخففة اللهجة صدرت عن الخارجية الكندية، وسفارة أوتاوا في الرياض، تضمنت التعبير عن القلق البالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، والحث على الإفراج الفوري عن جميع النشطاء السلميين في مجال حقوق الإنسان.
لكنّ الخارجية السعودية ردت بشدة وعلى نحو غير متوازن، فاعتبرت السفير الكندي شخصاً غير مرغوب فيه ويتوجب أن يغادر أراضي المملكة خلال 24 ساعة، كما استدعت السفير السعودي لدى كندا، وجمدت تعاملاتها التجارية والاستثمارية الجديدة هناك، وهددت باتخاذ إجراءات أخرى.
وكان واضحاً أن ردة الفعل السعودية هذه تجاوزت الحدود الطبيعية في التعبير عن الاحتجاج الدبلوماسي بين الدول، وبدا وكأن الرياض تفتعل معركة غير متناسبة مع محتوى التغريدة الكندية، خاصة وأن الكثير من الدول والمنظمات عبرت عن احتجاج مماثل وحثت على المطلب ذاته.
ولم يكن خافياً على كثير من المراقبين أن الأمر في الجوهر يعكس ضيق الرياض بأي مستوى من النقد حول حقوق الإنسان والحريات العامة في المملكة، وهذا بدوره يشير إلى مقدار التأزم الذي تشهده الجهود السعودية لتعمية الرأي العام العالمي حول حقائق «الإصلاح» الذي يزعم قيادته ولي العهد محمد بن سلمان.
ولقد كانت مفارقة صارخة أن السلطات السعودية، التي تغنت بقرار بن سلمان السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، على نحو مشروط وبعد حظر دام عقوداً، لجأت في الآن ذاته إلى اعتقال ثلاث ناشطات كنّ الأبرز في المطالبة بهذا الحق البسيط والمشروع.
وليس اعتقال الناشطتين نسيمة السادة وسمر البدوي سوى تتمة طبيعية للحملة التي طالت مواطناتهن لجين الهذيل وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف، ولسلسلة حملات الاعتقال التي غيّبت العشرات من نشطاء الرأي العام والمشايخ، بمن فيهم أولئك الذين هللوا في البدء لخرافة «الإصلاح» التي نُسبت إلى بن سلمان.
والمراقب لردود الأفعال السعودية الرسمية إزاء ملفات مثل هذه يلاحظ سكوت المملكة عن انتقادات أشد لهجة صدرت عن حكومات ومنظمات أهلية في أمريكا وبريطانيا، وتحديداً خلال زيارات بن سلمان الرسمية، بما يوحي بأن الرياض استضعفت أوتاوا فثارت ثائرتها ضد تغريدة، ولكنها سكتت سابقاً عن الأدهى في واشنطن ولندن.
كذلك لم تجد الخارجية السعودية أي «إخلال بمبدأ السيادة» حين أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحاته المهينة، وعرض الرسوم الإيضاحية حول عقود التسلح، بحضور بن سلمان شخصياً في البيت الأبيض.
حقائق «الإصلاح» في السعودية يتم افتضاحها يوماً بعد آخر، فلم تعد تنطلي حتى على السذج أضاليل افتتاح دار للسينما مقابل اقتحام البيوت في أنصاف الليالي لاعتقال النساء، أو المرابطة أمام المساجد لتكميم الأفواه، أو إخفاء الإحصائية الرهيبة التي تقول إن أحكام الإعدام تضاعفت خلال سنة واحدة منذ تسمية ولي العهد.
فكم من الأصوات سوف تفلح أجهزة المملكة في خنقها؟ وما عدد السفراء الذين سوف تطردهم بسبب تغريدة هنا أو تصريح هناك؟ وبأي غربال سوف يحجب بن سلمان شموس السعودية؟
*نقلاً عن القدس العربي