* 30 ألف مريض ضاعف العدوان أعدادهم وفاقم الحصار معاناتهم
تحقيق / حاشد مزقر
لا مقومات بيئة آمنة لحياة صحية محصنة بأسباب وقاية وافية من المرض.. لا مراكز طبية لا تزال مزودة بمتطلبات تقديم خدمات علاجية متكاملة.. لا أدوية ومحاليل متوفرة بيسر وكفاية وأسعار مواتية لغالبية المرضى.. لا مصادر دخل أو وظائف ورواتب مستمرة لتأمين نفقات الممكن من العلاج.. لا مطارات ومنافذ مفتوحة للسفر خارج البلاد في طلب العلاج.. مفقودات خمس غدت تؤلف جدران وسقف غرفة تعذيب وإعدام بطيء، أمعن في تشييدها لعشرات الآلاف من اليمنيين ولا يزال عدوان غاشم وحصار ظالم من 17 دولة بقيادة السعودية يدخلان عامهما الرابع في 26 مارس المقبل وسط إقرار بعثات منظمات الأمم المتحدة ومنظمات دولية مدنية طبية وحقوقية بالمأساة وتفاقمها وإحجام عن إنهاء أسبابها ووقف تداعياتها ومعالجة آثارها!!
تلك خلاصة وقفت «الثورة» على تفاصيلها، لوجه آخر بشع للعدوان وحصاره وجرائمه المتواصلة في اليمن، ضحاياها مرضى الأورام السرطانية الذين تؤكد الوقائع تسبب العدوان وقنابله وتداعيات غاراته في تزايد أعدادهم وتسبب حربه الاقتصادية وحصاره البري والبحري والجوي في تفاقم معاناتهم.. كما يتبين فيما يلي:
لا تكمن المشكلة في توفر الأدوية فقط، فمن انعدام مستلزمات نقل الدم إلى محاليل فحصها ومستلزمات العمليات وكذلك أدوية التخدير والإنعاش والمحاليل وأجهزة تشخيص أنواع الأورام تتفاقم معاناة مرضى السرطان إلى جانب تعذر الحصول على الأدوية ومع دخول كثير من مراكز علاج الأورام السرطانية مرحلة الانهيار بسبب الحصار الجائر فإن هذا المرض أصبح في كل يوم يفتك باليمنيين ومازاد الطين بلة توقف البرنامج الوطني للإمداد الدوائي والمركز الوطني لعلاج الأورام عن توزيع الأدوية المجانية للمرضى الذين لم يعد أمامهم سوى البحث عنها في السوق التجارية، وأمام عجز الآلاف عن دفع ثمنها فإنهم يواجهون المصير المحتوم.. عذاب الموت البطيء.
مأساة تتفاقم
تلك مأساة كل مريض بورم سرطاني يعرفه الناس بهيئته ووجهه الشاحب وجسده النحيل وهو يتردد ويتنقل من وإلى المركز الوطني للأورام في أمانة العاصمة وفروعه في المحافظات..
حدث هذا معنا حين التقينا (محمد) الذي قادته ظروف الحياة ليعيش واقعا مريرا مع سرطان اللثة «محمد» وعمره اليوم 55 عاماً أصبح طريح الفراش يعاني المرض ويكابد أوجاع الألم مما جعل ابنه الأصغر (إبراهيم) يتحمل مسؤولية 4 بنات بالإضافة إلى والديه (الأب والأم) وتكاليف العلاج باهظة الثمن والتي لم يعد قادرا على تأمينها بعد انقطاع الأدوية من القطاع العام وارتفاع أسعارها في الصيدليات حتى بعد ما اضطرته الظروف القاهرة للخروج من مدرسته إلى الشارع والقرية والمدينة «حاملاً أوجاع والده في قلبه».
لم يعد هناك قريب أو صديق لوالده إلا وطلب «إبراهيم» منه المساعدة كما يقول ويضيف : أصبحت ظروف الناس صعبة للغاية بسبب انقطاع الرواتب، وعدوان الآثمين على اليمن، وليس لي خيار آخر غير مشاركة والدي في آلامه وأوجاعه».
مرارة العيش
ما إن يغادر (حسن) المستشفى بعد إعطاء ولده (حسام) جرعة علاج كيماوي لمرض سرطان الدم (اللوكيميا) حتى يقوم بإخفاء وجهه لكي لا يتعرف عليه أحد من أصدقائه أو جيرانه فهو لا يريد أن ينظر إليه الناس بنظرة شفقة.. يقول: منذ أربع سنوات وأنا أجوب المستشفيات باحثاً عن الشفاء لابني الذي لا يتجاوز عمره العاشرة ومع كل مساء أذهب لعملي كحارس في إحدى الشركات الخاصة لأعود إلى منزلي مع حلول منتصف كل ليلة و لأجني مع نهاية كل شهر مبلغا زهيدا لا يتجاوز الـ 40 ألف ريال والذي لا يوفر نصف ثمن الأدوية علاوة على طعام وحاجيات زوجتي وأطفالي الثلاثة.
وأضاف: كنت قبل أن تبدأ السعودية عدوانها على اليمن احصل على الأدوية من البرنامج الوطني للإمداد الدوائي ولو بشيء من الصعوبة أما الآن لم يعد أمامي غير الصيدليات التجارية والتي أصبحت تبيع الأدوية بأسعار باهظة لقد بعت الكثير من أثاث المنزل وأصبحت غارقا في الديون من اجل بقاء ابني على قيد الحياة.
معاناة وحرمان
ثقيلة هي الأيام وهي تمر على المرضى وهم يعانون الآلام الشديدة لمرض السرطان الذي لا يميز بين كبير وصغير، كما هو حال الطفلة سميرة الغيلي» ذات التسعة أعوام يفتك السرطان بجسدها الضعيف ولم تعد تمتلك من الحياة إلا القليل من النظرات توزعها هنا وهناك وعيناها تذرفان الدموع من شدة الألم والوجع وهي مستلقية على فراش المرض وتحت نظرات والديها المكلومين قهراً على ابنتهما في ظل انهيار النظام الصحي والذي دمرته دول الشر.
«سميرة» التي تعاني بجانب المرض من سوء التغذية جراء عوز وفقر أسرتها، ترقد في مستشفى الثورة بصنعاء إلى جوار عشرات المرضى الذين يترددون من محافظات يمنية عدة على مركز علاج أمراض السرطان بحثاً عن بصيص أمل في تخفيف آلام المرض والبقاء على قيد الحياة..
عشرات الآلاف
ما سلف نماذج فقط لمأساة مريرة يعيشها أكثر من 30 ألف يمني مصاب بالسرطان بحسب منظمة الصحة العالمية صار كل واحد منهم يواجه خطر الموت في ظل حصار شامل يمنع دخول الأدوية ويدمر القطاع الصحي ما يمكن السرطان في وضع كهذا من قتل العديد منهم.
منظمة الصحة العالمية أشارت في تقرير لها إلى تنامي انتشار أمراض السرطان في اليمن حيث تقدر المنظمة أن هناك 30 ألف مريض بالسرطان في اليمن كل عام وتقول المنظمة: إنها سجلت 10 آلاف حالة جديدة في عام 2017م ولم يحصل سوى 40 % منهم على العلاج بشكل مناسب.. منظمة الصحة العالمية وصفت هذه الأرقام بأنها « تعد صادمة وكارثية تجعل اليمن في المرتبة الأولى عربياً.
وفي تقرير لها عام 2015 كانت منظمة الصحة العالمية قد قدرت عدد من يصيبهم السرطان في اليمن بـ 20 ألف شخص سنوياً فيما تصل نسبة الوفيات إلى 60 % من هذا العدد أي 12 ألف شخص في السنة ويتماثل للشفاء ما بين 25 – 30 % من المصابين ويعيش لأكثر من عام ما بين 10 – 15 % ما يجعل نسبة ارتفاع عدد المصابين في اليمن للعام 2017 بـ 10 آلاف حالة خلال عامين أخطر مؤشر في العالم وفق المنظمة.
أصناف السرطان
وبحسب تقريرها الأخير توضح منظمة الصحة العالمية أن سرطانات الجهاز الهضمي تمثل في اليمن ما نسبته 8.13 % يليه سرطان الفم واللثة بنسبة 7.10 % وهذا نوع من السرطان ينتشر في الحديدة بشكل خاص ثم سرطان الغدد اللمفاوية بنسبة 5.10 % وسرطان الثدي 4.10 فيما تمثل نسبة سرطان الدم 9.8 %.
ولاشك أن هذه الأرقام والحقائق مهولة لكنها رغم ضخامتها أقل بكثير من الحقيقة إذا ما أدركنا أن المجتمع اليمني ريفي بتكوينه وأن عدداً كبيراً من الريفيين يموتون بعيداً عن أروقة المستشفيات من دون أن ترصدهم الإحصاءات الطبية.
تداعيات العدوان
فاقمت الأوضاع السياسية والاقتصادية المأزومة التي عاشتها اليمن منذ مطلع العام 2011 معاناة مرضى السرطان حيث أدت إلى حرمان كثير منهم من الأدوية في المستشفيات الحكومية والتي يكلف شراؤها أثمانا باهظة ومع شن العدوان السعودي لأولى غاراته على اليمن في 26 مارس 2015 واستهدافه القطاع الصحي بكل ضراوة وفرضه حصارا اقتصاديا شاملا تدهور الوضع الصحي لمرضى السرطان بعد أن انعدمت الأدوية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة اليمنية وأصبح معظم مرضى السرطان لا يتمكنون من الحصول على جرعاتهم العلاجية بشكل منتظم لأنها تكلف مبالغ كبيرة في القطاع الخاص. لكن حتى الخدمات الطبية لمرضى السرطان لم تعد أغلبها متوفرة لدى القطاع التجاري مما أدى إلى تدهور حالة المرضى الصحية وتزايد حالات الوفاة وهناك العديد من الأدوية التجارية لا تزال متوفرة في الأسواق لمرض السرطان تكلف في الحد الأدنى (200 دولار) وتصل بعض الجرع منها إلى (500 دولار) في وقت يعيش فيه اليمن مرحلة تدهور حاد للعملة المحلية جراء حرب العدوان الاقتصادية بحيث أصبح الحصول على العلاج صعب المنال.
انتشار متصاعد
تؤكد تقارير منظمات طبية وحقوقية استخدام العدوان قنابل وأسلحة محرمة دوليا تفتك بالمدنيين وتشير إلى تسبب الكيماوية منها في نشر أمراض خطيرة منها تشوه الأجنة والمواليد والسرطانات بأنواعها وهو ما تؤكد مؤشرات تزايد حالات الإصابة بالسرطان في اليمن منذ بدء العدوان.
الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني لعلاج الأورام تؤكد أن المركز استقبل عند افتتاحه في عام 2005م أكثر من (11) ألف إصابة بالسرطان، وفي عام 2006م بلغت أكثر من 13269 إصابة بالسرطان، وفي عام 2007م بلغت أكثر من 19 ألف إصابة بالسرطان وقفز الرقم إلى 22 ألفاً في عام 2011م وتخطى حاجز 25 ألف حالة عام 2016م فيما استقبل العام الماضي 30 ألف حالة إصابة بمرض السرطان.
وبحسب إحصاءات المركز الوطني لعلاج الأورام تبرز علاقة تناسب بين التوزيع الجغرافي لحالات الإصابة بالسرطان المسجلة وبين كثافة غارات طيران العدوان حيث سجلت محافظات صعدة صنعاء وأمانة العاصمة المرتبة الأولى تليها محافظة تعز ثم محافظة إب ثم الحديدة وهي النسب الأكبر من حالات السرطان الوافدة إلى المركز في حين تصدرت أنواع الإصابة بالسرطان، سرطانات في الجهاز الهضمي وبعدها سرطان الغدد الليمفاوية والبلعوم الأنفي..
فيما أشار تقرير صادر مركز الأورام في محافظة عدن إلى إن المركز يستقبل من 30 إلى 50 حالة إصابة يوميا بعضها إصابات جديدة وأشار التقرير إلى أن المركز لم يحصل على أي موازنة تشغيلية منذ العام 2014 وحتى هذه اللحظة.. كما سجل مركز الأورام بمحافظة حضرموت 30 حالة تدخل يوميا إلى المركز..
استغاثة في الخواء
هذه الأرقام المتصاعدة للإصابات بالسرطان في الأمانة والمحافظات التي توجد فيها مراكز علاج الأورام جعلت المركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء يطلق نداء استغاثة عاجلة لوقف النقص الحاد في تقديم الخدمة بسبب الحصار وطالب مركز الأورام في النداء كل هيئات ومنظمات الأمم المتحدة بالتدخل السريع لإيقاف الحصار المفروض على اليمن الذي يمنع تدفق الأدوية.
وناشد المركز الأمم المتحدة وقف التدهور الحاد في علاج مرضى السرطان في اليمن محذرا من خطورة الحالة التي وصلت إليها الخدمة والتي أدت إلى وقف الخدمة العلاجية المقدمة لمرضى السرطان جراء استمرار العدوان والحصار.. ليصبح الموت عند هذه الحدود الكارثية هو الأقرب، بل إنه صار «رصاصة الرحمة» لكل مريض صار غير قادر على السفر وغير قادر على شراء العلاج أو الوصول إليه، بفعل شحة الدواء وغلاء ثمنه في السوق المحلية..
إنجازات العدوان
يظل الثابت: أن الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الشعب اليمني والنظام الخدمي الصحي المشلول، والغياب الكامل لأبسط الأدوية اللازمة لمرضى السرطان في بعض المرافق الخدمية، وغيرها من مظاهر الدمار، ما كان لها أن تكون لولا العدوان والحصار اللذين أنتجا آثاراً كارثية على اليمنيين الأصحاء وأشد فتكاً بالمرضى ، الذين تجرعوا عواقب وخيمة وبخاصة الفئات الضعيفة كالنساء الحوامل والمواليد والأطفال الصغار.
تسبب استهداف العدوان المباشر وغير المباشر للقطاع الصحي ومتطلبات خدماته في مضاعفة الحاجة إلى السفر للعلاج خارج اليمن، وهناك بحسب وزارة الصحة نحو مائة ألف مريض على الأقل في قائمة انتظار رفع حصار العدوان عن مطار صنعاء وحده، كي لا يلقوا مصير آلاف المرضى الذين توفوا وهم ينتظرون السفر للعلاج.
وتقدر تقارير دولية بأن 14.8 مليون يمني يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية بينهم 8.8 ملايين شخص يعيشون في مناطق تفتقر بشدة إلى الخدمات فيما تضرر و دمر ما لا يقل عن 290 مرفقاً صحياً وهناك نقص شديد في المواد الطبية ولا يعمل سوى 40 % من إجمالي المرافق الصحية وبقدرات منخفضة للغاية كما غادر البلاد كل العاملين الصحيين الأجانب الذين كانوا متواجدين في اليمن قبل بدء العدوان عليها والبالغ عددهم 1,200 عامل صحي ناهيك عن الأمراض الناجمة عن الأسلحة والقنابل المحرمة دولياً والتي يستخدمها العدوان السعودي في غاراته على اليمن.