*مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “الثورة” تنشر الكتاب في حلقات
شكَّلت مجموعةٌ من العناصر أسبابا سياسية دفعت أولئك النجديين لارتكاب هذه المــذبــحــة بسَبْقِ تعمُّدٍ وإصرار.
كان الملك عبد العزيز ابن سعود قد أخضعَ معظم عسير لحكمه وعلى رأسها (أبها)، وقد قدِم ولدُه فيصل بجيش من الإخوان التكفيريين، وخاض عددا من المعارك مع ابن عائض العسيري انتهت بهزيمته وتثبيت حكم النجديين على هذا الجزء من الــيــمــن الكبرى؛ وعلى إثرها عاد فيصل إلى الرياض في أوائل سنة 1341هـ، لكن قبائلَ من بني شهر في عسير لم تشأ الاستسلام، حيث ثار الشبيلي وجماعة من بني شهر ضد ابن سعود خلال عام 1341هـ، واشتبك مع جيش ابن سعود بقيادة عبد العزيز بن إبراهيم.
في المقابل كان الإمــام يــحــيـى والــيــمــنيون يعتبرون منطقة عسير جزءًا لا يتجزأ من الــيــمــن وكانوا يجاهرون بذلك؛ ولهذا كان الخلاف والاصطدام متوقعاً ، وكان تأجيله ناتجاً عن انشغال الإمــام يــحــيـى في ترتيب أوضاعه الداخلية التي منعته من التعامل بما ينبغي تجاه ملف عسير، بينما كان ملك الرمال ينتظر الفرصة لإيصال رسالةِ تهديدٍ وإجبارٍ للإمام يحيى بإقرار الوضع الحالي كما هو عليه وبدون ادعاءات.
كان الإمام يتمسَّك بالحق التاريخي في عسير جبالِها وسهلها وأنها جزء لا يتجزّأ من الــيــمــن منذ قرون طويلة، بل ولأنه كان الوريثَ الوحيدَ للأتراك العثمانيين في كل ما كانوا يسيطرون عليه في الــيــمــن، بما في ذلك عسير، التي كانوا يعتبِرونها اللواء الرابع من ألوية الــيــمــن، وكان ينظر إلى الأدارسة بأنهم دخلاء.
يقول الدكتور الوجيه: “إن رفض الإمــام يــحــيـى للاحتلال السعودي لمدينة أبها وما حولها ومطالبته لآل سعود بالرحيل منها ليوحي بأن تلك الحادثة (مــجــزرة تـنـومـة) كانت رسالة تهديد وتخويف”.
في جانبٍ آخر، ظلَّ الإمــام يــحــيـى عصيا على بريطانيا على خلافِ جميعِ حكام الجزيرة العربية، لم يقبل التطويع، وأنِف من التحالف معهم والمهادنة لهم، باعتبارهم أعداءً للأمة، ويسعون لاحتلال بلدانها واستغلالها، وباعتبارهم محتلين لجنوب الــيــمــن، وكانت بريطانيا تتحين الفرص إلى الدفع بالحاكِمَيْنِ الأقوَيَيْنِ في الجزيرة العربية إلى حافَّة المواجهة، لحَرْفِ نظر الإمــام يــحــيـى إلى الحدود الشمالية لليمن، وصرفه عن النظر نهائيا إلى عدن والمناطق المحتلة في الجنوب، والتي دوما يكرِّر الإمــام يــحــيـى ضرورة تحريرها من دنس الاحتلال البريطاني. وهذا ما تجلَّى بوضوح في دفعها للإدريسي للاحتماء بالسعوديين ليدفَعَهم نحو التصادم مع الإمــام يــحــيـى مباشرة.
وفي المقابل كانت الخصومة التاريخية بين أشراف الــحــجاز والنجديين قائمة، وكانت مسألة حدود نجد والــحــجاز هي القاصمة لظهر العلاقات الودية بين الحاكمَيْنِ المواليَيْنِ للإنجليز، بالإضافة إلى الاختلاف المذهبي والخصومة التاريخية بين أسلافهما؛ لهذا تميَّزت علاقات الطرفين بالسوء، وقد رأينا كيف أمدَّ الشريف حسين ثوارَ عسير بالرجال والمال في مواجهتهم لابن سعود.
بيدَ أن الشريف حسين ملك الــحــجاز أخطأ في تقدير قوة خصمه النجدي عبد العزيز ابن سعود؛ ولهذا تعرَّض جيشه للتمزيق والتبديد في وقعة (تُرَبة)، وبدأ منذئذ العدُّ العكسي لحكمه على الــحــجاز.
وكان على الدوام يحدو عبدَ العزيز ابنَ سعود الشوقُ الدائمُ لاحتلال الجزيرة العربية مدَّعيا أنها أملاكُ أبائه وأجداده كما صرَّح بذلك لأمين الريحاني؛ ولهذا فقد جنّد كثيرا من بدو الوهابيين النجديين ممن سمي بالإخوان في تلك الهِجَر المنعزلة عن العالم والموبوءة بأفكار التطرف والوحشية.
عبد العزيز – من خلال أذرعه العسكرية الوحشية، هِجَر الإخوان وتشكيلاتهم القتالية – أجاد صناعةَ الرعب، وإدارةَ التوحش، والحربَ النفسية، وبها استطاع إيصال رسائل نفسية جامحة إلى قلوب خصومه قبل أن يصلهم بجيشه، وكان في الوقت نفسه بارعا جدا في التمثيل والتظاهر بالسخط تجاه ما يرتكبه جيشه المدجَّج بعُقَد وعقائد الكراهية والتكفير والوحشية، ولم يمانِع من ذَرْفِ دموع التماسيح إذا استلزم الأمر، والتي كان يطير بها عشاقه ومريدوه لإظهاره حمامةَ سلامٍ لا تُجارى، وإمامَ هداية لا يبارَى، لكن إصرارُه على استخدام هذه القوات الوهابية المتوحشة في كل مرة لاحقة، وإخضاعُهم لأهم المناطق الاستراتيجية في الجزيرة العربية – دليلٌ على إجادته التمثيل وعلى تصنُّعه البارع.
وما أشبه الليلة بالبارحة فها هم أولاده شاركوا مع الأمريكان في صناعة جماعات التكفير المعاصرة في العالم الإســـلامي، وشغَّلوها لضرب الأمة الإســـلامية من الداخل بما لا يضرُّ مصالحَ دولِ الاستكبار، بل بما يفيدُها، ووجدْنا عيانا بيانا دعمَ النظام السعودي والأمريكي لهذه الحركات، في الوقت الذي تظاهروا كثيرا بأنهم يحاربونها ويكرهون تصرفاتِها، سواء في سوريا أو العراق أو الــيــمــن أو مصر أو المغرب العربي، أو غيرها من البلدان.
وبالعودة إلى أسباب مــجــزرة تـنـومـة السياسية فإنه بحسب الرواية النجدية كان قد تسرَّب خبرُ مشروعِ اتفاقيةٍ بين الإمــام يــحــيـى والشريف حسين ملك الــحــجاز بالتصدي لابن سعود، ومن بنود تلك الاتفاقية “التعاون والتناصر” بين الجانبين، ولكنه تعاونٌ مشروط بكونه “موقوفا على الطلب من أيِّ الجانبين عند الاحتياج واللزوم، وفي دائرة النصوص الشرعية”، كما هو النص المقتَرح للاتفاقية التي لم تكن قد وُقِّعَتْ بعد، وكانت لا تزال مجردَ حِبر على ورق.
وصل ابنَ سعود نبأُ هذه الاتفاقية المزمع توقيعُها، فكان بحاجة ماسّة إلى فضِّ هذا الاتفاق الذي يلوح في الأفق بين الــيــمــن والــحــجاز، بل وكان بحاجة إلى ضربه في الصميم نفسيا وواقعيا، وإيصال رسائلَ متعدِّدة الأهداف لكيِّ دماغِ حكام الــيــمــن والــحــجاز في هذا الصدد.
لكنَّ السؤالَ المُهِمَّ: من الذي سرَّب مشروع هذه الاتفاقية، وهي التي ظلَّت طيَّ الكتمان، والتي أوصى الإمــام يــحــيـى بإبقائها سرية، ومن هو المستفيد من تسريب هذا الخبر، وما الذي يريد تحقيقه من أهداف؟
والذي يترجَّح أنه أحد جهتين: إما الإنجليز هم من تولَّى إبلاغ ابن سعود ببنود هذه الاتفاقية المزمع توقيعها، وهو ما لمَّح إليه عرّاب هذه الاتفاقية أمين الريحاني عند لقائه بكاتبة أسرار المندوب السامي في الأمور الشرقية في العراق (جر ترود بل)(7) كما مر ذكره، أو الرحالة أمين الريحاني نفسه، والذي تدل على ذلك مؤشراتُ أنه أعجبه المقام في حضرة ابن سعود، وأنه أخلص له، وطالما أنشأ معلقات النثر في الثناء عليه.
الإنجليز وقد عانوا من الإمــام يــحــيـى وتهديداته المتكرِّرة بطردهم من عدن ومحمياتها التسع في الجنوب، وكونه الحاكم العربي الوحيد في الجزيرة العربية العصي على التطويع لسياساتهم الاستعمارية في المنطقة؛ كان لا بد أن يهيئوا الظرف الملائم لمعاقبة الإمــام يــحــيـى من خلال إقحامه في مشاكلَ مع جيرانه، وحرْفِ نظرِه بعيدا عن محمياتهم في ما سموه بـ(الجنوب العربي)، وكان المرشَّح للقيام بهذا الدور في تلك الفترة هو رجلهم المفضل عبد العزيز ابن سعود.
حاول الرحالة نزيه مؤيد العظم أحدُ رجال العرب آنذاك التحريَ والبــحــث الدقيق في سبب هذا العدوان على حــجــاج الــيــمــن، مع “أناس مسؤولين” “في الــيــمــن، والــحــجاز، ونجد، ومصر، ممن “يتتبَّعون حوادثَ البلاد العربية باهتمامٍ كبير”، فبــحــث معهم “عن الأسباب الحقيقية التي حدَتْ بالإخوان الوهابيين لاغتيال هذا العدد العظيم من الناس وهم ذاهبون إلى بيت الـلـه الحرام”.
وبعد هذه الرحلة الشاقة توصَّل إلى نتيجةٍ مفادُها “أن لبعض الأجانب ضلعا في هذه المؤامرة، وقد كانوا يتوخَّون منها إثارة الفتنة بين الملك عبد العزيز والإمــام يــحــيـى وامتداد الحرب من الــحــجاز إلى الــيــمــن”، واستنتج أنهم ذكروا لابن سعود بأساليبَ شتى، وعن طرقٍ عديدة، وبواسطة أناسٍ كثيرين أن الملك حسين قد استنجد بالإمــام يــحــيـى للقتال معه ضده، فاعتذر الإمامُ عن الدخولِ في الحرب معه بشكلٍ علَني، ولكنه أوفد هذا الجمعَ الغفيرَ بصورةِ حــجــاج للتطوع في الجيش الــحــجازي، ويبدو أن ابن سعود قد “أخذ بهذه الدعاية الباطلة، وأمرَ جُندَه من الإخوان بأن يبيدوا هؤلاء الناس عن بكرة أبيهم”.
ويرجح الدكتور صالحية: “أن خبر المعاهدة التي تولى صياغتها أمين الريحاني مع الإمــام يــحــيـى ومستشاريه والتي لم توقَّع بعدُ قد وصلت أخبارُها إلى بلاد الملك عبدالعزيز ابن سعود، إما من قبل عيونه، أو سرِّبت من قبل البريطانيين”.
إنه لمن الوجاهة بمكانٍ صحة هذا الاستنتاج الذي توصَّل إليه نزيه العظم ذلك الرحالة العربي بعد رحلة طويلة من البــحــث، وهذا الدكتور صالحية الباحث المتخصص في تاريخ العرب الحديث، لا سيما ونحن الآن نشاهد كيف يَمْضي أولادُ ابن سعود في تنفيذ مؤامراتِ هؤلاءِ الأجانب من الأمريكيين والإنجليز بأسوأ مما كان عليه والدهم؛ إذ لم يتغير شيء من سياسة هذا الكيان، بل ازدادت حالته سوءا.
بالإضافة إلى أنه استنتاجٌ يدعمُه سلوكُ الإنجليز الاستعماري وتاريخُهم المشين في صناعة الفرقة والشتات في الشرق خدمة لأغراضهم الاستعمارية، كما يدعمه أيضا مقتضى الفكر التكفيري المتوحِّش الذي حمله الوهابيون في (مملكة قـرن الـشـيـطـان).
وبهذا لم يكن هناك داعٍ لمحاولةِ تبرئة ساحة عبد العزيز من هذه الجريمة البشعة كما حاول البعض لظروفٍ لاحقة اقتضتها المتغيِّرات السياسية والاجتماعية، وهو أمرٌ يتناقض وهذا الاستنتاجَ هنا بوصول نبأ المعاهدة إلى ابن سعود.
3 – الســبــب الاقــتـصــادي
اعتاد الــحــجــاج الــيــمــنيون أن يَحمِلوا معهم البضائع والمنتَجَات المحلية لبيعها في موسم الــحــج، والانتفاع بمردودها المالي في مواجهة تكاليف الــحــج واستبدالها باحتياجاتهم من الملابس وغيرها، وقد ذكر الرحَّالة ابن جبير الأندلسي أن أسعار الزبيب الأسود والأحمر واللوز والسمن والعسل وسائر الحبوب والبقوليات كانت ترخُص عند وصول الــحــجــاج من جهات الــيــمــن، وكان الــحــجــاج وأهل مــكــة ينتظرون وصولهم.
وعليه فمن الوجاهة القول بأن أحد أسباب القضاء على أولئك الــحــجــاج وإبادتهم هو ما كانوا يحملونه من بضائعَ مُغرِية أسالتْ لعابَ أولئك التكفيرين الذين كان نوعُ تعبئتهم وتحشيدِهم هو ما غنموه خلال المعركة، أما إذا اتَّحد هذا مع أسباب أخرى من قبيلِ تكفيرِهم لهم، وصدورِ قرارٍ سياسيٍّ بذلك فإن تلك الأموال تصبح لديهم أحلَّ من شُرْبِ ماءِ زمزم.
توسَّعت جريدةُ القبلة المكية في الحديث عن مميِّزات البُنِّ الذي كانوا يحملونه معهم كل عام، حيث يحتفظ بجودته ونكهته الجميلة وذائقته الرفيعة، وهناك يتهافت عليه “وجهاءُ مــكــة والطائف” أكثرَ من غيرهم لشرائه؛ “لأنهم يجدون به لذة ورائحة زكية لا يجدونها في ما يأتي على طريق البحر حتى ولو كان من نفسِ قُرى أولئك الوفَّاد”.
وتعترف الرواية الشعبية السعودية المعاصرة للحدث بأن قافلة الــحــجــاج كانت محمَّلة بالأرزاق من البن والزبيب والهيل والحبوب، حيث “كان الــيــمــن في خير”، بينما كانت تلك المنطقة في فقر رهيب، على حد قول تلك الرواية.
وورد أنه كان لديهم من “المال والقراش والبضاعة” فأخذ أولئك الوهابيون جميعه، وتقول سيرة الإمــام يــحــيـى: إن الوهابيين استولوا “على جميع ما كان في أيديهم وأثقالهم ودوابهم”، ولم تفُتْ هذه الإشارةُ الرحالةَ نزيهَ العظم لما قال: “وسلَبَ الإخوانُ جميعَ أمتعة هؤلاء الناس، وتركوهم ممدَّدين على الثرى وعادوا بغنائمهم فائزين منتصرين”.
ولما ذكرت الوثائق البريطانية غزوَ الوهابيين لعسير، واستيلاءَهم على أبها، وقتلَهم لبني شهر، قدّمَتْ ذكرَ خبرِ نهبِ الوهابيين لقافلةٍ عابرةٍ من الــحــجــاج الــيــمــنيين، على خبرِ قتلِ جميعِ أولئك الــحــجــاج تقريبا.
وتذكُر سيرة الإمــام يــحــيـى أنه بعد المــجــزرة وبعد تنصُّلِ ابن سعود منها وصل المُرسَلون من قبَل الإمــام يــحــيـى إليه “ببعض المنهوبات من دوابَّ ومنقولاتٍ وبعضِ قيَمِ السمن”.
وهذه جميعها معلوماتٌ هامة تبيِّن ما كان يحمله أولئك الــحــجــاج معهم من بضائعَ وأموالٍ وممتلكاتٍ، بلغ تقديرُها بحسب البــحــث المفيد بحوالي (400000 ريال ماري تريزا)، (فرانسي)، أي ما يعادل ملياري ريال يمني تقريبا، وبقوة شرائية كبيرة، وهو رقمٌ هائل من المؤكّد أنه سيشجّع المتلهِّفين على غنائم الــحــجــاج المشركين!! على الحكم بكفرهم وبضرورة قتلهم.
4 – الســبــب العــســكري
كان القوم حــجــاجا ويصطحب بعضُهم البضائعَ والمحاصيلَ بغية بيعها في مــكــة، وكان عددٌ قليلٌ جدا منهم مَنْ كان يحمِل سلاحا ناريا بدائيا لمدافعة اللصوص وقطاع الطرق، أي أنهم لم يكونوا في أية وضعية عسكرية استعدادا لأية معركة، ولهذا تصفهم جميع المصادر بأنهم كانوا عزلا عن السلاح، فتصفهم سيرة الإمــام يــحــيـى بأن “أكثرهم عزل من السلاح”، وورد لدى الجرافي وصفهم بـ”الــحــجــاج العزل”، وعند الواسعي بأنه: “ليس معهم سلاح، ولا مستعدون لقتال”، وعند نزيه العظم أنهم “كانوا عزلا في جميع الروايات، عزلا من السلاح الحربي، وهم آمنون لا يفكِّرون في اعتداءِ أحدٍ عليهم، ولا يرغبون في قتالِ أحد”،وعند الأمين العاملي بأن الــحــاج الــيــمــني كان “أعزل من السلاح وجميع آلات الدفاع”، وأنهم لو كانوا مسلَّحين ما استطاع الوهابيون قتلَهم،ولكانوا أقصرَ باعا من ذلك.
وورد في جريدة القبلة المكية بأنه “لم يَرَ مَنْ يقصد الــحــج من العصبة المذكورة أن يحمِلَ سلاحا أو آلة دفاع أو أيَّ شيء من ذلك إلا المُدى الصغيرة لاستعمالها في ضروريات مطاعمهم وشدِّ رحالهم ونحو ذلك”.
إن هذه الحالة السلمية التي كان عليها الــحــجــاج والتي كانت تستشعر الأمن وترى قوتها أمام اللصوصِ وقطاعِ الطرق هو في قدسية الواجب الذي تذهب لتأديته، وهو ما كان يَفْرِضُ احترامَ الجميع لها، وكذلك في تجمُّعِهم في عصبة واحدة، وبهذا فإنهم لم يكونوا مستعدين لأية مواجهة عسكرية حتى في أدنى مستوياتها، ولم يخطر ذلك ببالِ أيٍّ منهم، لكن للأسف كانت حالتهم هذه سبباً من أسباب تجرُّؤ أولئك المتوحشين على الفتك بهم، وإبادتهم.
هذه الوضعية كانت من أسباب الهجوم عليهم، والقضاء على معظمهم؛ إذ لو كانوا مسلَّحين فعلا لصعُب كثيرا على أولئك المتوحشين القضاء عليهم بتلك الطريقة الوحشية،ولفكَّروا كثيرا قبل أن يُقْدِموا على أية جريمة بحقهم.
وبهذا العرض يتبين أن مكان المــجــزرة هو تـنـومـة من بني شهر، وسدوان من بني الأسمر، وأنها وقعت وقت الظهر في 17 ذي القعدة 1341هـ الموافق 1 يوليو 1923م، وأن جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والعقائدية والعسكرية كانت وراء الحادث، وأنها مــجــزرة دُبِّر أمرُها بليل شيطاني مشؤوم.
يتبع في الحلقة القادمة: الفصل الثالث عن وقائع المجزرة