ثعابين وموت وتعذيب وحشي واختفاء.. ثلاثة آلاف معتقل في السجون الإماراتية في اليمن
خليل كوثراني
يُدخل الضابط المحقق ثعباناً مرعباً إلى الغرفة. يصوِّب فمه وجهاً لوجه نحو معتقله. يهدد بإفلاته عليه «إذا لم يعترف»! ينهال سجان على آخر بالضرب، إلى أن تتشوه ملامح وجهه تماماً. هذا ثالث فقد بصره من شدة التعذيب الوحشي من قبل الحراس.
كلها أخبار لا تعد شيئاً إن قورنت بمن فقد حياته هنا ولم يصمد تحت وطأة الانتهاكات الجسدية. أهلاً بكم في المعتقلات الإماراتية جنوبي اليمن، حيث «إعادة الأمل» متواصلة على أيدي جنود آل زايد وبإشراف ومشاركة ضباط ومحققين من قوات «الحليف» الأمريكي.
قرابة ثلاثة آلاف معتقل، هي تقديرات مصادر لعدد نزلاء السجون الإماراتية، السرية منها والعلنية، التي تفوّقت على منافسها الشهير: معتقل غوانتنامو، في عدد النزلاء، وصارت أخبارها المسربة تتبارى مع الأخير على صنوف التعذيب. والمعتقلون هؤلاء هم ممن أسعفه الحظ في النجاة من الاغتيالات والتصفيات الميدانية، وجلهم زج بهم في السجن نتيجة وشاية رجال الميليشيات التابعة للإمارات، وأُوقفوا على الشبهة، ودون مراعاة للقوانين الدولية.
الاستدعاءات والاعتقالات طاولت أيضاً إعلاميين وسياسيين
الوثائق المسربة التي اطّلعت عليها «الأخبار» عن مراسلات الجهات الأمنية التابعة للميليشيات في عدن والقوات الإماراتية، يتردد فيها كثيراً اسم رجل يلقب بـ«أبو اليمامة» (قائد لواء «التدخل السريع» في ميليشيا «الحزام الأمني» في عدن واسمه الحقيقي: منير اليافعي).
وتشير الوثائق صراحة إلى أن السجناء أُوقفوا بناءً على «اشتباه» هذا الرجل. ليست المشكلة هنا، فما يفاقم المأساة هو طبيعة هذه التوقيفات، التي توصّفها المنظمات الحقوقية بأنها جرائم «إخفاء قسري»، نظراً إلى أنها تجري خارج القانون، ولا يُبلَغ ذوو الموقوف في كثير من الأحيان بتوقيف المشتبه فيه أو بمكان احتجازه، فضلاً عن الانتهاكات التي تطاول الأطفال القاصرين، ومدد التوقيف غير الخاضعة لأنظمة.
أنباء هذه «الجزر»، المعزولة عن أي نظام حقوقي أو قانون رقابي، بدأت تخرج إلى العلن منذ أسابيع في توقيت «مشبوه»، ما دفع البعض إلى التشكيك في صحتها ربطاً بالصراع الخليجي المستجد. إلا أنه بالعودة إلى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، أي قبل الخلاف القطري الإماراتي السعودي بمدة طويلة، يتبيّن أن منظمات حقوقية محلية كانت ترفع لجهات دولية تقارير تشرح تفاصيل الانتهاكات الحاصلة داخل هذه المعتقلات، من دون أن تجد أصداء، أو تحصل على تجاوب من المنظمات الدولية.
وسبق التقارير الحقوقية مواقف سياسية لقيادات جنوبية تعارض دور الإمارات في اليمن. بقي الملف طيّ الإهمال والتجاهل، حتى بادرت الصحافة الغربية إلى إماطة اللثام عن جزء من هذا الملف الأسود. مثال على ذلك تقرير رفعته مجموعة «ائتلاف الشباب للدفاع عن حقوق الإنسان» تحدثت فيه عن «تعذيب ممنهج ينتهي بحياة المساجين إلى الإصابة بالعاهات الجسدية والحالات النفسية وبالبعض منهم إلى القبور».
بعد فضائح السجن الإماراتي في مطار الريان (قرب مدينة المكلا في محافظة حضرموت الجنوبية)، تتوالى الأخبار الواردة من عدن، من خلف أسوار سجن «البريقة» التابع لـ«التحالف» (وكذلك سجن المنصورة المركزي) حول قصص التعذيب والإذلال. تتصدر ميليشيا «الحزام الأمني» الأجهزة التي تباشر الملاحقات والتوقيفات، وتضرب بيد من حديد لمصلحة مشغلها في أبو ظبي، بما يشبه «جيش لحد» يمني، يشكل الذراع الميدانية للاحتلال الإماراتي.
تتحجج القوات الإماراتية بأن دائرة استهدافها تقتصر على تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في إطار «مكافحة الإرهاب»، إلا أن الحقائق على الأرض تقول عكس ذلك. تتوسع فئة المستهدفين والذين تطاولهم الملاحقات والاعتقالات إلى فئات لم ينجح الإماراتيون أو السعوديون في ترويضهم أو الاستحصال على ولائهم. من بين هؤلاء كوادر من «الإخوان المسلمين» وجناحها السياسي «التجمع اليمني للإصلاح»، وكذلك شخصيات من التيار السلفي التقليدي، الذي ليس على وئام مع التيار السلفي الموالي للإمارات بزعامة الوزير السابق هاني بن بريك، رجل أبو ظبي في الجنوب وصاحب النفوذ الواسع هناك. تقول المصادر إن من يختلف مع الرجل فكرياً يجري الزج به في هذه السجون. وقد طاولت الاعتقالات رجال دين عديدين، من بينهم رئيس جمعية «الإحسان» السابق محمود البيضاني، الذي وصف دور الإمارات في اليمن بـ«الاحتلال» (أدرجت أبو ظبي والرياض الجمعية، التي كان البيضاني قد استقال منها، على قائمة الإرهاب).
ووفق المصادر، لا يزال رجل الدين الشيخ أنور الدحلان قيد الاعتقال. وتعرض الشيخ سمحان بن عبد العزيز الراوي (سلفي من مدرسة «الفيوش» في لحج)، لحادث غامض، بعد استدراجه من قبل قيادة «التحالف» في عدن، من طريق توجيه دعوة إليه لحضور لقاء، ومن ثم فقد أثره قبل العثور على جثته، ووجهت أصابع الاتهام إلى القوات الإماراتية وميليشياتها بالوقوف وراء الحادثة.
إلى جانب رجال دين وأفراد مدنيين اعتُقلوا، ومات بعضهم تحت التعذيب وفق تأكيد المصادر، لم يسلم من عمليات الإخفاء القسري حتى المقاتلون في الميليشيات المتحالفة مع القوات الإماراتية، في حال إقدام هؤلاء على أي تدبير عسكري أو أمني مخالف للأوامر الإماراتية.
من بين هؤلاء القيادي في تشكيل «المقاومة الجنوبية» العسكري، عادل الحسني، الذي بات مصيره مجهولاً بعد إشرافه على صفقات تبادل للأسرى مع حركة «أنصار الله» في الشمال، جرت خلافاً لرغبة الإماراتيين.
الاستدعاءات والاعتقالات طاولت أيضاً إعلاميين وسياسيين، اتخذ توقيفهم طابع «البلطجة والإذلال» بحسب المصادر التي تروي كيف جرى سجن البعض واستجوابهم وضربهم، ومن ثم إطلاق سراحهم بعد رشوتهم بمبلغ مالي مقابل السكوت وعدم الاعتراض أو التشويش! ليس هذا فحسب، بل إن «الاستعلاء» الإماراتي بلغ حد توقيف وزير الداخلية الحالي (في حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي)، اللواء حسين عرب، بحسب ما تؤكد المصادر، واستجوابه بطريقة مذلة، أما التهمة فهي: «التقصير في رفع التقارير الأمنية لقيادة التحالف»!
* نقلاً عن الاخبار اللبنانية