أستاذ النظم السياسية والإدارة المحلية المساعد بجامعة صنعاء أمين الغيش لـــــ “الثورة” :
القرار الإداري مرتبط بفكرة النظام العام التي تعبر عن مجموعة المصالح الأساسية للمجتمع
دعوة حكيمة من رجل حكيم, ومدخل صحيح لمواجهة الحصار الاقتصادي
المادة (158) من الدستور لا تجيز نقل البنك المركزي إلا بتعديل دستوري يستفتي عليه الشعب
نقل البنك المركزي يمس كيان الدولة والمجتمع وله تداعيات سياسية وأمنية
كان قرار (الفار) مناسبة أخرى لتلقينهم المزيد من الدروس في الولاء والوطنية
حوار / جمال الظاهري
تختلف القراءات والآراء, وكذلك التقييم وباحتلافها تختلف مقترحات الحلول لدى الناس وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الكبيرة التي تهم الرأي العام, هذا الاختلاف نتيجة طبيعية للتفاوت في المستويات الثقافية, وللاختلاف في النوع, والتنوع في الاهتمام والأولويات, فيما كل تلك الأمور وغيرها لا تكون بعيدة عن تأثير أولويات الفرد, وبالذات حين يكون الأمر متعلقاً بالشأن العام لأي مجتمع.
ومع تسليمنا بهذا التنوع والتمايز إلا أننا نظل في حاجة ماسة إلى رأي جامع يبلور ويقارب بين كل تلك الاهتمامات والأولويات المتنوعة لمكونات وأفراد وشرائح أي مجتمع بغية الوصول إلى أقرب القواسم المشتركة الجامعة التي تلبي ما أمكن من هذه الأولويات التي ينتج عنها تضاد في المصالح في إطار رؤية شاملة لا تتبنى كافة الرؤى والاهتمام ولكنها لا تغفلها.
“الثورة” التقت الدكتور أمين الغيش – أستاذ النظم السياسية والإدارة المحلية المساعد، جامعة صنعاء وطرحت عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالشأن اليمني وبجديد الأحداث من وجهة نظره كشخصية أكاديمية لها علاقة بالسياسة والإدارة ولما عرف عنه من تفاعل واهتمام بالشأن العام فماذا قال .. نتابع:
بداية ومن موضوع الساعة المتمثل بقرار هادي الخاص بنقل مقر البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن.. كيف يرى أستاذ النظم السياسية والإدارة المحلية المساعد جامعة صنعاء هذا الإجراء من حيث قانونيته؟
– قبل أي شيء التحية لرجال الجيش واللجان الشعبية على البطولات التي يجترحونها والتضحيات الجسيمة التي يبذلونها ، والتحية للأجهزة الأمنية على يقظتها ولرجال القبائل على بسالتها ورفدها للجبهات بالرجال والمال ومختلف أنواع الفواكه والأغذية، وتحية لشعب اليمن على صموده وحضوره في دعم جبهات المواجهة مع دول العدوان وعملائهم ومرتزقتهم ومنها الجبهة النقدية.. حيث توافد أبناء اليمن نساءً ورجالاً على مقار البنك المركزي وفروعه والبنوك التجارية ومكاتب البريد لرفد البنك المركزي بالسيولة التي يحتاج إليها لإحباط مؤامرات الأعداء ودعم استقلال القرار السياسي اليمني والقرار الاقتصادي، وذلك بتقديم الهبات وفتح الحسابات البنكية والبريدية, هذا أولا.. ثانيا: من الناحية القانونية لا قيمة للقرار، لأن الفار هادي وحكومته لا يملكان ذلك، فمقر البنك المركزي بموجب القانون رقم (14) لعام 2000 في صنعاء المادة (4) ونقل البنك بحاجة إلى قانون, ولأن من أهداف البنك ومن خلال السياسة النقدية المساعدة في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية للدولة المادة (5) من القانون, ولأن السياسة الاقتصادية ضمن الباب الأول من الدستور تحت فصل الأسس الاقتصادية للدولة, لذا فإن أي محاولة للتغيير في تلك السياسة يلزمه تعديل في الدستور, والتعديل في أي مادة من مواد هذا الباب والباب الثاني بحاجة إلى استفتاء شعبي وفقا لنص المادة (158) من الدستور.
استقلالية البنك
* وماذا عن مسوغات هذا القرار التي يوردها هادي وحكومته؟
– البنك المركزي ومنذ بداية العدوان قام ويقوم بممارسة سياسته النقدية بكل استقلال، بعيدا عن تدخل أي سلطة باعتباره صاحب شخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري وفقا لنص المادة 3 من قانون البنك رقم 14, وما قلناه سابقا، هو نصوص ثابتة من الدستور والقانون، بغض النظر عن شرعية هادي من عدمها، وهل ما يزال هادي رئيسا أم لا.
بمعنى أنه لو كان هادي وحكومته يمارسان أعمالهما في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بصنعاء فإنه لا يحق له اتخاذ قرار بنقل البنك المركزي اطلاقاً وفقاً للدستور والقانون, وحتى مجلس النواب لا يحق له ذلك برغم أنه السلطة التي أصدرت قانون البنك المركزي رقم (14) لعام 2000م، إلا بعد تعديل الدستور وفقا للمادة (158) من الدستور, ويلي ذلك عرض المادة أو المواد المعدلة على الشعب في استفتاء عام.
فقدان الاختصاص
* ممكن توضح الأمر أكثر؟
– هناك شروط خمسة لابد من توفرها في القرار الإداري كي يكون القرار صحيحا وسليما من الناحية التشريعية والقانونية ومن هذه الشروط ، شرط الاختصاص، وإذا افتقد القرار هذا الشرط أصبح القرار غير مشروع، أي يكون مخالفا للقانون, ويطلق عليه أنه قرار معيب بعيب عدم الاختصاص، أي أن الذي أصدر القرار شخصا غير مخول بإصداره، سواء كان في منصب أعلى أو منصب أدنى، ويكون مصيره الإلغاء.
وهذا العيب مرتبط أيضا بفكرة النظام العام والنظام العام يعني عدم جواز مخالفة القواعد القانونية الآمرة، أي تلك القواعد التي تتعلق بكيان الدولة والمجتمع, وهذا ما يميز قرار الفار هادي بخصوص نقل البنك المركزي إلى عدن فهو يمس كيان الدولة والمجتمع اقتصاديا وله تداعياته السياسية والأمنية، ما يعني أن مصدر القرار غير مخول بالأمر ما يوجب بطلان القرار كنتيجة لتلك المخالفة.
النظام العام ومصالح المجتمع
* هذا من حيث الاختصاص (الشروط) فماذا عن القواعد الواجب إتباعها أو الأركان التي يلزم توفرها لصحة القرار؟
– تختلف شروط صحة القرار عن أركانه، فالأخيرة لها علاقة بكيان القرار، وتخلف أحد الأركان لسنا إزاء قرار، يعني لا يوجد قرار وهذا ينطبق تماماً على قرار هادي.
أما الشروط فلها علاقة بالمشروعية وعدم المشروعية ومخالفة القاعدة القانونية مرتبط بجزاءات منها الجزاء الإداري، وله أكثر من صورة، منها إلغاء القرار الإداري المخالف للقانون المشوب بعيب عدم الاختصاص أو بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها, وهذا الجزاء قد يجتمع مع جزاء قانوني آخر مثل، الجزاء الجنائي.
* القرار الإداري مرتبط بفكرة النظام العام التي تعبر عن مجموعة المصالح الأساسية للمجتمع ككل، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية أو دينية, وكل القواعد القانونية المرتبطة بكيان الدولة والمجتمع ومصالحه الأساسية وهي من القواعد القانونية الآمرة التي لا يجوز مخالفتها لتعلقها بالنظام العام.
كذلك القواعد التي يقوم عليها بنيان الدولة وكيانها الاقتصادي مثل: سعر العملة، السياسة النقدية، وموارد الدولة من ضرائب وجمارك، وكذلك سياسة الإنتاج والتوزيع، هي قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام لا يجوز مخالفتها.
أما البُعْد الثالث، فيتمحور في الناحية الموضوعية فإنه حتى لو افترضنا شرعية لهادي وأنه صاحب اختصاص فإنه من الناحية الموضوعية يصعب تنفيذ القرار، ذلك أن (الفار) هادي وحكومته لم يتمكنا من العودة إلى عدن لانعدام الأمن والاستقرار وسيطرة الميلشيات والقاعدة وداعش وقوى الاحتلال والمرتزقة ولا يسمح لأحد بدخول عدن من غير ” الجنوبيين.
كما أن البنك المركزي في ظل سلطة اللجنة الثورية ومن بعدها المجلس السياسي الأعلى قد عمل بكل استقلالية، وقام بوظيفته بكل حيادية في رُسِم السياسة النقدية وتعامل مع جميع موظفي الدولة والمؤسسات والشركات والبنوك المتعاملة معه بكل شفافية, ولم نسمع طوال فترة 18 شهرا الماضية كلمة تهديد واحدة من قبل البنك أو سلطة اللجنة الثورية بوقف الراتب الشهري للموظفين مدنيين وعسكريين رغم العدوان والحصار وتوقف أهم مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة.
على عكس سلطة هادي وحكومته التي أمطرتنا تهديدات بعدم قدرتها على دفع الرواتب خلال فترة الثلاث سنوات التي حكمت فيها ، رغم مضاعفة الموازنة إلى 14 مليار دولار مع حكومة باسندوة بزيادة 7 مليار دولار عن آخر موازنة في عهد رئيس الوزراء الأسبق (مجور)، في ظل توفر ووجود كل مصادر الإيراد التي تغذي الموازنة العامة للدولة – نفطية وغازية وجمارك وتحويلات مغتربين وسياحة ونقل ومانحين – ووووو إلخ, وفي مثل هكذا موضوع يتأكد عدم صلاحية هادي وحكومته لإدارة بقاله كما قال قائد الثورة فما بالكم بإدارة الدولة ومؤسسة كبيرة كالبنك المركزي.
الصمود واليقظة
* بعد هذا الشرح ومن منظور شخصي ما الذي تتوقعونه؟
– مصير القرار حتما الفشل، وسيلحق بسابقه، حيث قرر الفار هادي حينها نقل العاصمة إلى عدن، فماذا كانت النتيجة؟ بقيت العاصمة صنعاء كما هي وفر هادي ومن معه من العملاء بفضل من الله وبصمود أبناء شعبنا وأبناء قبائلنا, وبفضل بطولات جيشنا الأبي وأفراد لجاننا الشعبية ويقظة أجهزتنا الأمنية.
* في ظل كل هذه الحيثيات من المخالفات.. برأيك لماذا أصدروا هذا القرار؟
– مصدرو القرار أرادوا من خلاله تحقيق مكاسب سياسية, منها إحداث ضجيج وردود فعل تشغل الناس عن هزائم آل سعود في جبهات جيزان وعسير ونجران، وهزائم وانتكاسات عملائهم ومرتزقتهم في جبهات ميدي والجوف ومأرب ونهم وكهبوب وذوباب, ولكن أنى لهم ذلك فقد جعل الشعب اليمني العظيم وجيشه ولجانه الشعبية وأجهزته الأمنية من قرار الفار هادي فرصة أخرى لتلقينهم المزيد من الدروس في الوطنية والحريّة والعزة والكرامة، وترجمة آية الولاء ترجمة عملية، وليثبتوا للعالم أننا لن نقبل بأقل من استقلال اليمن بقراره السياسي والإداري والاقتصادي، وإنّها لثورة حتى النصر بإذن الله, المجد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى.
فرض التبعية لأمريكا
* بعد إيضاح الصورة من الشق القانوني والموضوعي والإداري بماذا تفسر الترحيب الدولي والمؤسسات النقدية العالمية – البنك الدولي و صندوق النقد الدولي؟ وما الذي يمكن عمله إزاء مثل هذه المواقف؟ وانعكاسات هذه المواقف على الواقع في تعاملات البنك مع المؤسسات النقدية والتجارية العالمية.. ؟
– البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جهازان متخصصان تابعان للأمم المتحدة تأسسا في العام 1944م, وقد أوكلت إلى البنك الدولي في مؤتمر (بريتون وودز) مساعدة الدول الأعضاء في تحقيق عملية التنمية، وأوكلت مهمة معالجة المشاكل المتعلقة بميزان المدفوعات والاستقرار النقدي العالمي إلى صندوق النقد الدولي.
وتسيطر على هاتين المؤسستين أيضا الدول الكبرى، أمريكا، بريطانيا وفرنسا وهم أطراف في العدوان على اليمن عسكريا وفي فرض الحظر الاقتصادي، ولولا هذه الدول وبالذات أمريكا وبريطانيا وفقا لعسكريين أمريكيين لما كان هذا العدوان ولما تمكنت السعودية من فرض الحصار على اليمن.
ولأن هاتين المؤسستين تابعتان للأمم المتحدة المهيمن عليها من قبل الدول المذكورة من خلال مجلس الأمن، فلا نستغرب منهما مثل هذه المواقف، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقال، ناهيك عن أن هاتين المؤسستين من الشق الثاني تعتبران أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية حيث تُمارس من خلالها الهيمنة الاقتصادية وتكبيل الدول النامية بالديون بحيث لا تستطيع الفكاك من فلك السياسة الغربية وتظل تابعة لها, لكن عندما توجد القيادة الحكيمة والشجاعة مع إرادة شعبية واعية وقوية فإن كل تلك السياسات والقرارات ستتحطم على صخرتهما وستفشل ، كما فشلت قرارات مجلس الأمن ، مثل القرار 2216
مدخل صحيح
* وماذا عن تقييمكم للدعوة التي أطلقها قائد الثورة لدعم البنك وأثرها وإمكانية نجاحها؟
– هي دعوة حكيمة من رجل حكيم وهي بالفعل المدخل الصحيح لمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن بالمخالفة للمادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ضمن ذلك الحصار ما يخص التحويلات النقدية، وحركة رؤوس الأموال من وإلى اليمن وكذلك قرار الفار هادي نقل البنك .
وأتوقع نجاح هذه الدعوة بإذن الله، لأن الشعب اليمني تواق للحرية ويرفض التبعية والإذلال، وكان يتلمس طريقه إلى الإنعتاق والاستقلال, وبمجرد أن من الله عليه بقائد رباني فسيكون معه، ولن يخذله وسيقدم كل ما يجود به في سبيل عزته وكرامته، ولعلك ملاحظ التجاوب غير المسبوق من قبل هذا الشعب العظيم لدعوة الأخ قائد الثورة في ترجمة عملية لمعنى الوطنية في تقديم النفس والنفيس والمال وهي قمة البذل والعطاء، ويقدمون درسا بليغا وعميقا لأدعياء الوطنية من نزلاء فنادق الرياض.
* برأيكم ما الذي سيترتب على هذه الهبة الشعبية..؟!
– سيكون لهذه الهبة الشعبية آثارا إيجابية كبيرة تأتي في مقدمتها إهالة التراب على قرار هادي، وتقوية الوحدة الوطنية، وستمكن البنك المركزي من القيام بوظيفته في رسم السياسة النقدية للدولة بكل استقلالية, ولا يتوقف أثرها عند هذا الحد وإنما ستسهم إسهاما فعالا في استقلال القرار الاقتصادي, إلى جانب استقلال القرار السياسي, ذلك أن استقلال القرار السياسي بدون استقلال القرار الاقتصادي يكون استقلالا هشاً والعكس صحيح، أي استقلال اقتصادي بدون استقلال سياسي ويكون استقلالا فارغ المحتوى والمضمون, وهذا ملاحظ في أن الدعوة لم تقتصر على التبرع فقط, وكان من أثاره عودة الناس إلى إيداع الأموال, وفتح حسابات جديدة بمختلف العملات.
كما أن الأثر لا يتوقف هنا، بل يمتد ليشمل الجانب السياسي ليعزز الجانب العسكري والميداني وسيكسب المفاوض اليمني أوراق قوة إضافية في مواجهة المفاوض السعودي الذي يترنح في جميع الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية وقد مني بضربات قاتلة ابتداء من مؤتمر غروزني الذي استبعد الوهابية من أهل السنة، وكذلك قرار الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ الذي أبطل فيتو الرئيس أوباما وبأغلبية ساحقة معتبرا نظام آل سعود نظام يدعم الإرهاب وأعطى للمواطنين الأمريكيين الحق في مقاضاته وملاحقته بسبب أحداث البرجين في نيويورك بأمريكا.
الإصلاح الاقتصادي
* ولو ذهبنا باتجاه الإصلاح الاقتصادي.. برأيكم ما الأهمية التي تمثله دعوة السيد بخصوص محددات إصلاح الاقتصاد..؟
– تكمن الأهمية الاقتصادية لهذه الدعوة، في كونها تهدف إلى معالجة آنية وسريعة للحفاظ على استمرار خدمات الجهاز الإداري للدولة لجميع المواطنين.. ولكن من المؤكد أن هناك معالجات استراتيجية وبعيدة المدى لإصلاح الاقتصاد برمته وإعادة هيكلته وإعادة النظر في بنود الموازنة وتبني قيام شركات المساهمة عن طريق الاكتتاب العام التي تعتبر عَصب النمو الاقتصادي وستهتم بالمشاريع الكبرى ( نفطية، غازية، معدنية، ذهب، زراعة، صناعة، عقارات، وووو إلخ ) التي يعجز عنها الأفراد، وستقود إلى أكبر عملية لإعادة توزيع الثروة والموارد المالية, ورد الاعتبار للطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية ليساهمان في ذلك وقيادة عملية التنمية الحقيقية كما حدث في بلدان كثيرة. .