اليمنيون والعيد.. فرحة رغم أنف العدوان
تحقيق/ حاشد مزقر
يخطط كل واحد منهم أين سيقضي إجازته العيدية فمنهم من يذهب مع أسرته لزيارة مدينة ساحلية وآخر يرتمي في أحضان المناطق الجبلية حيث مسقط رأسه وحيث الطبيعة وجمالها فيما ثالث ورابع يقضون العيد في حدائق ومتنزهات المدينة فيعيشون صخب وأجواء العيد التي لا تفارق شوارع وأسواق المدينة ..واليوم ونحن نعيش الساعات الأولى لعيد الفطر المبارك أصبحت كل هذه اللحظات من ماضينا التليد فمعاناة الناس وظروفهم المادية بعد عام ونيف من العدوان أصبحت في الحضيض ولم يعد يقدر أقل مواطن تضررا على تكاليف العيد من ملابس جديدة لأبنائه و مواصلات سفر وغيرها ..معاناة الكثير ممن فقدوا عملهم بسبب العدوان وممن تدهورت أوضاعهم المادية و المعيشية نرصدها في السطور التالية:
عبدالفتاح العريف شاب في الـ33 من عمره أصبح تائه الفكر وغارقا في الهموم وتحول العيد في نظره إلى مناسبة مؤلمة بعد أن فقد عمله في مصنع المرطبات بصنعاء عندما قصفته طائرات الإجرام السعودي قبل أشهر وهو الآن لا يملك عملاً يأمن له راتبا شهريا يعينه على الاستمرار في الحياة وبحسب تعبيره وقراءة ملامح وجهه الشاحبة والحزينة فإن الصواريخ التي دمرت المصنع لم تنتزع رزقه ومصدر دخله الوحيد بل إنها جعلت أطفاله الأربعة وزوجته يتمرغون الجوع والألم والفاقة ليعيشون في لهيب المعاناة وتعاسة البؤساء وكما يقول عبدالفتاح العام الماضي كنت أستلم راتبي وبعض مستحقاتي من العمل وأذهب أنا وأطفالي لشراء ملابس العيد وكنت أشاهد الفرح والسعادة تملأ قلوبهم وكانوا ينتظرون بكل شغف ولهفة الساعة الأولى للعيد من أجل أن يطلقوا العنان لفرحتهم ويعلنوها داخل وخارج المنزل في الشارع وفي الحدائق واليوم ونحن في الأيام الأخيرة لرمضان أصبحت عاجزا عن تأمين مستلزمات أبنائي ولو بالقدر اليسير فبالكاد أوفر قيمة رغيف الخبز لهم بعد أن تحولت للعمل كحمال في أحد الأسواق وحتى اللحظة يعجز لساني في الرد على أسئلتهم لماذا لم أشتر لهم كسوة العيد.
عيد وبيت مدمر
محمد العرمزة مواطن من محافظة عمران موظف حكومي وأب لخمسة من الأولاد يصور لنا واقعه مع العيد هذا العام ويقول : كنت أملك سوبر ماركت في عمارتي ذات الدورين أبيع فيها المواد الغذائية كانت تأمّن لي الدخل الكافي مع مرتبي الشهري البسيط وأن هذا الدخل يمكنني من العيش بكرامة لكنني وجدت نفسي فجأة من أفقر الناس إذ لم يعد بمقدوري الإيفاء بكامل متطلبات الأسرة الضرورية بعد أن تعرضت عمارتي للقصف من طائرات العدوان وفقدت أحد أبنائي وأصيب بقية أفراد أسرتي بإصابات مختلفة وأصبحت الآن بدون منزل واستأجرت في شقة لإيواء أبنائي بعد أن نزحت منه لقد انقلب وضعي المادي رأساً على عقب، دمار المنزل لم يخطر ببالي وفقدان مصدر رزقي أيضا لقد نسيت أمر العيد تماماً ولا يذكرني به سوى أبنائي الصغار حينما يسألونني ببراءة عما إذا كنا سنخرج للنزهة كما هو المعتاد في كل عيد من كل عام وهم لا يعرفون أن مرتبي البسيط لا يفي إلا بقيمة إيجار السكن الذي نعيش فيه الآن.
معاناة وألم
فايز البهلولي رب أسرة مكونة من طفلين وزوجة ، كان يعمل في مدينة المخا كموظف حكومي براتب لا يتجاوز 65 ألف ريال ، وكان يسكن في سكن موظفي شركة الكهرباء التي استهدفها العدوان ودمرها كليا والآن يسكن في صنعاء يصرف نصف راتبه في إيجار المنزل والباقي يتدبر به القوت الضروري للأسرة ، وقد zل في عمله بدون راتب ولا أكثر من ثلاثة أشهر بسبب انقطاع إيرادات مؤسسة الكهرباء نتيجة لتدمير العدوان لكل منشآت ومحطات الكهرباء على اليمن وبعد أن داهم العيد العالم العربي والإسلامي قرر أن يذهب بأسرته إلى الريف من أجل الترويح عنهم لكن أجور النقل الخيالية التي فرضها سائقوا الأجرة كبلت حيلته ولم يعد يقوَ حتى على التفكير بالسفر ، حيث أن المبلغ المطلوب توفيره للوصول إلى محافظة الضالع بمديرية دمت وبعد يومين من الانتظار ــ للفرج لم يكن ينتظره رغم الأمل ــ اضطر لبيع أشياء من أثاث وحاجيات المنزل وكما يقول فإنه دفع 50 ألفاَ للانتقال ولعل تضحيته لقضاء العيد مع والده وأهله هناك تشفع له وتفتح له أبواب رزق جديدة.
صلف العدوان
معاذ العبسي مواطن من محافظة تعز قادته الأقدار لأن يكون شاهد عيان على جرائم دولية ترتكب بحق الشعب اليمني .. وهو يسكن في العاصمة صنعاء حيث مقر عمله في إحدى المؤسسات الحكومية ، وظل صابراً على صلف العدوان حتى نفد صبره ولم يجد له من سبيل وكما يقول كثرة أسئلة أطفالي متى سنزور القرية أضف إلى ذلك أن أسرته التي يعولها والمكونة من زوجته وثلاثة أبناء وبنت واحدة لم تعد تزور القرية منذ سنوات ، ومع قدوم عيد الفطر وجد عذراً يلزمه بالسفر فقرر أن يرحل إلى مسقط رأسه تعز لقضاء الإجازة وفي نفس الوقت ليزور أهله في القرية ، كان توجسه وخوفه من القصف والحرب بتعز لا يتغيب عن باله فهو ـ كما يقول ــ يتوقعه بين الفينة والأخرى أن يتم استهداف الطرقات والجسور الواصلة بين المحافظات إلا أنه لم يكن يهم هذا الجانب أبدا فالعائق الوحيد أمامه هو تكاليف السفر فهو يحتاج لأكثر من راتب شهر واحد لينتقل هو وأسرته إلى قريته في محافظة تعز والأسباب ارتفاع أجرة المواصلات بين المحافظات وبشكل جنوني نتيجة انعدام المشتقات النفطية بسبب منع دول العدوان دخولها إلى ميناء الحديدة..
انقطاع مصدر الدخل
فيما محمد جميل لم ينس العيد على الإطلاق بل يكاد يستعجل وصوله ، لكن ثمة أمر مختلف فحنينه للعيد ليس لشغفه بقضاء أمتع الأوقات خلاله بل لهدف آخر ليس ببعيد عن ضمان الاستمرار في الحياة فجميل الذي كان يعمل في العاصمة صنعاء بناءً ويعول أسرته مما كسبت يداه انقطع عنه ذلك الباب للترزق فلم يبق أمامه سوى الرحيل إلى الجبال بغية الحصول على عمل في الزراعة أو حتى رعي الأغنام ، يقول محمد ” انتظرنا عدة أشهر انتهاء الحرب لكنها لم تنته قبل أن ينفذ ما كنا قد ادخرناه من أعمالنا الحرة في المواسم السابقة ، ولما لم نجد حلا فكرت بالزراعة أو حتى الرعي ولم أكن أنا الوحيد الذي يقدم على هذا العمل فهناك الكثير ممن جارَ عليهم الزمن وأصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء لا يمتلكون شيئا”.
مأساة وذكرى عيد
عبدالحميد صباري رجل في الـ53 من عمره لم يجد بدا من تذوق مرارة العيد المؤلمة بعد أن فقد أغلى ما يملك قبيل مجيئه إذ انتزع الموت أو بالأحرى الحرب اثنين من أبنائه من بين يديه وترك له الدنيا بأيامها وأعيادها ليتمرغ في لهيب جورها وتعاسة ساعاتها يقول صباري ” في العام الماضي كنت أقف على رأس الأسرة والمرح والفرح يعج في جميع الأنحاء ، كان الأطفال أحفادي أيضا يعبرون عن سعادتهم بشقاوتهم وألعابهم داخل وخارج المنزل في الشارع وفي الحدائق والمتنزهات كان الكل غارقا في متع العيد ، لكن ما حدث لنا بعده بأسابيع وحتى اللحظة أحرمنا من تلك الراحة من حينها وحتى اللحظة وبالنسبة لي فقد أحرمني متعة العيش حتى الممات بعد أن فقدت في هذه الحرب أغلى ما أملك وهما ولداي الأكبر والذي يليه وتركا لي ثلاثة من الأبناء كأيتام سيعيشون بعيدا عن أبويهم ، ولم أفقد أبنائي وحسب بل مصدر الدخل أيضا حيث كان لي ثلاثة محلات تجارية في المدينة واحد منها تدمر بالكامل والثاني تعرض للسرقة بينما الثالث وهو أقلهم دخلا لا يزال يعمل رغم أنه واقع تحت التهديد وقد أفقده في أي لحظة “.
العدوان أولاً وأخيراً
هشام راجح ناشط حقوقي تحدث عن جزء من واقع المجتمع اليمني الذي تسبب به العدوان وحصاره البربري على بلادنا خلال الفترة الماضية وقال :في الأشهر السابقة كنت قد قمت برصد للحالة المجتمعية لبعض المناطق في أكثر من محافظة في الشمال والجنوب وكانت الصورة كارثية فعشرات الآلاف من الأسر تضررت من الحرب إذ دمرت منازل أسر كثيرة وأسر أخرى فقدت بعض أفرادها في المعارك الطاحنة التي دارت وتدور في مناطق مختلفة كما أن أسراً أخرى فقدت مصدر دخلها الذي لا يملكون سواه وعلى صعيد آخر تعطلت الحياة في أكثر من قطاع كالتعليم و قطاع الصحة الذي يعيش أوضاعا كارثية فعشرات المستشفيات توقفت عن العمل لأكثر من سبب وبالتالي يفقد الكثير من المرضى حياتهم وعلى صعيد آخر ارتفعت نسب الفقر في أوساط الأسر اليمنية وكذا نسب البطالة في أوساط الشعب وهذا فضلا عن مئات من الشباب فقدوا أعمالهم في القطاع الخاص بعد تسريحهم بسبب الأزمة الاقتصادية وآخرون فقدوا أعمالهم التي كانت تعتبر كأعمال حرة وذلك بسبب انعدام الأمن في المحافظات المضطربة ..ومن هنا فإن معاناة اليمنيين في العيد هذا العام ستكون كبيرة والسبب الأول والأخير لذلك هو العدوان السعودي الذي دمر اليمن أرضاً وإنساناً.
تصوير/ عبدالله حويس