أدارت المواجهة: سارة الصعفاني
ذات القضية منذ عامين ولا أحد يهتم، فما يزال الأطباء الذين ابتعثتهم وزارة التعليم العالي في عام 2008م في منح داخلية إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا “أطباء مع وقف التنفيذ” بانتظار الحصول على وثائق تخرجهم المحتجزة لدى الجامعة.. لكن مسؤولو التعليم العالي تجاهلوا معاناة هؤلاء الخريجين وكأنهم ليسوا سبب المشكلة والمسئولون عنها بصرف النظر عن أي تفاصيل، يتهربون من حل القضية بذريعة عدم وجود ميزانية، فيما الجامعة لا يعنيها سوى الحصول على مستحقاتها، وكالعادة تجيد معاقبة طلابها الذين لا ذنب لهم في استكمال دراستهم فيها بموجب قرار ابتعاث حكومي من التعليم العالي، والنتيجة حرمان هؤلاء الخريجين من ممارسة مهنة الطب واستكمال دراساتهم العليا التخصصية حتى يقدر مسؤولو التعليم العالي وجامعة العلوم والتكنولوجيا أبجديات مسؤوليتهم الوطنية والقانونية والأخلاقية..
د. عبدالله الشامي/ نائب وزير التعليم العالي:
جامعة العلوم والتكنولوجيا ربحية.. ومخالفاتها كبيرة
وحيث شكاوى الطلاب لا تتوقف عند بوابات الجامعة والتعليم العالي ووسائل الإعلام كان لابد من الالتقاء بالمسؤولين مجددا لمعرفة الجديد عن مأساتهم والبداية مع د. عبدالله الشامي/ نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي دفعنا إليه بمعاناة ضحايا وزارته فكان هذا الحصاد:
هل قضية الأطباء الضحايا المبتعثين من التعليم العالي عام 2008م لدراسة الطب البشري في جامعة العلوم والتكنولوجيا في وارد تفكيركم؟
– قامت وزارة التعليم العالي بمخاطبة وزارة المالية بصرف مستحقات الجامعة، ونتابع مشكلتهم أولاً بأول إلا أنه نتيجة الظروف الصعبة والعدوان الغاشم الذي شن على البلد وتأثر ميزانية الدولة اعتذرت المالية عن تمويل المبلغ، خصوصاً أن الجامعة تطالب بمبلغ مهول حوالي ثمانمائة ألف دولار، وقد شكلنا لجنة لإجراء مخالصة مالية مع الجامعة إلا أن الجامعة تستخدم هذه الورقة ضد الوزارة؛ لأن الوزارة فتحت ملف إصلاح الجامعات ومن بينها جامعة العلوم والتكنولوجيا، وهذه الجامعة عليها مخالفات كبيرة جداً فيما يتعلق بكل من التعليم عن بعد، ومكاتب الخدمات المنتشرة على مستوى القرى والعزل، ومكاتب التنسيق التي كان يفترض أن تستخدم لاستقبال الطلاب وتقديم خدمة التسجيل لكنها تحولت إلى مكاتب للدراسة والامتحانات، وفتحت الجامعة للتعليم عن بعد مكاتب في جميع أنحاء العالم، وبلغ عدد الطلاب الدارسين عن بعد 13 ألف طالب لكن الجامعة تقدم لنا هؤلاء على أساس أنهم منتظمون، والجامعة أيضاً اخترقت سيادة الوطن ووقعت مع جامعات كثيرة اتفاقيات لمنح الطلاب درجة الماجستير والدكتوراه دون أي موافقة من وزارة التعليم العالي كجهة مشرفة، كما أن هناك مسؤولية اجتماعية على جامعة العلوم والتكنولوجيا التي حققت أرباحاً مهولة جداً، وحصلت على تسهيلات من الدولة وفي مقدمتها الأرض التي أعطيت لها وبإيجار بخس، وكان يفترض من باب المسؤولية أن لا تتعاطى مع ملف الطلاب بهذه الكيفية خصوصاً أن المديونية لدى دولة بالتأكيد لن تنكر هذه الحقوق ولن تتخلى عن التزاماتها لكن الهاجس الربحي سيطر على هذه الجامعة وأصبح مقدماً على قضية أن تكون الجامعة ذات رسالة قبل أن تكون ربحية.
ماذا قدمت وزارتكم من حلول لسداد مديونية هؤلاء الخريجين؟
– منذ استلامي لملف وزارة التعليم العالي خاطبنا وزارة المالية، كما أن الجامعة عندها مديونية لوزارة التعليم العالي بحوالي 170 مليون ريال، وقد أوقفنا تعميد وثائق كل التخصصات والبرامج التي تقدمها الجامعة حتى تفي بالتزاماتها ومن ضمن المخالفات فتح أقسام مخالفة، ونتابع الملف مع وزارة المالية باستمرار على الأقل يتم إعطاء الجامعة جزء من المبلغ لكن مع كل هذا لا شيء يبرر للجامعة التعامل مع الطلاب بهذه الطريقة خاصة أنهم من المتفوقين .
تقولون إن على جامعة العلوم والتكنولوجيا مديونية أكبر للتعليم العالي .. لماذا لم يتم تنفيذ حل “المخالصة”؟
– عندما كانوا يحاسبون الجامعة يطالبونها بمبلغ عشرين مليون ريال، نحن اليوم كشفنا غالبية البرامج فقفزت المديونية لـ 170 مليون ريال لكن مشكلة الجامعة أنها لا تعترف أن لديها مديونية حتى اللحظة؛ السياسة السائدة لديها هي التهرب والتملص من الالتزامات.
هل يمكن لوزارة التعليم العالي اتخاذ أي إجراء يمكن هؤلاء الأطباء من استلام وثائق تخرجهم؟
– الإجراء الذي اتخذناه كما قلت سابقاً هو إيقاف تعميد وثائق الجامعة.
لماذا لا تلزم الوزارة الجامعة بتسليم الوثائق وتحل المشكلة فيما بعد ولو بتقديم ضمانات معينة؟
– أي ضمانات! أنا دولة وجهة مشرفة عليهم وقدمت لهم تسهيلات، ولا علاقة لهؤلاء الخريجين بالمديونية، ولن ينكرهم أحد .
أنتم المسؤولون اليوم عن هؤلاء المبتعثين الأطباء فمتى يستلمون شهادات تخرجهم؟
– يفترض أن تسلم الوثائق اليوم قبل غد، وهذا التصرف السليم لأي جامعة؛ فالطلاب المبتعثون ليس لهم علاقة بما يحدث، أوفدوا بشكل رسمي بناء على قرارات، وحقوق الجامعة باقية. يفترض أن يكون لدى الجامعة رقي في التعامل، وموضوع المديونية يتم نقاشه من خلال المديونية التي لدى الجامعة ومن خلال متابعتنا في المالية، كما أن جهات كثيرة جداً لديها مديونيات لدى الدولة ولم تقم بالتصرف بنفس الكيفية التي قامت به هذه الجامعة بحرمانهم من دخول القاعات وحجب النتائج خصوصاً أن جامعة العلوم والتكنولوجيا هي أكثر جامعة حصلت على تسهيلات من الدولة وحققت أرباح مهولة جداً، ومديونية المبتعثين إليها لا تساوي شيئاً نسبة إلى ما حققته من أرقام فلكية، ومن المسؤولية الاجتماعية للجامعة أن لا تكتفي بتقديم ضرائب وزكاة فقط، يجب أن تشارك في خدمة المجتمع وتعطي تسهيلات وتستوعب المتفوقين مجاناً لكننا نقول لن يتم إنكار مستحقاتها المالية.
د. عبدالغني حميد / نائب رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا:
اعتمدت الجامعة معايير الجودة قبل مجيء وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى لاعتماد الجودة
بدورنا حملنا ردود المسؤول الأول في الوزارة التي ابتعثت هؤلاء الطلاب المتفوقين إلى ما أصبح مأساة أرقت أطباء بدرجة ضحايا إلى د. عبدالغني حميد/ نائب رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا التي تحتجز شهادات طلابها بمبرر عدم سداد التعليم العالي لمديونيته:
إلى متى تستمر معاناة ضحايا التعليم العالي وجامعتكم ترفض تسليم وثائق تخرجهم منذ عامين؟
– بداية جامعة العلوم والتكنولوجيا جامعة غير ربحية، تأسست عام 1995م كضرورة ملحة لاستيعاب مخرجات الثانوية العامة، واعتمدت على تخصصات ليست في الجامعات الحكومية كطب الأسنان، وأي هامش من الربح يعود على البنية التحتية للجامعة ومتطلبات العملية التعليمية فحظيت بثقة الجميع، كما اعتمدت الجامعة معايير الجودة في 2005م قبل أن يوجد المجلس الأعلى لاعتماد الجودة وقبل أن تأتي وزارة التعليم العالي، وحازت على المرتبة الأولى على مستوى الوطن في تصنيف ويب ماتريكس العالمي لتميز مخرجاتها والتزاماها بالمعايير المهنية والأكاديمية، ما أريد قوله إن الجامعة وصلت فيما وصلت إليه وهي تعتمد فقط على رسوم أبنائها وهذه المبالغ مقارنة بالخدمة التي تقدمها قليلة جداً وأي نقص فيها سينعكس على العملية التعليمية، والأصل أن تُسدد الرسوم في وقتها لكن الجامعة تجاوزت نوعاً ما وأنفقت على هؤلاء المبتعثين حتى لا تعرقل دراستهم، وهذا جهد أرى أن تشكر عليه الجامعة، إذا لم نستلم الرسوم أغلقنا الجامعة .
لماذا قبلت الجامعة مبتعثين جددا من الوزارة لتزداد المشكلة عمقاً ويزيد عدد الضحايا؟
– لأن الوزارة هي الراعية للجامعة، ونتعامل مع الجهات الحكومية بعلاقة التعاون والشراكة وبيننا احترام متبادل ومن أجل المبتعثين، وكنا كلما ضغطنا أعطونا مبالغ بسيطة ويعدوننا بالتسديد، كما أن التعامل يأتي بصيغة الأمر، واليوم أوقفنا قبول المبتعثين من التعليم العالي؛ لأن الأمر لم يعد يُحتمل.
كم تبلغ مديونية وزارة التعليم العالي للجامعة؟ وكم مديونية هؤلاء الخريجين؟
– ما يزيد على مليون ومائتي ألف دولار من تاريخ الابتعاث، ومديونية هؤلاء الخريجين أكثر من نصف مليون دولار، فيما مجمل ما دفعته الوزارة من المبالغ الكلية لا يتجاوز 30% تقريباً، وفي عام 2014م أعطونا شيكا بلا رصيد.
تقول وزارة التعليم العالي أن الجامعة مدينة للوزارة ومديونيتها أكبر.. لماذا لم يتم تنفيذ حل “المخالصة”؟
– الجامعة سددت منذ 2011م ما يقرب من 27 مليون ريال ولن نتهرب أو نرفض لكن المديونية مختلف عليها من حيث الفرض والمبلغ، وعلى كلٍّ مديونيتنا أقل بكثير لكنهم يفتعلون مبالغ وهمية على الجامعة من أجل التخلص من المبالغ التي عليهم.
الزملاء في التعليم العالي جدد غير محتوين للمشكلة وليسوا مطلعين على الأمر يأتي الرد منهم “سلموا المديونية، ليس من شأنكم مطالبة الدولة، لا توجد مخصصات مالية”.. عندهم توجه ونية طيبة للتخلص من اختلالات التعليم ونتمنى لهم التوفيق في مهمتهم لكن الجوانب المالية هي اختصاص لجان مطلعة تلتقي وتتفاوض بهدف التوصل لحلول في كيفية سداد المديونية بعد تحديد المبلغ بإنصاف.
نحن شركاء لكنهم لا يسمعون للجامعة، يريدون التفاهم بالطريقة التي يريدونها، نريد لقاء وتفاهما واقعيا لحل كل الإشكاليات، لسنا في خصام أبداً ويفترض أن نجسد الشراكة فعلياً.
لماذا تمارس الجامعة ضغوطا وعقوبات على المبتعثين منذ عام الابتعاث بدلاً من مواجهة التعليم العالي ومطالبتها بالمستحقات المالية كجهة تم الاتفاق معها؟
– نطالب بمستحقاتنا بمذكرات تلو المذكرات لكن كجامعة ليس لنا يد على الوزارة لإجبارها على التسليم، كما أننا نتصرف مع المبتعث كأي طالب يدرس على نفقته يجب أن يسدد الرسوم دونما تأخير، وبطريقته يضغط على من تكفل برسوم دراسته.
مادامت المديونية لدى دولة.. لماذا لا تصبر الجامعة على التعليم العالي حتى تدفع المالية ميزانية هؤلاء خاصة وأنتم تعرفون وضع البلد؟
– المديونية متراكمة على مدى سنوات، وإذا كانت الدولة تقول إنها مفلسة فكيف بجامعة عليها التزامات مالية وتعاني، كما أن الدولة لم تتخلَّ عن وظيفتها ما زالت تدفع مستحقات كثيرة .
هناك من يتحدث أن الجامعة تستلم مبالغ فلكية ومديونية المبتعثين فائض ربحي؟
– الجامعة ليست ربحية ورسومها مدروسة وانعكست على بنيتها التحتية وتطوير العملية التعليمية، ولماذا لا نسأل كم تنفق الجامعة من أجل تحقيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي، كما أن الرسوم لم تعد تغطي المصروفات.
لماذا لا تسلم الجامعة وثائق الخريجين وتحل المشكلة فيما بعد مع التعليم العالي ولو باشتراط ضمانات معينة؟
– الجامعة لا تستطيع اتخاذ حل من طرف واحد، لا بد أن نلتقي ونتفاوض، وكنا قد توصلنا لحلول معينة لكنها لم تكتمل.
الجميع يتحدث عن غياب المسؤولية الاجتماعية لجامعة العلوم والتكنولوجيا خاصة أنها تلقت تسهيلات كثيرة من الدولة بدءاً من الأرضية .. فما ردكم؟
– لست مختصاً وإن حصلت فهي وفقاً للأنظمة والقوانين والجامعة تفي بكل المتطلبات لكافة مؤسسات الدولة المختلفة، وكمخالفات نحن حريصون على تلبية المعايير الأكاديمية ونريد التعامل مع معايير مهنية موضوعية .
ومن ضمن أهداف الجامعة خدمة المجتمع وقد أعطت الجامعة (2%) من الدخل للبحث العلمي لدراسة مشاكل المجتمع، وتحملت مسؤوليتها الاجتماعية قبل أن تأتي وزارة التعليم العالي، الجامعة تعطي منح وتخفيضات كبيرة جداً للمجتمع للفقراء وحفظة القرآن والأوائل وعيادة كلية طب الأسنان مفتوحة للجميع برسوم زهيدة وقوافل طبية وتوعية صحية ومؤتمرات دولية ومجلات علمية وأكبر خدمة أنها استوعبت مخرجات الثانوية في ظل العدد المحدود للجامعات الحكومية .
متى يستلم الأطباء مع وقف التنفيذ وثائق تخرجهم؟
– حين تسدد الوزارة مديونيتها للجامعة التي درست المبتعثين في الظروف العادية لكننا اليوم بأمس الحاجة لمستحقاتنا المالية .
وماذا بعد ..؟
انتهت المواجهة بين كل من نائب رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا ونائب وزير التعليم العالي لتبقى معاناة ضحايا الوزارة والجامعة وتتواصل شكاواهم المهملة حد تحولها إلى قضية رأي عام جديرة بالسؤال عما إذا في البلاد من قانون أو مسؤولية تنصف.. وتبقى الأسئلة معلقة، أين ذهبت ميزانية هؤلاء المبتعثين؟ فمنذ عامهم الأول وهم يعانون من مشاكل مديونية التعليم العالي للجامعة، وحتى إن صح ما قيل بأنه لم تكن هناك ميزانية أساسا منذ البداية فهذا فساد كبير؛ إذ كيف يبتعث هؤلاء “المتفوقين” دون أن تكون ميزانية دراستهم محددة (!) ولماذا لم يتم تدارك المشكلة منذ عام الابتعاث وحتى اليوم؟ هل أذنبوا بالابتعاث إلى جامعة محلية عوضا عن ابتعاث خارجي كانوا يستحقونه على بساط الجدارة والاستحقاق؟ وهل كانت “الدولة” ستسجل نفس الموقف المتخاذل؟ وكيف للمنحة أن تتحول لمحنة لا تنتهي؟ هؤلاء “الأطباء مع وقف التنفيذ” ما يزالون بعد سنتين من إكمال 7 سنوات دراسية في انتظار مجرد “تفاهم” وزارة التعليم العالي مع جامعة العلوم والتكنولوجيا لتحديد مبلغ المديونية الذي يأملون أن ينتهي بتسليمهم وثائق تخرجهم بأسرع ما يمكن للحصول على وظيفة ولإكمال دراساتهم العليا التخصصية، من خلال تنفيذ فكرة “المخالصة” أو الدفع على “أقساط” لسداد المديونية أو تقديم “ضمانات” للجامعة أو حتى “إلزامها” كدولة بدلاً من “تهميش” القضية بذريعة عدم وجود ميزانية مخصصة من المالية لدفع رسوم طلاب تم ابتعاثهم لهذه الجامعة عام 2008 م.