عن أجواء الحوار المعتمة
أحمد يحيى الديلمي
من يتابع سير مفاوضات الكويت بين الفريق الوطني الممثل للإرادة الشعبية وبين الفريق القادم من الرياض يعتصرة الألم ويصاب بالحسرة بالذات عندما يستمع تصريحات وأحاديث الفريق القادم من الرياض من رئيس وأعضاء الوفد أو ما يسمى بجوقة الاستشاريين المساندة ، أو الفريق الإعلامي ،
المشهد مريب تجاوز حدود العقل والمنطق والقنوات المأجورة تتسابق لاستضافة أحد هذه المكونات الثلاثة لا ليفصح عما يختلج في أعماقه بل ليترجم إرادة القناة ويدعم توجهاتها المجسدة لرغبات المعتدين .
للأسف كلها أحاديث هزيلة مكررة تحيل المتحدث إلى شاهد زور يتفانى في تبييض صفحات المعتدين تارة بنفي خروفات المرتزقة والعملاء والتغطية على الطلعات والغارات الهمجية من قبل ما يسمى بقوات التحالف وأخرى بإنكار أو تبرير مستجدات تؤكدها الوقائع والمعطيات الماثلة في الواقع كما حدث مع قدوم القوات الأمريكية رغم اعتراف البنتاجون توزعت تصريحات نفس الفريق بين الإنكار والتبرير، ما الذي حصل ؟
لماذا ينزلق هؤلاء إلى هذا المنحدر من العمالة والخيانة ؟ لا أعتقد أنه المال فقط ! يمكن حصر هذا الأمر في مئات المغرر بهم ممن تقطعت بهم السبل وباعوا أرواحهم رخيصة مقابل آلاف الريالات السعودية المدنسة بعكس من يتصدرون الموقف ويزعمون أنهم يمثلون الشرعية، فلقد نهبوا مقدرات الوطن وأغلبهم وصلوا إلى حد التخمة .
اذاً ما الذي انحدر بهم إلى هذا الدرك من العبودية المذلة ؟ الإجابة واضحة تكشف عن وجود قابلية نفسية لدى البعض، لأن يرتهن إلى مصالحه من أجلها يسهل عليه تجاوز الهوية الوطنية وروح الانتماء للوطن وفي سبيلها يقدم على فعل أي شيء مهما تدنى شأنه بما في ذلك الاجتهاد في ترجمة رغبات الغزاة والمعتدين والتخلي عن كافة القيم والأعراف والتقاليد التي ترسخت في الواقع الحياتي وغدت موروثاً حضارياً يحتكم إليه اليمنيون في إدارة الخلافات وتخطي الصعاب على قاعدة : إذا احتربت يوما وسالت دماؤها ** تذكرت القربى فسالت دموعها .
مشهد التحول عبثي مخيف يضاعف الصعوبات التي تكتنف سيناريوهات التفاوض في الكويت ويحدد بوصلة الانحدار السلبي في ثقافة بعض اليمنيين وما فرضه من اختلالات سلوكية أعطت الأعداء فرصة ثمينة للتوغل في أذهان اليمنيين لإثارة النعرات الطائفية المذهبية والمناطقية وتعميق أشكال الحقد والكراهية وما ترتب عليهما من بغضاء فرضت حالة العداء إلى حد دفع أبناء جلدتنا إلى استصاغة فكرة التهجير القسري لأخوانه من عدن وبعض المحافظات الجنوبية الواقعة تحت نير الاحتلال وفق ما هو حاصل لأبناء المحافظات الشمالية .
هذه الآثام والممارسات البشعة لم تحدث حتى في زمن الاستعمار والتشطير وهنا تكمن الخطورة الواقعة على مفاوضات الكويت كون احد الفرقاء قبل أن يكون حصان طروادة ينتظر التعليمات القادمة إليه من دولة العدوان يترجمها حرفيا ويتقمص ثوب الوطنية لكي يشرعن هذه التعليمات ويضفي عليها طابع الحرص على الوطن.
وهنا نسأل: كيف لمن لا يمتلك الإرادة أن يفصل في أمر أو يقترح مبادرة أو يقدم حلاً قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع كلها أمور مستحيلة في حالة العمالة والخيانة تموت الضمائر وتنعدم المواطنة الشريفة .
في هذا الجانب لا بأس أن نعود إلى بعض أحداث زمن التشطير التي جعلت اليمنيين نموذجا للتآلف والتسامح ونكران الذات أخص بالتحديد ذلك اللقاء الذي ضم وفد الشطرين برئاسة الرئيس السابق/علي عبد الله صالح والرئيس الأسبق حيدر أبو بكر العطاس برعاية الرئيس الليبي المرحوم العقيد/ معمر القذافي لأن اللقاء تم بعد قطيعة طويلة توغل فيها العداء في النفوس وضاعف الحملات الإعلامية المهووسة، فلقد بادر الليبيون إلى إتخاذ الحيطة والحذر وتكليف قوات خاصة للفصل بين الجانبين وعدم حدوث أي احتكاك بينهم إلا أن اليمنيين جسدوا موقفاً رائعاً أكد أن الحضور وجها لوجه ينهي كل العداوات ويفتح صفحة جديدة عنوانها الوطن إذ شاءت الصدف في ذلك اللقاء أن الوفد الشمالي كان قادماً من أثيوبيا وأصطحب معه كميات من القات .
هنا مصدر الدهشة والاستغراب عند الليبيين . مع أن الوفدين كانا في فندقين مختلفين إلا أن القات جمعهم وضمتهم غرف واحدة تصاعدت قبلات حرارة الشوق وتعالت أصوات النقاش وكأنهم في عرس توارت معه مظاهر الخصومة والعداوه حينها أتصل العقيد القذافي بالمختص أمنيا يسأله عن الأوضاع أجاب بنزق .. (اليمنيين بيضحكوا علينا ولا بينهم أي خلاف) إلى غير ذلك من المواقف الدرامية التي صاحبت الاجتماع وأهلت المتابعين إلى حد أن وفد الشمال صعد في سيارات موكب العطاس ووفد الجنوب صعد في سيارات موكب صالح، عظمة المشهد جعلت المضيفين يدركون أن هذا الشعب أصيل ، عصي على الفتنة والعداء بعكس ما يحدث اليوم فالأخوة القادمون من الرياض حملوا فكر وتوجه ورغبة الجانب السعودي .
لذلك من الصعب أن يتفقوا مع إخوانهم على رؤية أو يقدموا حلا يحقن الدماء.
وهنا نخاطب هؤلاء بحق الضمير والمواطنة الشريفة إن كان أحدهم لا يزال يحس أو يستشعر بهذه المواطنة عليهم أن يدركوا أن الشعب تحمل كثيرا وأنه بات على حافة الهاوية، فهل يمكن لهم أن يرتقوا إلى مستوى معاناة الشعب ويحتكموا إلى منطق العقل والولاء للوطن مع أنها أمنية مستحيلة لكن الله قادر على كل شيء ومنه تعالى نستمد التوفيق ،، إنه على ما يشاء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل .