عبدالرحمن الرياني
في احد لقاءاته مع قناة الجزيرة طالب القائد الليبي الراحل /الشهيد معمر القذافي بإيجاد ما يمكن أن نطلق عليه فاتيكان إسلامي في مكة والمدينة بحيث يتم وضع الأراضي الإسلامية المقدسة في الأراضي الحجازية تحت وصاية هيئة إسلامية تكون هي المشرفة والوصية على البقاع المقدسة .
لم تكن هي المرة الأولى التي يطالب القائد الراحل بهذا المقترح فكلما توترت العلاقة بينه وبين نظام آل سعود تقدم القذافي بهذا المقترح ، فقد كان يرى في أن النظام السعودي لا يملك الشرعية في الوصاية على أرض الحرمين كونه موالٍ للغرب الصليبي وأمريكا الامبريالية ، نفس المقترح والرؤية حاول الإمام الراحل آية الله الخميني تسويقها بُعيد قيام الثورة الإيرانية وفي أثناء حرب الخليج الأولى التي خاضها الخميني مع عراق صدام حسين على مدى ثمانية أعوام .
وبين رغبة القائد الليبي والإمام الخميني ومشروع الفاتيكان الإسلامي هناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة أهمها مدى شرعية الوصاية السعودية على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. فقبل العام 1932م وهو العام الذي شهد قيام ما يعرف حالياً بالمملكة السعودية كانت الأراضي الحجازية تحت حكم أسرة الأشراف وتحديداً للشريف حسين شريف مكة . وفي سنة (1919م) تمكن الزعيم البدوي النجدي ؟! عبد العزيز آل سعود من حصار مكة والاستيلاء عليها بالتعاون مع خالد بن لؤي وهو احد الأمراء الأشراف المناوئين للشريف حسين وقد تمكن الشريف غالب والي مكة في ذلك الحين من مساعدة الملك عبد العزيز على دخول مكة لكن الأهم من ذلك كله هو أن الداعم الرئيسي للنظام السعودي حينئذٍ كانت بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس القوى العظمى التي قضت على الخلافة الإسلامية ودعمت عبد العزيز في شن حروبه وغزواته ضد الوجود الإسلامي العثماني في جزيرة العرب حيث كانت تحركات عبد العزيز تسير وفق توجيهات كل من: 1- الجنرال كيم فيلبي 2- والجنرال لورانس العرب يهودي اسكتلندي 3- بل وكان بعض العسكريين البريطانيين قادة لمعارك شهيرة في صحراء الجزيرة العربية مثل الجنرال “بيرسي جوكس” قائد معركة العقير كل هذه الشخصيات الهامة هي التي صنعت العرش السعودي وهو ما عبر عنه حاييم ويزمان أول رئيس للكيان الصهيوني عندما قال عقب قيام الكيان الغاصب “أن أكبر نصر تحقق لبريطانيا في القرن العشرين هو قيام الكيانين السعودي والصهيوني لأنها تمكنت من خلال ذلك من السيطرة على أهم ثلاث أماكن مقدسة لدى المسلمين “.
وحسب رأي الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل ومن خلال ما تحصل عليه من وثائق تضمنت بعض الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز وونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني يؤكد عبد العزيز أنه لا يدين بالولاء لغير حكومة لندن ومما جاء في الرسالة حرفياً يقول عبد العزيز في موضوع الجامعة العربية “أنا لن أفعل شيئاً في موضوع الجامعة إلا ما تنصحوني به ولن أنظم إلى هؤلاء الناس إلا إذا رأيتم ذلك ” تاريخ الرسالة ابريل 1944م وبعد عدة أشهر يؤكد الملك في رسالة إلى تشرشل يقول: نريد أن يفهم العرب أن علاقتنا بكم أبدية وليس لنا سند إلا هذا الإله الموجود في لندن ” وفيما يتعلق بالحج يطالب عبد العزيز تشرشل بعدم تخفيض الدعم على ضوء الأزمة التي تمر بها بريطانيا جراء الحرب فيقول الملك بصيغة الرجاء “أرجوكم أن لا تخفضوا مساعدتكم لنا لأن ذلك سوف يؤثر على حياتنا ومستقبلنا إذا لم تنجدونا بمؤن وأكل فإن موقفنا سوف يستحيل في الحجاز لأن الحجاج جايين لهم وما في معنا أكل فمن فضلكم شوفوا لنا طريق “.
وبالعودة إلى الشريعة الإسلامية وإذا ما أردنا الأخذ بالقاعدة الفقهية القائلة ما بني على باطل فهو باطل ” سوف نرى أن الحكم في السعودية قام على أنقاض دولة إسلامية وبمساعدة طرف غير إسلامي هو بريطانيا .
وإذا ما حاولنا اجترار الزمن للفترة التي تلت قيام ما يعرف بالدولة السعودية وحتى وقتنا الراهن فإننا سوف نرى في مواقف الكيان السعودي مواقف معادية للعرب باستثناء تلك الفترة التي شهدت حرب أكتوبر 1973م التي قرر فيها الملك فيصل الخروج عن النص والعمل ضد التوجه الأمريكي الأمر الذي أدى به أن يفقد حياته على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز .
وبين المواقف التي تظهر مؤامرة الحكم السعودي على فلسطين وبين موقف ذلك النظام من احتلال العراق حيث يؤكد (بوب ودورد) في كتابه خطة الهجوم أن الملك الحالي عبد الله هو الذي كان يقوم بالضغط على الرئيس بوش من أجل احتلال العراق وأن الملك بعث بالعديد من الرسائل للرئيس بوش ينتقد فيها الموقف الأمريكي المتردد في غزو العراق وإطاحة نظام الرئيس صدام حسين رحمة الله عليه .
في المقابل أسهم التدخل السعودي في اليمن في فترة الستينيات من القرن الماضي في إزهاق أرواح أكثر من 400 ألف يمني وتؤكد الكثير من المصادر أن الحكم السعودي كان وراء تأجيج الحرب في لبنان في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي .
وباعترافات الأمير طلال بن عبد العزيز فإن النظام السعودي عمل على تدمير مصر وكان لمواقفه من نظام عبد الناصر الأثر الكبير في حدوث هزيمة أو نكسة العام 1967 .
أسباب المطالبة برفع الوصاية السعودية :-
يؤكد الكثير من المسلمين أن مكة المكرمة قبل أن تكون مدينة فهي وقف إسلامي لا يحق لأحد من المسلمين الانفراد بحق الوصاية عليها وأن مبدأ الوصاية في ظل حالة التجزئة الراهنة تعد أمراً غير مقبول كون هذه الوصاية تعتبر حقاً شرعياً مقدساً لولي أمر المسلمين كافة، فالملك السعودي لا يحق له الوصاية على أرض الحرمين ليس لشيء سوى لأنه لم يحظ بموافقة المسلمين فالمسألة هنا وفي ظل غياب دولة الوحدة الإسلامية المحكومة من قبل خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين تحتاج إلى إعادة النظر في أقل تقدير يصبح الاستفتاء كحد أدنى مقبولاً لدى شريحة واسعة من المسلمين وطالما وذلك لم يحدث فإن مسألة الوصاية تفتقر إلى الحد الأدنى من الشرعية .
سبب آخر لانتفاء شرعية الوصاية السعودية هو ما يتم طرحه في العديد من المنابر الإسلامية وعلى امتداد العالم الإسلامي وهو أن نظام الحكم السعودي بخلفيته الوهابية الدينية عمد منذ أن استطاع فرض السيطرة العسكرية على الأراضي الحجازية على محو المعالم الدينية والآثار الإسلامية من أرض الحرمين الشريفين وتحديداً في مكة والمدينة ويستشهد المناوئون للنظام السعودي في تعزيز هذا الطرح بكون مكة أكثر قدسية من القدس فكيف إذا ما بدأ اليهود بعمل بعض الحفريات الهادفة إلى تهويد المدينة المقدسة يقيم المسلمون الدنيا في الوقت الذي جرت وتجري منه علميات وهبنة الحجاز بكل مقدساته والوهبنة نسبة إلى المذهب الوهابي تعني محو الوجه الديني الحقيقي لمكة وبما يتوافق وينسجم مع المؤسسة الدينية الوهابية وأطروحاتها القائمة على إلغاء الآخر ، وهنا يصبح التساؤل مشروعاً لما لا يحتج المسلمون على طمس وإزالة المعالم الإسلامية في مكة والمدينة على غرار ما يحدث في أرض فلسطين فالحالة واحدة والمسألة شئنا أم أبينا قضية وقف إسلامي لا يجوز التصرف به في ظل غياب الشرعية الدستورية والدينية ، وللتأكيد على ذلك نقدم قائمة تضم بعضاً من أسماء الأماكن الإسلامية التي جرى إزالتها من خارطة مكة والمدينة وهي نسبة قليلة إذا ماعلمنا أنه تم تدمير أكثر من 249 معلماً اثرياً في مكة والمدينة وربما هذا مايفسر تدميرهم وبتلك الهمجية لآثار اليمن وهو أيضاً ما يفسر إيمانهم المطلق بسياسة نبش القبور كما حدث مع قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي من قبل القوى الوهابية التكفيرية في سوريا وحرقهم لمكتبة الجامعة الإسلامية الأسمرية في ليبيا والتي تضم أكثر من مليوناً ونصف المليون كتاب ليس لشيء سوى لأنها ليست وهابية ومن أهم المواقع الأثرية التي دمرها الوهابيون مايلي :- .
1 – المنزل الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بنى سلاطين آل عثمان في نفس المكان قبة ومنارة عظيمة جرى إزالتها وهدمها في العهد السعودي وأصبحت أرض فضاء حتى بنى فيها محمد بن يوسف الثقفي دار له تم إزالتها وتحولت إلى مكتبة في سوق الليل وتقع على بعد 500 متر من الحرم ثم بعدها هدمت ولتتحول إلى أرض فضاء .
2 – دار أبي طالب عم الرسول التي تربى فيها عليه الصلاة والسلام
3 – دار خديجة بنت خويلد التي عاش فيها الرسول زمناً طويلاً من شبابه أكثر من ربع قرن وشهدت أول الوحي على رسول الله كما شهدت مولد السيدة فاطمة وبقية بنات الرسول من السيدة خديجة رضي الله عنها .
4 – دار أم هاني التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ؟!
5 – دار أبي سفيان التي قال فيها الرسول يوم الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . لقد جرى تحويلها إلى موقف للباصات ومحطة للنقل في أواخر الستينيات من القرن الماضي بعد إزالتها على يد ميليشيا الوهابية .
6 – دار الأرقم ابن أبي الأرقم حيث أسلم عمر رضي الله عنه وحيث كانت ملجأ وملاذاً للمسلمين وشهدت المراحل الأولى قبل الجهر بالدعوة المحمدية
7 – أين المكان الذي بركت فيه ناقة رسول الله يوم جاء على المدنية
8 – أين دار أبي أيوب الأنصاري حيث نزل الرسول صلى الله عليه وسلم تحولت إلى مكان لبيع الملابس ثم جرى هدمها تماماً
9 – مسجد السقيا وهو الذي كان قائماً في السور الخاص بسكة حديد الحجاز والذي سقى منه المسلمين أثناء توجههم إلى بدر لملاقاة مشركي قريش
10 – أين مسجد الفضيخ الذي نزلت فيه آية تحريم الخمر فقام بعض الصحابة بإراقة الخمر (الفضيخ) تعني خمر التمر في المسجد فسمي المسجد بذلك .
11 – القبة التي كانت موجودة في المكان الذي قتل فيه حمزة ابن عبد المطلب جرى هدمها في العهد السعودي عند سيطرة الوهابيين على المدينة
12 – المكان الذي كانت فيه سقيفة بني ساعدة .
13 – أين مسجد السيدة فاطمة رضي الله عنها
14 – أين بيوت الصحابة في المدنية المنورة والتي ظلت قائمة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
أين بيت أبي بكر وعمر وعثمان .؟
الشيء لا يختلف عليه اثنان هو أن هناك عملية طمس واسعة النطاق تمت لمعالم مكة والمدنية ، الأمر الذي حدا بأحد العلماء إلى القول أن المحتل ما كان له أن يفعل ذلك بأرض الحرمين الشريفين ، البعض يمكن أن يتعاطف مع الجانب السعودي معتمداً في ذلك على تقديم الخطاب التبريري الأخذ بمقتضيات ما تتطلبه التوسعة وكانت التوسعة بالشكل الذي تمت به حجة النظام السعودي وليست حجة عليه ، والمتتبع للنهج المتبع في توسعة الحرمين وسواء في مكة أو في المدينة سوف يرى أن خلفاء بني أمية وبني العباس والولاة من الفاطميين والمماليك والعثمانيين اعتمدوا في توسيع الحرم دون أن يهدموا بيتاً أو قبراً أو مشهداً إسلاميا بل ووصل الأمر إلى أن بعضهم مثل الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي جعل أرض المسجد النبوي من الرخام وسقفه من الذهب وأعمدته من المرمر ، وأدخل بيوت النبي في توسعة المسجد فأين بيوت رسول الله الأخرى ؟!!
لقد استطاع الحكام السعوديون ومن خلال الهبات المالية التي جرى تخصيصها للكثير من حكام الدول الإسلامية خلق حالة من الصمت إزاء ما جرى ويجري في الأراضي الحجازية المرة الوحيدة التي كسرت فيها حالة الصمت تلك هي محاولة النظام السعودي هدم قلعة جياد التي تم بناؤها إبان الحقبة العثمانية حيث تفجرت أزمة سياسية حادة بين ما يعرف بالسعودية وبين الحكومة التركية ولوحظ حينها أن البعض من العرب وقف إلى جانب نظام آل سعود .
دون أن يتم تفسير لتلك المواقف مع العلم بأن عمر القلعة يزيد على عدة قرون وهو ما يجعلها تدخل في إطار ما هو تاريخي، الغريب في الأمر أن العديد من الهيئات الإسلامية والعالمية التي يفترض أنها تدافع عن التراث الإسلامي لم تقم ولو بالحد الأدنى من التحرك إزاء ما جرى من طمس للمعالم التاريخية لمقدسات المسلمين .
في المقابل هناك أحد أهم الأسئلة التي يمكن لنا أن نطرحها وهي هنا تتعلق بالجانب الآخر الذي نعني به الموروث التاريخي لليهود وهو لماذا لم تمارس السلطات السعودية نفس الأسلوب مع الآثار اليهودية في المدينة المنورة وخيبر ؟ كيف تم الحفاظ على قصر كعب ابن الأشرف في المدينة ؟ وكيف تم الحفاظ على آثارهم في خيبر ؟ أسئلة تحتاج منا إلى وقفة وتمعن لكي نستطيع قراءة وفهم ما يجري ؟
الأيدلوجية الدينية :-
تعد الأيدلوجية الدينية هي المحرك والدافع والرافعة السياسية التي قام عليها النظام السعودي فالحركة الوهابية كانت ولا زالت لصيقة بالدولة السعودية ومراحلها الثلاث منذ المؤسس الأول محمد بن سعود الذي التقى محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية وحتى الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز سابع ملوك الدولة السعودية الثالثة وعبد الله آل الشيخ مفتي الديار السعودية الحالي وهو من نسل مؤسسين الحركة الوهابية وهي الحركة التي انطلقت من نجد ورافقت مراحل الضعف والقوة لدولة السعودية هذه الحركة هي التي شرعنة للحكام السعوديين وقوفهم ضد دولة الخلافة الإسلامية وتحالفهم مع الانجليز ضد سلاطين آل عثمان وهي الحركة التي أفتت بجواز قتال المسلمين بحراب النصارى وهي نفس الحركة التي أباحت تدمير قبور الصحابة وأولياء الله الصالحين حيث شن قادة الحركة الوهابية هجمات مسلحة خاطفة ضد المعالم الإسلامية في العراق واليمن بحجة أن الطرف الآخر كافر وخارج من الملة وهو ما اتضح بوضوح عندما دخلت القوات السعودية إلى الأراضي اليمنية العام 1934م فكانت الرسائل تصل إلى عبد العزيز بن سعود وهي تؤكد أن ميدي دخلت في الإسلام وبيت الفقية دخلت في الإسلام وكأن هذه المدن كانت كافرة قبل مجيء الغزو السعودي ؟!
والحركة الوهابية هي التي قامت باجتياح مكة المكرمة وجعلت من خشب المشربيات الذي عرفته العمارة الحجازية وقوداً لتدفئة ومارست مئات العمليات من الجلد والتعزير بأبناء مكة تحت حجة أنهم مشركون ومنحرفون عن العقيدة الإسلامية الصحيحة هذه الخلفية الدينية هي التي قامت بتدمير المشاهد الإسلامية في مكة والمدينة وكانت على وشك تدمير قبر رسول الله لولا تدخل بعض الحكومات الإسلامية في ذلك الوقت .
وفي المقابل يرى الكثيرون من المناوئين للحركة الوهابية فساد هذه الحركة وجهل القائمين عليها وقد واجهت الحركة الوهابية ولاتزال الكثير من الانتقادات باعتبارها تدعو إلى التشدد والاستئصال والتطرف وهو ما يتعارض مع سماحة الشريعة الإسلامية الغراء ولم يتأت هذا النقد للحركة الوهابية من علماء المذاهب الأخرى والمناطق البعيدة من نجد بل أنه جاء من قلب نجد ومن بلدة العيينة مسقط رأس الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأكثر من ذلك أن النقد جاء من بيت الشيخ ومن الأسرة ذاتها وهو ما يتضح من خلال كتاب الصواعق الإلهية لمؤلفه سليمان عبد الوهاب شقيق الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي يعتبره كثير من علماء نجد أكثر علماً وفقهاً من أخيه محمد حيث كان الشيخ سليمان قد هاجم في مؤلفه المذكور آنفا مؤسس الحركة الوهابية واتهمه بضيق الأفق والتشدد كما أنه شكك في عقيدة أخيه واتهمه بالتدليس والكذب والضلال .
والآن وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على قيام الكيان السعودي في شبه جزيرة العرب أخذ آل سعود على عاتقهم تقديم أنفسهم للعالم باعتبارهم أهل السنة وحماة السنة وهذه السنة هي تلك التي جاء بها محمد بن عبد الوهاب (في كتاب التوحيد ) وليست السنة التي جاء بها الأئمة الأربعة الشافعي وابن حنبل والإمام مالك وأبو حنيفة فالإمام محمد بن عبد الوهاب جاء امتداداً لابن تيمية ومجدداً للرسالة المحمدية هكذا يراه أتباعه عبر امتداد مراحل دعوته وحتى يومنا الراهن ولهذا ينظر إلى أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى السابقة الذكر بأنهم لا يتمتعون بذلك الصفاء والنقاء الديني الذي يتمتع به أتباع المذهب الوهابي وقد عملت أجهزة الحكم السعودي المختلفة على تجذير وتكريس ذلك من خلال استحداث العديد من الهيئات الدينية وتسيلمها لغلاة المذهب الوهابي من ذلك إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي هيئة تتمتع بصلاحيات دينية كبيرة سوف نورد تفاصيل عن دورها في الملف القادم.
كما أن النظام عمد على إنشاء ما يعرف بهيئة كبار العلماء وهي من الهيئات التي يلجأ إليها النظام السعودي لتصفية خصومة وهناك الهيئة العامة لدعوة والإرشاد .
إلى ذلك قامت السلطات السعودية بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس الدينية منها دار الحديث في مكة والمدينة والجامعة الإسلامية وجامعة أم القرى وجامعة نجران اقوى الحواضن للفكر التكفيري الداعشي.
وأضحت هذه المؤسسات الدينية الرافعة التي يقوم عليها النظام السعودي والتي من خلالها يعمل لتكريس شرعيته السياسية والدينية في المنطقة وهي الشرعية التي يعمل على إقناع الآخرين بها معتمداً في ذلك على تفريخ واستنساخ العديد من الحركات الموالية له في الكثير من الدول العربية تحت شعار أهل السنة والحفاظ على السنة ولا يخلو قطر عربي من الوهابية ابتداءً من موريتانيا وانتهاء بالبحرين والمحصلة النهائية دولة الوهابيين الكبرى التي ستقضي على الشرك والشركيات وستحكم الأصنام وستلغي الأفكار والمذاهب الشركية ولن يبقى إلا مذهب الفرقة الناجية (الوهابية) .
فالمؤسسة الدينية الوهابية هي القوة الحقيقية المتحكمة بالقرار السياسي وهي عنصر الحسم في اللحظات التاريخية فهي التي كفرت الخميني يوم كان عدواً للولايات المتحدة وهي التي كفرت الرئيس جمال عبد الناصر يوم كان يحارب الامبريالية العالمية وقوى الاستعمار في كل مكان .
وهي نفس المؤسسة التي كفرت الرئيس الشهيد صدام حسين يوم غزت قواته دولة الكويت وهي المؤسسة التي كفرت القائد الشهيد معمر القذافي الذي يصف حكام السعودية بأنهم عملاء لأمريكا وخنازير الجزيرة على حد وصفه .
والمؤسسة الدينية هي التي أفتت بجواز دعم غير المسلم لاحتلال بلاد المسلمين وهي التي اعتبر أحد رموزها حزب الله كافراً ولا يجوز الدعاء له أو تأييده في حربه ضد الدولة الصهيونية المحتلة لمقدسات المسلمين .
وهي في ذات السياق المؤسسة التي أصدرت فتوى بعدم جواز الحج وعدم قبوله عند الله إذا لم يكن الحاج قد حصل على الفيزا من سفارة النظام السعودي فأن الله لا يقبل حجه.
وهي نفس المؤسسة التي أصدرت فتوى بزواج المسيار الذي يقضي على تنازل الزوجة عن السكن والمهر والميراث والأطفال والمبيت وأن الزوج يطأها وهي في بيت أهلها يشبع رغبتها وتشبع رغبته فحسب مخالفين الاية القرانية الكريمة التي تنص على السكن في قوله تعالى “وأسكنوهن من حيث سكنتم ” صدق الله العظيم
وهي ذات المؤسسة التي تكفر شريحة واسعة من اليمنيين وتصمهم بالروافض والمجوس ،
وهي المؤسسة الدينية التي حرصت على حصار باقي المذاهب الإسلامية في مملكة آل سعود مثل المذهب الاسماعيلي والمذهب الشيعي والمذاهب والطرق الصوفية التي باتت محظورة
وهذه الأخيرة هي التي شكلت ثقافة الحجاز في القرن الثامن عشر والتاسع عشر فالطريقة السمانية أصلها من المدينة المنورة والطريقة الميرغنية بدأت من مكة وكذلك الحال بالنسبة للجيلانية وغيرها.
لكن العداء الشديد من قبل الوهابيين لأتباع الطرق الصوفية والذي وصل إلى درجة تجرعيهم وتكفيرهم وتفسيقهم باعتبارهم مشركين حسب الفكرة الوهابية.
كما أن المؤسسة الدينية الوهابية ترفض وتقاوم بشدة فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية وفي نفس الوقت تجيز دعوة ملك السعودية للحوار بين الأديان ؟؟
الحج كمشروع استثماري :-
أبرز ما يميز مواسم الحج خلال السنوات الماضية وتحديداً خلال العقد الزمني الأخير هو أن الاستثمار بات السمة والصفة البارزة للحج ليس في الداخل فحسب بل وعلى امتداد النطاق الجغرافي للعالم الإسلامي فقد أصبح الحج المدخل الفعلي لإثراء العديد من المسؤولين السعوديين المشتغلين في سفارات المملكة وعلى امتداد البلاد الإسلامية فهم وحدهم من يحدد الوكالات الإسلامية التي يتم عبرها تفويج الحجاج من بلدانهم وإلى الأراضي الحجازية نظير نسبة يتم استقطاعها من الوكالات لدبلوماسيين سعوديين وبالنظر إلى الوكالات سواء وكالات السفر أو الحج والعمرة على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي سوف نجد ونلمس أن غالبية القائمين على هذه الوكالات محسوبين سياسياً على النظام السعودي ودينياً على الحركة الوهابية المنتشرة في العالم الإسلامي ، فليس هناك مكاتب تفويج أو وكالات يملكها الشيعة أو الصوفية فحقيقة الأمر تدل على أن معظمهم وهابيون والجهة التي يشك بعدم تعاطفها مع الحركة الوهابية يتم سحب الترخيص منها كما حدث مؤخراً في اليمن وعادة يتم إرجاع ذلك إلى نواح أمنية فالسلطات السعودية تخشى أن يتم اختراقها أمنياً عبر وكالات السفر لهذا عمدت إلى نظرية الأدلجة لوكالات السفر من خلال حصر التراخيص لأتباع المذهب الوهابي السلفي والذين أصبحوا هم المسيطرون الفعليون على مواسم الحج من خلالهم يتم تقاسم النسب وينشط السماسرة والوسطاء وهم عادة من جنسيات أخرى غير تلك التي تتواجد بها البعثة الدبلوماسية السعودية ، هذه الآلية فتحت ما يمكن أن نطلق عليه عمليات تسمين التطرف كما انها قادت الى حالة من المزايدة بالأسعار وصلت ذروتها العام الماضي في مصر حيث ارتفعت أسعار الحج إلى أكثر من 100 مائة ألف جنية 18 ألف دولار للفرد الواحد وجرى تصنيف درجات الحج إلى عدة درجات عل النحو التالي :-
1 – الحج المميز الإقامة فندق 5 نجوم مطل على الحرم المدة ستة أيام
2 – الحج المتوسط درجة ثانية عبر البواخر القيمة 27-23 ألف جينة أي ما يوازي 5.500 دولار للفرد الواحد
3 – الحج العادي وهو الحج عن طريق البر وتبلغ كلفته ما بين 18000 ألفاً و 21000 ألف جنية مصري ما يوازي 3.500 $ أمريكي
وقد ارتبطت الأسعار بالعديد من العوامل التي أدت إلى ارتفاعها وهو على النحو التالي :-
ارتفاع الأسعار في السعودية بنسبة 30% عن العام الماضي تقليص عدد الحجاج بناءً على التعليمات السعودية حيث أنخفض حجاج مصر من 72.000 ألف إلى 55.000 ألف وكذلك حجاج بعض الدول الأخرى .
ارتفاع أسعار العقار في مكة والمدينة حيث وصل سعر المتر المربع الواحد إلى أسعار خيالية هي الأعلى على مستوى العالم وحسب صحيفة الشرق الأوسط فان سعر المتر المربع في منطقة الحرم وصل إلى (ثلاثمائة ألف ريال سعودي) عدد كبير منها ممتلكات مواطنين وظهر أمام الحرم المكي السديس كملك للعقار حيث يمتلك أكثر من 100 عقار في المنطقة المحيطة بالحرم وهو ماعلق عليه الشيخ عادل الكباني بقوله للسديس قل أن متاع الدنيا زائل كل هذه العوامل سوف تحد من عدد الوافدين في ظل عالم مادي لا يعترف إلا بالأقوياء وعلى ضوء المتغيرات الدولية فيما يتعلق بالقدرة الشرائية والمادية فإن درجة الاستطاعة تبدأ بالتلاشي مع مرور الوقت وهو ما جعل بعض الدول تلجأ إلى ما يعرف بالقرعة وهي عملية يتم من خلالها تفويج الآلاف من الحجاج على نفقة الدولة كما هو قائم في مصر حيث بلغ عدد حجاج القرعة هذا العام 2013م(20.000) ألف حاج من أصل 55.000 ألف جرى تفويجهم بسعر 12.000 ألف جينة مصري .
وباستثناء عملية “القرعة” فإن ما يحدث في مصر يعد انعكاساً لما يحدث في بقية العالم الإسلامي وفي مصر على سبيل المثال بلغت عدد الوكالات السياحية العاملة في تفويج الحجاج أكثر من ثمانمائة وكالة لكن جميع جهودها تصب في صالح عدد من الوكالات لا تزيد عن الـ50 وكالة .
استثمار من نوع آخر :-
وهو مدى استفادة النظام السعودي من موسم الحج هناك أرقام غير مؤكدة بان عائدات السعودية من موسم حج العام الماضي تجاوزت العشرين مليار دولار
ويقال أن شركة الاتصالات السعودية حققت أرباحاً تزيد على العشرة ملايين دولار وبعملية حسابية مبسطة سوف نكتشف مدى الفائدة الاقتصادية التي تعود إلى الخزانة السعودية إذا ما عرفنا أن عدد الحجاج الداخل بلغ سبعمائة ألف حاج رسوم الحاج الواحد هي ألف دولار وضعف المبلغ على الحجاج القادمين من خارج الجزيرة العربية .
وجهة نظر المطالبين بالوصاية الإسلامية :-
1 – أولاً عدم احترام آل سعود كنظام للمسلمين من خلال تسيس الحج وتحويله الى نشاط استخباراتي محموم وهو ما يعرف من خلال دعم السعودية لفئات معينة في بعض الدول تعمل على زعزعت الأستقرار فيها ويـتأتى ذلك بتقديم منح لعدد من الشخصيات السياسية والأمنية في تلك البلدان موقع عليها من الملك شخصيا .
2 – عدم إسلامية وشرعية الوصاية السعودية لكون السعودية بلد من 55 بلد اسلامي ولم يأتي حكامها إلى الأماكن المقدسة وفق مبدأ الشورى في الإسلام بل جاءوا غزاة ووطد حكمهم بإيغال القتل في المسلمين .
3 – احتكار الخطاب الديني على المذهب الوهابي ومحاربة المذاهب الأخرى وهو ما اشرنا إليه فالذي يحدث هو إقصاء تام لكل المذاهب الإسلامية بما فيها المذاهب السنية الأربعة فالغرب الحجازي والجنوب العسيري شافعيان والشرق شيعة والشمال والوسط حنابله وجميع تلك المذاهب محاربة ولا يقبل منها تقديم الفتوى مع بعض الإمتيازات القليلة للمذهب الحنبلي أما الحنفية والمالكية فوضعها تماما مثل المذهب الشافعي .
4 – يرى العديد من المناوئين للوصاية السعودية أن الحكم في السعودية نشأ من خلال الاستعمار وانه شريك رئيسي في التصدي للمشاريع المناوئه للاستعمار وهو الحكم الذي يقوم على خلق النعرات المذهبية بصورة علنية قسمت المسلمين وأحالت حياتهم إلى جحيم من خلال الحركات المتطرفة التي درس معظم قادتها ومؤسيسيها في السعودية .
المادة ” مقدمة من خدمة المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة من أجل إعلام قومي يواكب الحدث “