شقيقات الرجال وأمهات المقاتلين صمود أسطوري

عادل بشر
بضع زهرات مزينة بأغصان الريحان تحتضنها امرأة في العقد الخامس من عمرها وكأنها تضم إلى صدرها طفلها الرضيع وتمضي مشياً على الأقدام سالكة مسافة تفوق الكيلومتر، هي المسافة الفاصلة بين منزلها وبين مقبرة خزيمة في شارع الزبيري.
يتكرر هذا المشهد كل يومي جمعة واثنين من كل أسبوع منذ قرابة نصف عام، حيث تذهب أم عبداللاه المرتضى لزيارة قبر ابنها الشهيد ” عبداللاه” حاملة له ورود النرجس والريحان التي زرعتها في سطح منزلها لهذا الغرض. وحتى لا تضطر لزيارة قبر نجلها خاوية اليدين، فوضعها المادي لا يسمح لها حتى بشراء وردة قيمتها مائة ريال.
حين تصل أم الشهيد إلى القبر تقوم أولاً برش كمية من الماء تحضرها معها في إبريق صغير، على سطح القبر وحوله، ثم تضع الورود في جهة الرأس.
سألتها : أي سر تحويه الورود وما الفائدة من رش الماء على القبر؟ فقالت : هذا من اجل عبدالاله.. كان شاباً طيباً وجميلاً، يحب الحياة الجميلة الهادئة ويعشق الورود والماء، وحين جاء الغزاة لاحتلال وتدنيس تراب الوطن كان عبدالاله في الصفوف الأولى للدفاع عنه ونال الشهادة وارتوت تراب اليمن بدمه ودماء رفاقه الطيبين الطاهرين ولو كان لدي ولد آخر لأرسلته لآخذ مكان شقيقه الشهيد.
لم اتفاجأ بهكذا رد، فالصمود الأسطوري للنساء والأسر اليمنية على مدى عام كامل من الحرب والقصف والحصار الشامل، اظهر المعدن الأصلي لأمهات وأخوات وبنات المقاتل اليمني وشرفاء اليمن بشكل عام سواء المجاهدين في ميادين البطولة أو الثابتين في أعمالهم ووظائفهم والمؤسسات الخدمية وغيرها.
12  شهراً كاملة  مكملة و 11 دولة شقيقة وصديقة ومن خلفها أمريكا ودول غربية أخرى ومرضعتهم ” إسرائيل” بالإضافة إلى ترسانة عسكرية متطورة وتشكيلة من الجيوش والمرتزقة والقتلة المأجورين، كل ذلك استخدمه العدو ضد شعبنا اليمني الفقير، مراهناً بذلك على إخضاعه في بضعة أيام كما صرح بذلك ناطق العدوان المدعو العسيري أواخر مارس 2015 بعد أيام قليلة من بدء الحرب على اليمن موضحاً بان الضربات الجوية ستحقق هدفها سريعاً ويعلن الشعب اليمني الاستسلام والرضوخ لإرادة المملكة وحلف الحقد والقذارة، غير أن رهانهم خاب وكبرياءهم انكسر أمام صمود هذا الشعب العظيم وتماسكه الأسري وتكافله وإصراره على الانتصار من خلال الالتفاف مع الجيش واللجان الشعبية والإجادة بالمال والنفس والولد دفاعاً عن الوطن وتحمل جميع المرارات والصبر على كل المآسي من اجل العيش بعزة وكرامة أحرارا طلقاء لا أتباعاً أذلا.
حين تأكد للأعداء فشل مشروع القوة والغارات الجوية لإركاع اليمنيين لجئوا إلى تشديد الحصار الشامل ومنع دخول الاحتياجات الغذائية والطبية ومستلزمات المعيشة مثل البنزين والغاز المنزلي وغيرها، والغرض من ذلك تجويع الناس وتثويرهم ضد الجبهة المناهضة للعدوان من الأحزاب والكيانات اليمنية الشريفة يتقدمهم أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، ولكن رهانهم خاب وفشل..فشاهدنا الكثير من الأسر تخرج بأكملها لإحضار الماء والحطب إلى المنازل حملا فوق رؤوسهن .. ووجدنا الأسر الميسورة تقتسم الرغيف مع جيرانهم الفقراء.. ومن سلمت منازلهم من حقد طائرات آل سعود وجدناهم يتسابقون لاستقبال الناجين من استهداف الطيران لمنازلهم واقتسام الغرف بينهم البين.
هناك أيضا بطولة وتضحية وشموخ لا يوجد إلا لدى نساء اليمن فرغم المآسي التي خلفها العدوان والظروف المعيشية الصعبة بسبب الحصار وتشريد ألاف الأسر من منازلها ووظائفها ومتاجرها، رغم ذلك إلا أن قوافل الدعم للجيش واللجان الشعبية بالمواد الغذائية والأموال والمجوهرات لم تتوقف على مدار عام العدوان.
الكل جاد بما يستطيع ولم يبخل، غير أن أروع القوافل هي تلك التي تنظمها النساء، حيث وهبت الكثير منهن جميع ما تملك من مجوهرات وما تدخره من أموال دعماً للجيش واللجان، بخلاف قوافل الغذاء وحتى الزبيب والمكسرات والكعك وغير ذلك من العطايا التي تؤكد بان المرأة اليمنية مدرسة في الوطنية والصمود والتضحية، ولعل أسمى وأروع العطاء هو عطاء الأم التي تقدم ابنها الوحيد فداء للوطن، وحين يعود لها محمولاً على أكتاف الرجال تخرج بكل فخر وشموخ لاستقباله بالزغاريد والطلقات النارية في الهواء، وكأنها تزفه إلى عروسه المنتظرة والتي اختارتها له بعناية فائقة.
البقاء في المنازل وملازمة الأحياء السكنية في جميع المدن التي قصفها طيران العدوان السعودي الأمريكي بآلاف الغارات وخصوصاً العاصمة صنعاء، يعتبر احد أفضل صور الصمود الأسطوري للأسر اليمنية، فلو تعرضت أي من مدن دول العدوان لربع ما تعرضت له المدن والقرى اليمنية من القصف والغارات الجوية والتحليق المتواصل لطيران العدو، لنزحت جميع أسر تلك المدن من أول غارة, ولتحولت شوارعهم الى ميادين مفتوحة لسباق الاشباح.
في الختام هذا هو اليمن “بلدة طيبة” وأهلها صامدون شامخون، سلام عليهم في كل وقت وحين، إلا من ارتضوا بالذل والهوان واتباع العدوان.

قد يعجبك ايضا