المحافظة التي كانت حديقة خلفية للفاسدين..أبناؤها اليوم في طليعة المدافعين عن العزة والكرامة

المحويت حكاية يمنية في وجه العدوان
المحويت/ ابراهيم الوادعي

الوقت ليلة الـ26 من مارس 2015م, الساعة الثانية صباحاً تقريباً أسراب الطائرات تخترق سماء محافظة المحويت, على علو منخفض, وهديرها غير المعتاد في هذه المحافظة الهادئه يقلق السكان ويفزع النائمين.

دقائق معدودة كانت الطائرات تشن أولى غاراتها على مطار العاصمة صنعاء, وتسجل أولى المجازر في حي بني حوات شمال العاصمة صنعاء، ويعلن السعوديون والأمريكيون من واشنطن بدء عدوانهم على اليمن، ومنذ ذلك لم ينقطع هدير الطائرات المغيرة في سماء المحافظة، ولم تتوقف المجازر بحق المدنيين في اليمن.
وبعد عام من العدوان أدرك الأطفال أن الطائرات التي كانوا يلوحون لها وهي تطير على ارتفاع منخفض في سماء المحافظة ليست صديقة كتلك التي اعتادوا مشاهدتها بين الفينة والأخرى، بل عدو يحمل الموت وذاهبة لتقتل أطفال ونساء في مناطق ومحافظات أخرى.
كما باتوا قادرين على التمييز من خلال هديرها بين الطائرات المحملة بالقنابل القاتلة المنطلقة لقصف أهدافها، أو تلك العائدة من ارتكاب جريمة في مكان ما من اليمن, وفي كلا الاتجاهين يشيعونها بلعناتهم.
منذ الأيام الأولى لوقوع العدوان السعودي الأمريكي أضحت محافظة المحويت قبلة النازحين من عدة محافظات، ومن العاصمة صنعاء التي عانت في بداية العدوان قصفا هستيريا أرعب الأطفال والنساء، لتتجلى صور التكاتف الاجتماعي الذي يتفرد به اليمنيون فمن لم يكن لديه أقرباء فتحت لهم الدواوين الكبيرة والمعاهد والمدارس حتى بات معظمها عاجز عن استقبال أي أسرة نازحة، ومع تدفق النازحين ازدادت الأعباء الاقتصادية والقدرات الاستهلاكية، وفي ظل حصار خانق وانعدام شبه تام للمشتقات النفطية بفعل الحصار من قبل العدوان أضحى إيواء النازحين وتوفير حاجات السكان مشكلة وقفت أمامها السلطات المحلية بحزم وعالجتها بحكمة متفردة، فلم تشهد أسواق المحافظة هلعاً كما كل أزمة تجاه المواد الاستهلاكية حين وجد الناس قيادة تتفاعل مع احتياجاتهم وتطمئن مخاوفهم، وظلت المواد الأساسية متوفرة منذ اليوم الأول للعدوان وخاصة مادتي القمح والدقيق.
عانت محافظة المحويت كما باقي المحافظات اليمنية من غياب الكهرباء في الأيام الأولى للعدوان، وأطلق مركز غسيل الكلى بمستشفى مدينة المحويت عدة نداءات استغاثة لتوفير المحاليل الخاصة بمرضى غسيل الكلى الذين توافدوا على المركز من عدة محافظات بعد أن نزحوا عن مدنهم بسبب القصف والدمار الذي ألحقه العدوان في مناطقهم، وتوفير المشتقات النفطية ليتسنى له الاستمرار في عمله وإنقاذ آلاف الحالات المسجلة والوافدة إليه جراء العدوان، وبفعل الحصار أيضا شهدت السوق غيابا للأدوية الرئيسية، وأعلن المستشفى الوحيد بالمدينة عن افتقاره للعديد من المحاليل ,ومنها ما يتصل بإجراء العمليات الجراحية.
غياب الكهرباء وانعدام المياه بسبب شحة المشتقات النفطية نتيجة الحصار المشدد دفع بالناس إلى البحث عن البدائل، وفي أتون معالجة تلك الصعوبات تجلت الحكمة اليمانية واللحمة الشعبية، فعمل من ميسوري الحال على توفير خزانات مياه في الأحياء والميادين يستفيد منها السكان وتخفف من الإقبال على العيون المائية التي باتت تشهد ازدحاما كبيرا جدا, ولا تفي بحاجة الناس، كما لجأ المجتمع إلى الاعتماد على منظومات الطاقة الشمسية لإنارة منازلهم، وشوارعهم وأحيائهم، حتى غدت مدينة المحويت كمثال فقط مدينة مضاءة بالكامل.
صواريخ الحقد
في الشهر الرابع للعدوان وخلال شهر رمضان المبارك شن العدوان أولى غاراته على المحافظة مستهدفا واديا يفد إليه «النحالة» -من يعمل بتربية النحل- بـ 16 غارة مفتتحا بذلك سجل اعتداءاته التدميرية ضد أبناء المحافظة, ولا يزال، بعد أن يئس من تركيعهم ودفعهم للخروج والتذمر بفعل الحصار وانعدام المشتقات النفطية.
تواصلت اعتداءات طيران العدوان على المحافظة رغم كونها لا تشكل أهمية عسكرية في مجمل مناطقها, لكن رغبة الإضرار والمس بحياة المواطنين هما ما يحركان اعتدائه بمجمله، فشن في يوم واحد اعتداءات طالت عددا من الجسور في طريق المحويت صنعاء وخط صنعاء الحديدة حيث قصفت طائراته جسر وادي سردود وجسر وادي لاحمه وجسران على خط صنعاء المحويت وسقط نتيجة هذا العمل الجبان شهيدان أحدهما سائق قاطرة على جسر وادي لاحمه كان يحمل على متن قاطرته قمحا تناثر بفعل القصف.
كما قصف العدوان المعهد المهني بمديرية الرجم ومبان حكومية في مديرية شبام ومقر صيانة طريق المحويت صنعاء في شمات وسقط شهداء وجرحى نتيجة هذا القصف.
وفي محافظة المحويت سجلت إحدى أبرز جرائم العدوان السعودي الأمريكي بحق الإنسان والتاريخ والحضارة الإنسانية، وشن العدوان سلسلة غارات استهدفت مدينة كوكبان سقط نتيجتها شهداء وجرحى، كما أحدثت دمارا كبيرا بالمباني والقلاع والأثرية العريقة، وهو ما أحدث ضجة لدى المجتمع المحلي وأحدث استفاقة جزئية لدى المنظمات الدولية فنظمت الوقفات الاستنكارية لاستهداف هذه المدينة الأثرية من أبناء المجتمع المحلي.
ومع اقتراب العام الأول للعدوان الغاشم من نهايته، أبى العدوان إلا أن يكون حاضراً بصواريخه في عاصمة المحافظة، وبما ينبئ عن إفلاسه ومرتزقته فدمرت صواريخه الغادرة منزلا يعود لأحد المواطنين في الجزء الشمالي لمدينة المحويت وحالت عناية الله وألطافه دون سقوط شهداء وجرحى.
جريمة غادرة
لكن في الـ4 من أغسطس 2015م كان تاريخا فارقا في العدوان على محافظة المحويت حيث اغتالت أيدي العدوان عبر مرتزقتها أحد الشخصيات الثقافية والاجتماعية وأحد ركائز تدعيم الصمود المجتمعي الأستاذ خالد فرحان أبوعاصم, والعلامة أحمد المهدي عضو رابطة علماء اليمن، ليعم الوجوم والصدمة والحزن كافة مديريات المحافظة حيث كان لهؤلاء الشهداء محطات فيها دعما للصمود ومواساة للنازحين.
رصاصات الغدر قبل أن تخرق صدر الضحية، اخترقت السلام الذي دعت إليه السلطات المحلية المجتمع للحفاظ عليه في ظل العدوان، وأدرك المجتمع أن المرتزقة لا عهد لهم ولا ميثاق ويجب التنبه إليهم ومحاسبتهم. وشهد مكان الجريمة في وادي لاحمة الوقفات الاجتماعية المستنكرة والمستهجنة، ومع انكشاف أمر المرتزقة وعبثهم بأمن المحافظة كثف العدوان من قصفه لعدة مناطق في المحافظة فقصف الجسور وقصف عددا من المباني الحكومية والمعاهد التعليمية المهنية.
ردود المجتمع تجاه تدمير العدوان للبنية التحتية في المحافظة كانت عالية تماما، فزاد المجتمع المحلى وعيا بمجرد ما يقترفه العدوان بحق اليمنيين جميعا، وشهدت المحافظة على امتدادها العشرات من الوقفات الاحتجاجية المناهضة للعدوان والداعية لمزيد من الصمود، وخرج المجتمع بكل أطيافه يدعو إلى دعم الجيش واللجان الشعبية والوقوف خلفهم صفا واحدا.
صمود يتعاظم
منذ الأيام الأولى للعدوان أظهر المجتمع المحلي في محافظة المحويت صمودا تعاظم بمرور الأيام فاحتضن مع بدايات العدوان آلاف النازحين ولا يزال، وكما كان الكبار كان للصغار موقفهم المعبر عن أصالة المجتمع اليمني وصبره وصموده، ومع قرار وزارة التربية والتعليم ببدء العام الدراسي رغم المخاطر واستباحة العدوان السعودي الأمريكي المدارس كأهداف عسكرية في عموم اليمن، أصر الأطفال على الانتظام خلف المقاعد الدراسية متحدين ببراءتهم همجية العدوان، وبأقلامهم صواريخ طائراتهم، وتقاسموا الكتب الدراسية التي عجزت الدولة عن توفيرها بسبب ظروف الحصار المشدد, فيما بينهم.
وعلى مدى عام احتضنت محافظة المحويت عشرات الوقفات والفعاليات الاحتجاجية المناهضة والمنددة للعدوان، وشارك أبناء المحافظة في التظاهرات الشعبية مع باقي أبناء المحافظات اليمنية تنديدا بالعدوان ومجازره البشعة بحق اليمنيين، وشهدت حملة #أمريكا_تقتل_الشعب_اليمني تفاعلا وصدى كبيرا بداخل المجتمع المحلي في المحافظة، وعلى امتداد جميع الفئات العمرية، كما احتضنت عاصمة المحافظة ومديرياتها لأول مرة معارض للشهداء حضر فيها شهداء للمحافظة بمواجهة العدوان.
عبق العطاء
في روضتي الشهداء بمديرية شبام ومديرية الرجم تاريخ آخر تجسده محافظة المحويت وتخطه دماء أبنائها بسطور من نور، فهناك على الأضرحة الطاهرة تجد ابن محافظة المحويت قدم روحه ودمه دفاعا عن ثرى الأرض اليمنية في الحديدة وعدن وأينما سرت بخيالك في كل أرجاء اليمن.
في روضات الشهداء يخبرك العظماء أن المحافظة التي كانت تعد يوما حديقة خلفية للظالمين هي اليوم في طليعة المدافعين عن الحرية والكرامة والعزة وكل القيم النبيلة والتحررية للشعب اليمني, والكثيرون ممن لم يلحقوا بهم لا يزالون في الجبهات قابضين على الزناد يرمي بهم الله اعداءه وأولياء قتلة أنبيائه.
وفي الطريق من العاصمة صنعاء إلى عاصمة المحافظة مدينة المحويت، سترى آثار الدمار الذي أحدثه العدوان السعودي في القرى والمديريات لكنك لن تشتم آثار البارود، فعبق الحرية والكرامة للشهداء الأطهار باتت تظلل سماء المحويت وتشحذ همم أبنائها ليشاركوا بفاعلية في دحر العدوان وإحراز النصر وبناء حلم به كل اليمنيين بدولة تسودها حقوق المواطنة والعدالة المجتمعية.

قد يعجبك ايضا