الأحداث.. الحلقة الأضعف.. في المجتمع..!!

تقرير/ نجلاء الشيباني

هل حقاً أن غالبية الأحداث يُساء معاملتهم إنسانياً منذ إلقاء القبض عليهم وحتى الإفراج عنهم مما يؤدي إلى تنشئة الحدث بصورة خاطئة وقد تكون سبباً في مواصلة الحدث أعماله السلبية واكتسابه سلوكيات مشينة أخرى بجانبها بدلاً من العزوف عنها..

لم تكن جريمته مقصودة فهو طفل لا يعرف معنى الإجرام ولا طرقه, عبدالإله, البالغ من العمر 11 عاماً, تربى في أسرة لها عاداتها وتقاليدها المحافظة يتيم الأب.. فخوف والدته عليه دفعها للقيام بفتح دكان صغير يبيع فيه الحلويات للأطفال حتى يجد ما يشغله, وتجنبه الاحتكاك بأولاد الحي, وما هي إلا أيام معدودة حتى أتى أحد أولاد الجيران للمزاح معه وتلفظ أمامه ببعض الألفاظ اللاأخلاقية مما دفع عبدالإله لأخذ سكين كان يستخدمها لتقطيع حلوى «الطحينية» وضربه بها في قلبه مما أدى إلى وفاة الطفل مباشرة, وكانت صدمة هزت أرجاء الحي بأكمله, وقبض على الصبي وبالمقابل لم يتنازل والد المجني عليه عن القضية فحبس عبدالإله لحين بلوغه السن القانوني في دار الأحداث ولم ينس الصبي أن يشكو لنا وضعه المأساوي في الدار والمتمثل في سوء المعاملة وسوء الغذاء الذي تسبب في رغبته الملحة في الخروج والعودة للمنزل.
خوف وهلع
أتى من قريته ليتوجه للمدينة راغباً في العمل وفي إحدى الجولات بشارع حدة وجد ضالته فكان يبيع الماء تارة وأخرى المناديل الورقية, وذات يوم أشتد العراك بينه وبين بائع جديد أتى ليحل محله في الجولة, محمد البالغ من العمر 12 عاماً لم يقبل أن يشاركه أحد في رزقه فاشتد العراك بينه وبين إبراهيم, الصبي البالغ من العمر 10 سنوات, قام محمد بأخذ علبة زجاجية وضرب بها رأس ابراهيم والذي لم يستسلم بدوره للأمر وقام بأخذ سكينة كانت بحوزته يحمي بها نفسه وطعن محمداً في يده, وإثر هذه المعركة أخذ الاثنان إلى الدار من قبل قسم الشرطة الذي حولا إليه وحبسا في الدار.. لإعادة أصلاحهما كما هو متوقع, ولكن ما حدثنا به الصبيان عن الدار وسوء المعاملة فيه وكيف أنهما محبوسان مع مراهقين أكبر منهم سناً وأصحاب جرائم وسوابق كما يقولان وكيف أنهما يظلان طوال الوقت في خوف وهلع من تعرضهما للتحرش أو الضرب في حال عدم طاعتهما لهؤلاء الأشخاص دون أن يكون هناك أحد يراقبهم أو يحميهم من هؤلاء المجرمين, كما وصفوهما.. فكيف نتوقع إذاً أن يخرج من الدار أطفال صالحون وهم يحبسون لجرائم بسيطة ويختلطون بأشخاص يحترفون الإجرام.
الطفل يظل طفلاً
«أتعامل مع أي طفل يأتي إلى القسم وكأنه أخي الصغير» هذا ما قاله يحيى ناشر, ضابط قسم الريان ويضيف: إنه في حال وصول طفل ارتكب جرماً أياً كان نوعه فإننا نتعامل معه كطفل ونحاول التغاضي عن الجرم الذي ارتكبه بعدها نقوم بالتحقيق معه لمعرفة ما إذا كان أحد قد دله أو دفعه إلى اقترافه وإذا ما ثبت ذلك نقوم بالإجراءات الأمنية اللازمة ومن ثم نقوم بسجنه في سجن خاص بالأحداث بعيداً عن باقي المحتجزين في القسم.
لنقوم بنقله اليوم الثاني مباشرة إلى نيابة الأحداث بعد تسجيل البلاغ لتقوم النيابة المختصة بمحاكمته ومجازاته بما يستحق ومن ثم نقله إلى دار الأحداث أو السجن المركزي الذي يوجد فيه قسم للأحداث.. فالطفل يبقى طفلاً.
التنشئة المثمرة
يرى علماء النفس أن الحدث يقوم ببعض من الجرم الخارج عن القانون بسبب عدد من الاضطرابات النفسية مثل الحرمان العاطفي والقلق والصراع والإحباط, هذا أكدته لنا أخصائية علم النفس إلهام الكميم, مشيرة إلى أنه من المهم أن يتم الاهتمام بالعلاج النفسي وذلك لتصحيح السلوك الجانح وتعديل مفهوم الذات عن طريق العلاج المتمركز على الفرد وهذا صعب للغاية خاصة مع قلة عدد الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين والمرشدين الدينيين.
وأكدت الكميم أن الدار الواحد يوجد فيها مائة أو مائتا حدث وهذا يصعب المهمة أمام المختصين ويضعف من فاعلية التنشئة الجيدة للحدث, بل إن بعض الأحداث يدخل إلى دار الأحداث بقضية شجار فيخرج وقد تعلم كيفية السرقة من زملائه في الدار, وهذا خطير للغاية خاصة عندما تتحول الدار من مكان للتخلص من العادات السيئة والسلبية إلى مكان لتعلم أشياء سلبية إضافية.
من لا يرحم لا يُرحم
ديننا الإسلامي الحنيف بيّن لنا كيفية التعامل مع الأطفال والصبر على أذاهم, هذا ما قاله الشيخ محمد قصلية, ويضيف: إنه روى الإمام أحمد في مسند عن أن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العشاء فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه رفيقاً ووضعهما على الأرض فإذا عاد للسجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته ثم أقعدا أحدهما على فخذيه, وهذا أن دل على شيء فإنه يدل على أهمية الرفق بالأطفال والصبر على أذاهم لذا على كل مسلم ألا يقسو على الصغار حتى وإن ارتكبوا جرماً ما والصبر عليهم ونصحهم .
في سياق حديثه أضاف قصيلة: إن الإسلام هو دين النصح ودين الرحمة وهذا ما قاله الرسول الكريم عندما جاء الأقرع بن حابس إليه وسلم فرآه يقبل الحسن بن علي فقال الأقرع: أتقبلون أولادكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم, فقال الأقرع: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحداً منهم قط, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من لا يرحم لا يُرحم».

قد يعجبك ايضا