اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.. وأمريكا يداها ملطختان بالدم

¶ الغارات الجوية السعودية المدعومة من الولايات المتحدة والحصار دمرت كل مقومات الحياة
شريف عبد القدوس
الوضع الاقتصادي

إن محافظة صعدة الواقعة شمال اليمن، مهد وموطن حركة الحوثي، تعتبر واحدة من المناطق الأكثر تضررا في البلد. ففي شهر مايو، أعلن التحالف الذي تقوده السعودية أن مدينة صعدة التي يقطنها 50 ألف نسمة، “منطقة عسكرية” وأعطت المدنيين بضع ساعات لمغادرة المدينة.
إن التدمير الذي لا يوصف في صعدة من الصعب استيعابه. فلقد عملت الضربات الجوية على تسوية أحياء بأكملها بالأرض وحولتها إلى ركام، كما دمرت كل البنى التحتية للمدنية تقريبا. وقد قصفت أي مكان كان الناس يلتقون فيه في الماضي — جميع أماكن التفاعل الاجتماعي التي كانت بعث الحياة في المدينة.
لقد ظل التحالف السعودي يستهدف كل سوق تقريباً ووصلت الحياة التجارية إلى طريق مسدود. لقد أضحت المدينة القديمة مدينة أشباح. كل ما تبقى من سوقها الرئيسي المزدهر، الذي كان ذات مرة يسافر إليه سكان من بلدات أخرى للتسوق، مجرد شوارع وأزقة فارغة تحدها الأنقاض. وقد تم هدم المتاجر والأكشاك التي تبيع كل شيء من توابل وخضراوات وأدوات كهربائية وذهب. وكانت الغارات الجوية تأتي في موجات متعاقبة، مدمرةً مئات المتاجر، وتدمر معها المئات من سبل العيش. إن الناس الذين كانوا فقراء قبل الحرب باتوا الآن بالكاد على قيد الحياة.
هذا صالح التميري مثل والده من قبله بات نحيل وقد بلغ من العمر 50 عاماً وله أسنان بنية وشعر أشيب ناعم، ولقد كان يبيع البذور والتمر من متجره في السوق لعقود من الزمن. كان المصدر الوحيد لدخله. ولكن بعد القصف الذي وقع في مايو خسر كل شيء. يقول “تم تدمير وإحراق كل ما عندي من السلع.” إنه الآن ينادي بضاعته في الشارع ولكنه لا يحصل سوى على فتات من ما كان معتاد عليه من الدخل. في الأيام السيئة كل ما يمكن أن يتحمل تكلفته هو بعض الأرز وربع دجاجة لإطعام أسرته المكونة من 12 فرداً.
محمود علي مالك، الذي يعمل حارس في السوق، يشير إلى حيث كانت مختلف المحلات التجارية واقفة ذات مرة. وحسب قوله، فإنه “من المؤلم أن يعرج المرء على هذا المكان. إن هذه المحلات كانت ملك الفقراء. وكان هذا هو المصدر الوحيد لدخلهم.”
أما محسن الخطيب الذي كان موظفاً حكومياً في قطاع الكهرباء، يقول إن 95 بالمائة من المنشآت الكهربائية في المدينة تعرضت للقصف. ما يصل من الوقود القليل إلى صعدة مكلف للغاية بالنسبة لمعظم السكان لتشغيل المولدات الكهربائية. “إننا نعيش مثل الأرامل في حداد،” هكذا قال. “الحياة هنا كلها بؤس وكفاح.”
على الطريق الرئيسي في المدينة، باتت الأنقاض في الشوارع بدلاً من المحلات التجارية التي كانت منصوبة ذات مرة. إن جميع المطاعم والمنازل والبنوك والصيدليات ومحلات الحلاقة تضررت كلها. قبل قصف منزله، كان إبراهيم الأكوع يستخدم الطابق الأرضي من منزل عائلته في الإيجار لعدة متاجر بيع بالتجزئة. ومثل كثير من اليمنيين، عندما سئل من أين سيحصل على المال الآن بعد أن ذهب المصدر الرئيسي لدخله، أشار إلى السماء. “لقد ذهبت الحياة هباء بالنسبة لنا،” حسب قوله.
لقد أدى النزاع إلى شل الحياة الاقتصادية على المستوى الوطني ككل.
من المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي مما كان عليه في العام 2014 (13.3 مليار دولار) إلى 8.7 مليار دولار في العام 2015م، أي انخفاض بنسبة 35 بالمائة، وفقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن. وهذا يجعل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد في وضع مثير للقلق (مبلغ 326 دولاراً). حيث فقد أكثر من 2.5 مليون شخص وظائفهم. وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأسعار واستنزفت مدخرات الأسر.
في جميع أنحاء البلد، يكافح اليمنيون من أجل البقاء على قيد الحياة.
أمينة صالح عبد الله النجار تعيش مع أطفالها الثمانية في ظهر حمير، وهو حي مليء بالأزقة الضيقة على الجانب الغربي من العاصمة.
إن بيتها الصغير، المكون من ثلاث غرف مظلمة ومتفرقة، يكاد يشبه كهفاً. يدخل ضوء النهار من نافذة صغيرة، إذ إن الكهرباء بطبيعة الحال غير موجودة. المصدر الوحيد للضوء في المساء هو مصباح يدوي صغير على بطارية تعيد شحنها من دراجة نارية تابعة لأحد الجيران.
لقد ظلت أمينة تعيش هنا على مدى السنوات السبع الماضية. توفي زوجها قبل 11 عاما. إن عبء الفقر وحياة العمل اليدوي والعمل المنزلي قد تركوا تجاعيد عميقة حول العينين لأرملة تبلغ من العمر 55 عاما، وهي الميزة الوحيدة المرئية من وراء النقاب. كما أن يديها أضحت سميكة وخشنة.
بعد صلاة الفجر تتجه إلى خارج المنزل وتظل على مدى 4-5 ساعات تكنس من أجل جمع القناني البلاستيكية من الشوارع التي تتناثر فيها القمامة، ثم تقوم ببيعها لوسطاء يبيعونها بدورهم للمصانع. قبل الحرب كانت تحصل على حوالي 1000 ريال مقابل 10 كيلوغرامات من البلاستيك. ومع تدني إنتاج المصانع، فإنها لم تعد تحصل الآن سوى على 200 ريال. وبهذا المبلغ ينبغي عليها دفع الإيجار وإطعام أطفالها الثمانية. وبالطبع لا يكفي في أي حال من الأحوال.
تقول إن “الحرب قد أثرت علينا في كل مناحي الحياة.”
غالبا ما تذهب إلى المطاعم والجيران كي تتسول وتحصل على الغذاء. أطفالها في كثير من الأحيان لا يتوفر لهم الغداء والعشاء، لذا يخلدون إلى النوم وبطونهم خاوية. كانت تحصل على احتياجاتها من المياه من إحدى الجمعيات الخيرية المحلية لكن هذا المصدر توقف قبل شهرين وبات عليها الآن دفع ثمن المياه لطهي الطعام والتنظيف والشرب، علماً أن 20 لتراً تكلف 20 ريالاً. ثم إن الغاز نادر وتكاليفه باهظة بسبب الحصار، لذا فإن أمينة تذهب إلى سوق محلية لشراء الحطب وتضرم حرائق صغيرة في الزقاق خارج منزلها لطهي وجبات الطعام لأسرتها.
عندما سئلت حول ما الذي ستفعله إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، ألقت يديها في الهواء، وقالت: “سوف نحاول أن نعيش، ماذا يمكننا أن نفعل؟. ما لم فإننا سوف نموت هنا موتاً بطيئاً.”

أسوأ الأسوأ

“إن هؤلاء الناس كانوا يعانوا أصلاً من الجوع الشديد، وإذا استمر هذا الوضع فلن تكون هنالك إمكانية للتعافي من الضرر الناجم عن الجوع،” هكذا قال المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي مهند هادي في أكتوبر. وكان برنامج الغذاء قد قال إن آخر دفعة من مساعدات الأمم المتحدة من الأغذية المخصصة لتعز قد وصلت منذ أكثر من خمسة أسابيع.
كانت أم فريد قد فرت من تعز في شهر أكتوبر بعد أن أصيب ابنها (فريد شوقى البالغ من العمر 6 سنوات) بجروح قاتلة في هجوم بقذائف الهاون عندما كان يلعب الغماية في حيهم السكني. وكان تسجيل مصور قد أظهر الصبي وهو في المستشفى ينزف الأطباء منكبين على جروحه. وبالدموع توسل مرتين بصوت ناعم لوالده وهو يقول له: “لا تدفنني.” لقد توفي بعد أربعة أيام، وقد دفنه أقاربه؛ أما والداه فلم يتمكنا من الذهاب للمقبرة للقيام بذلك. وسرعان ما انتشر التسجيل المصور ليصبح فريد شوقي رمزا للمعاناة في اليمن.
تقول أم فريد إن الوضع في تعز أصبح لا يطاق. “كنا جوعى على الدوام ولم يكن هناك سوى القليل من الماء. والآن أصبح الغذاء باهظ الثمن، ولم نعد نأكل سوى القليل جدا. كان الناس يستسقون من أجل هطول المطر والحصول على بعض المياه.”
ذات مرة كان في تعز 20 مستشفى ولكن الآن لم يعد يعمل فيها سوى ست مستشفيات فقط، وفقا لمنظمة أطباء بلا حدود.
الأطباء في حاجة ماسة لاسطوانات الأكسجين من أجل أن تكون قادرة على إجراء عمليات جراحية. يقول الدكتور نشوان الحامي رئيس غرفة الطوارئ في مستشفى الثورة في تعز في مقابلة عبر الهاتف: “لقد ظللنا صامدين أمام نقص الغذاء والدواء والماء، لكننا لا نستطيع تحمل نقص الأكسجين. أي مريض بحاجة إلى عملية جراحية سوف يموت إذا لم نحصل على المزيد من الأوكسجين. فسوف يظل الناس يموتون كل يوم.”
“إنه لأمر محبط للغاية أنه بعد أسابيع من المفاوضات لم نحرز أي تقدم في إقناع المسؤولين بضرورة تقديم المساعدة الطبية بصورة محايدة لضحايا القتال الدائر في هذه المنطقة، على الرغم من استمرار الدعم الذي نقدمه للمرافق الصحية في المناطق،” حسبما قالته كارلين كليجر، مدير الطوارئ لدى المنظمة في اليمن، في بيان.
كثيرا ما يشير المسؤولون السعوديون إلى حصار تعز كدليل على مزاعم انتهاكات ارتكبتها القوات اليمنية . ومع ذلك بدلا من محاولة إرسال مساعدات إنسانية، ظلت طائرات التحالف تـُسقط مرارا وتكرارا أسلحة إلى الميليشيات المحلية التي تقاتل في صف السعوديين.
ومع استمرار رحى الحرب على مدى عشرة أشهر، لم تحظ المعاناة في اليمن بالاهتمام الكافي من قبل الصحافة الدولية.
يقول ينسن، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية: “من المهم أن تتم تغطية الشأن اليمني على نطاق واسع في وسائل الإعلام كي يصبح الناس مدركين لما يحدث هنا. إن الوضع سيئ للغاية والحل الوحيد لإنهاء معاناة الناس هو السلام. نحن نحاول الضغط على جميع أطراف النزاع أن يتجهوا إلى طاولات التفاوض بحسن نية وإيجاد حل لمصلحة الشعب اليمني.

موقع صحيفة غلوبال
بوست الأمريكية

قد يعجبك ايضا