بينما ينتظرون رغيف الخبز والخروج إلى الحدائق والمتنزهات
إدارة التحقيقات
قبل أن يشن النظام السعودي عدوانه على اليمن وشعبه، كان اليمنيون قد تجاوزوا إلى حدٍ كبير الكثير من العادات والتقاليد السيئة وعلى رأسها حمل السلاح ، لكن العدوان اعاد مختلف الأسلحة إلى واجهة أولويات واهتمامات اليمنيين، وصارت ترافق الكثيرين في كل مكان.. تلك المشْكلة والمعضلة التي خلقها العدوان بإنزال السلاح جواً إلى القرى والمدن والأرياف في معظم المحافظات ومنها تعز، جعلت من السهل وصول السلاح مظليا إلى أيدي المراهقين والأطفال، فيمارسون هوايتهم في اللعب به، بل والتمنطق بمظاهره كالكبار.. غير أن هذه المتعة انقلبت نقمة ساقتهم إجبارياً من الحياة الدنيا ومتعتها وجمالها إلى حياة البرزخ، بما تحمله من قسوة ومأساة لأسرهم في غيابهم المفاجئ، ومنهم من ألزمته الفراش في إعاقة أبدية.. ليكونوا هؤلاء الصغار، هم حصاد سياسة العدوان الإجرامية التي يسلط هذا التحقيق الضوء عليها وقاسيها:
كانت الحرب تقترب شيئا فشيئا من ريف تعز إلى أن وصلت إلى اغلب مديرياته وعزله، وبينما كانت توشك على الدخول في عزلة “سيعة” صبر الموادم أوقن الناس هناك ان شراً يحدق بهم وان الأقدار تخبئ لهم ما يسوؤهم وليس بمقدورهم سوى الانتظار للموت القادم من افواه البنادق المتحاربة، فقرروا الاستعداد التام لا للحرب فهم يكرهونها بل للدفاع عن أي اقتحام لمنازلهم من قبل العصابات التي تستغل هذه الظروف لتنهب منازل المواطنين.
رحيل صائمة
كان احد هؤلاء المواطن عبد الباري حميد من ذات العزلة إذ اخذ الرجل يبحث عن سلاحه الكلاشنكوف ( آلي) فأخرجه من سلة مهملات الزمن فقد تركه لعقود دون أن يحتاج له، بعد دلك شرع الرجل في تنظيف وتجهيز السلاح وتعبئته بالذخيرة ثم وضعه في احدى غرف المنزل ولم يكن يعلم انه يعد خطة ويجهز وسيلة لترحيل اقرب الناس الى قلبه من الحياة.
” منال” ابنة عبدالباري الكبرى ذات السبعة عشر ربيعاً كانت تنظر الى والدها يجهز سلاحه، وهي تفكر بالوضع الذي آل اليه الوطن فقررت بضعف منها وإخلاص لوطنها ان تتقرب الى الله بصيام ثلاثة ايام بنية ان ينهي هذه الحرب، غير ان الاقدار لم تمهل الفتاة لاكمال صيام اليوم الاول من نذرها، ففي تمام الساعة السابعة من صباح يوم السبت ?? يوليو الماضي كان الموت يحلق في سماء غرفتها.. كان يبحث عن وسيلة لخطف روحها ولم ينتظر كثيرا حتى جاء شقيقها الأصغر الذي يبلغ من العمر ?? عاما ليقدم أخته له.
اخذ شقيق “منال” سلاح والده الذي كان قد جهزه اليوم السابق واخذ يوجهه الى صدر أخته مازحا وبينما هو كذلك كانت أخته تتهرب من فوهة البندقية وتصرخ في وجهه، لكنه أمعن في اخافتها فضغط الزناد وهو لا متوقع ان الطلقة ستخرج منه لكنها نفذت الى صدر اخته ليأتي الاهل وبسعفونها الى مستشفى اليمن الدولي بتعز لكنها فارقت الحياة بعد أربعة ايام من اصابتها، محيلة حياة أسرتها إلى حزن ومأتم لا تغادر فاجعته الذاكرة!!.
حزن ابدي
قصة أخرى كانت مع أسرة المواطن رفيق عبد الحكيم لا تقل إيلاما عن سابقاتها .. ففي تمام الساعة العاشرة صباحا من يوم الثلاثاء ?? يونيو الماضي اخذ الطفل شريف عبد الحكيم ذو الاثني عشر عاماً مسدس والده (نوع ماكروف) واخذ يوجهه الى أمه كطريقة مداعبة حميمة جديدة بين طفل لم يعد يمارس العابه بسبب الحرب مع والدته التي افتقدت بهجة ومرح طفلها.
كانت الام حينها واثقة جدا انه لن يصيبها أي أذى، فزوجها كان حريصا للغاية على عدم ترك السلاح ممتلئاً بالذخيرة غير ان هذه المرة انساه القدر وتركه في مكان غير بعيد عن متناول الاطفال، مشحونا بالاعيرة النارية وفي لحظات المرح تلك ضغط شريف على الزناد لتخترق الرصاصة صدر امه التي فارقت الحياة بعد اسبوعين فقط من اسعافها للمستشفى واجراء العملية الجراحية !!
ورغم الكارثة التي اصابت العائلة الا ان تبعاتها المأساوية لم تتوقف عند هذا الحدبل تجاوزت الى ما هو ابعد من ذلك، حيث اصيب الطفل بصدمة نفسية عميقة اثرت على حياته إلى حد كبير ولم يتعاف منها حتى اللحظة رغم كل المحاولات العلاجية له في الكثير من مشافي اليمن وبعض المشافي الخارجية في أكثر من دوله عربية .
في “المفظر” بنفس المحافظة تعز ، وقع الطفل عاصم مفيد الصبري، البالغ من العمر ست سنوات، ضحية قنبلة يدوية كانت قد دخلت المنزل لأول مرة ولم يجد صعوبة في الوصول اليها، فالاخ الاكبر له كان قد دخل المنزل ووضع سلاحه ومعه القنبلة في مكان غير بعيد عن الأيادي قبل ان يتوجه الى فراش النوم، ولان القنبلة كانت بالنسبة للطفل شيئاً غريباً عليه، فقد أخذها الى يده ليتفحصها كما هي عادة الأطفال في حب الاستطلاع.
بينما كان عاصم مد هومشاً لمايراه، تساءل في نفسه عن الخيط الذي يبدو كمعلق للقنبلة لم يكن يعلم أنه الصاعق الذي يسحبه المقاتل قبل أن يلقي بالقنبلة على من يحاربهم، فأخذ الطفل يسحبه بيده لينظر ماذا يمكن أن يحدث، وعلى عكس توقعاته انفجرت القنبلة لترديه صريعا من حينه.
وكما أن للكثير من تلك المآسي تبعات، فإن تبعات هذه الحادثة كان من نصيب الطفلة “براءة” ابنة أخ الضحية والتي كانت (تحبو) من صالة المنزل متجهة إليه، وبينما هي في باب الغرفة التي كانت فيها الحادثة، انفجرت القنبلة وأصابتها شظية في يدها اليسرى لتتسبب في بترها من وسط العضد !!.
توسع الدائرة
تمدد الحرب وتوسعها وتهافت الناس إلى ميادينها مكنهم من الحصول على أنواع الأسلحة بعد أن كان الناس بدأوا يقلعون عن حمل السلام، لكن العدوان السعودي اعادهم إلى حمل السلاح ونشره في اوساطهم بإنزاله مظلياً وتهريباً أيضاً لتدخل إلى منازلهم في متناول أيديهم فيتخذونها كلعب بديلة لألعابهم التي شلتها نيران الحرب ، ما يسبب كوارث لهم ولأسرهم ويجعل من تلك الضحايا التي تسجل اعدادها ارتفاعاً بشكل مستمر ظاهرة، سيجد الناس صعوبة بالغة في تقبلها أو إزالتها .. لذا فإن الحل الوحيد لكبح الظاهرة الوليدة وحفظ دماء الأطفال والأسر بنظر المتخصصين أن يترك الكبار السلاح وأن يغادروا ميادين الحرب ويقعدوا في منازلهم لينتهي الصراع وتنتهي معه مآسي وآلام الشعب.