المنهج العلمي لتحقيق المخطوطات

الحلقة الثالثة
د. أمة الغفور عبدالرحمن الأمير
في الحلقتين السابقتين من خطوات المنهج العلمي لتحقيق المخطوطات تطرقنا إلى أصول النصوص وأوردنا أنواع النصوص ومنازل النسخ ودرجاته وكذا طريقة جمع الأصول وذكرنا أهمية فحص النسخ وكيفيته , كما تناولنا أيضا التحقيق ماهيته وأقسامه وهي (تحقيق عنوان الكتاب – تحقيق اسم المؤلف – تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.تحقيق متن الكتاب، حتى يظهر بقدر الإمكان مقارباً لنص مؤلفه).وفي هذه الحلقة سنتاول خطوات أو مقدمات تحقيق المتن وهي كالآتي:
الأول التمرس بقراءة النسخة ,فالقراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأ، وبعض الكتابات تحتاج إلى تمرس طويل، وخبرة خاصة، لاسيما المخطوطات التي لا توجد فيها إعجام أو مسودة المؤلف.
وفي الكتابات القديمة توضع بعض العلامات لإهمال الحرف، فالبعض يكتب سيناً صغيرة (سـ) تحت السين.
وقد يكتبون حاء (حـ) تحت الحاء المهملة، والبعض يضع فوق الحرف المهملة أو تحته همزة صغيرة، والبعض يضع خطاً أفقياً (-) أو رسماً أفقياً كالهلال (ر) ومنهم من يضع علامة شبيهة بالرقم (7).
وهناك بعض الإشارات الكتابية، ومنها علامة الإلحاق التي توضع لإثبات بعض الإسقاط خارج سطور الكتاب، وهي غالباً خط رأسي يرسم بين الكلمتين، يعطف بخط أفقي يتجه يميناً أو يساراً إلى الجهة التي دون فيها السقط , وبعض النسخ يكتب ما يريد إلحاقه بين الأسطر في متن الكتاب.
وفي الحالتين يلحق ما تم استدراكه بكلمة (صح) أو (أصل).
كذلك الأرقام تحتاج إلى خبرة خاصة، وهذه صورة الأرقام التي ترد في بعض المخطوطات (1,2,3,4,5,6 ).
وهنا رموز واختصارات لبعض الكلمات أو العبارات نجدها في المخطوطات، لاسيما كتب الحديث.
ثنا = حدثنا
ثني = حدثني
قثنا = قال حدثنا
ش = الشرح
وغيرها من الكلمات.
أما الثاني من مقدمات التحقيق: هو التمرس بأسلوب المؤلف، أدنى صوره أن يقرأ المحقق المخطوط المرة تلو المرة، حتى يصبح لديه خبرة بأسلوب المؤلف، ويتابع خصائصه ولوازمه، فإن لكل مؤلف أسلوبه ولازمة من اللوازم اللفظية أو العبارية.
وأعلى صور التمرس بأسلوب المؤلف أن يرجع المحقق إلى أكبر قدر مستطاع من كتب المؤلف ليزداد خبرة بأسلوبه، ويستطيع أن يوجد ترابطاً بين عباراته، ومعرفة ذلك يساعده في تحقيق المتن.
فيما يكون الثالث في الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب، حتى يتمكن المحقق من فهم النص فهماً سليماً، يجنبه الوقوع في الخطأ، حين يظن الصواب خطأ، فيحاول إصلاحه، أي يحاول إفساد الصواب.
وهذا يتحقق بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو موضوعاً قريباً منه، ليستطيع المحقق أن يعيش في الأجواء المطابقة أو المقاربة، حتى يكون على بصيرة.
واما الرابع فإذا اجتمع لدى المحقق أقصى ما يمكن جمعه من المخطوطات واستطاع قراءتها قراءة سليمة، وعرف أسلوب المؤلف وألم إلماماً كافياً بموضوع الكتاب استطاع أن يمضي في التحقيق مستعيناً بالمراجع العلمية، أهمها(كتب المؤلف نفسه مخطوطها ومطبوعها,الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، كالشروح والمختصرات والتهذيبات، فالشرح هو نسخة أخرى من الكتاب، كما أنها تفيد النصوص بضبطها أحياناً، وبيان ما غمض منها، وهو أمر مهم في مكملات التحقيق، يليها نسخة المختصر أو التهذيب، فلا شك أنها ذات أهمية في تحقيق النص.
‌كذلك الكتب التي اعتمدت في تأليفها اعتماداً كبيراً على الكتاب لأنها كثيراً ما تحتفظ بالنص الأصلي للكتاب الأول، فكتاب طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى لابن الوزير من الكتب التي اعتمد على كتاب (بهجة الزمن في تاريخ اليمن) ليحيى بن الحسين.
‌بالإضافة الى الكتب التي استقى منها المؤلف، فذلك عوناً للمحقق على إقامة النص، وبعض المؤلفين يذكرون في كتبهم المصادر التي استقوا منها، مثل ابن منظور في مقدمة لسان العرب، وابن حجر في مقدمة “تهذيب التهذيب” وغيرها.
‌ولاننسى الكتب المعاصرة للمؤلف، التي تعالج الموضوع نفسه، أو موضوعاً قريباً منه.
‌فضلا عن المراجع اللغوية، فهي المقياس الأول التي تجعل المحقق يتأكد من صحة النص، فأحياناً يحكم المحقق أن في النص تحريفاً وهو عين الصواب، ويمكن تقسيم المراجع اللغوية إلى ما يلي:
معاجم الألفاظ وأعلاها تاج العروس لمرتضى الزبيدي، ولسان العرب لابن منظور وغيرها, ومعاجم المعاني أهمها: المخصص لابن سيدة، وفقه اللغة للثعالبي.
وكذا معاجم اللغات التي تمت بصلة وثيقة إلى العربية كالعثمانية والفارسي والعبرية ,والمراجع النحوية وهي كثيرة.
وأيضا المراجع العلمية الخاصة، ولا يمكن حصرها، بل لكل كتاب مراجع يتطلبها، فكتاب التاريخ ـ على سبيل المثال ـ يحتاج إلى كتب الأدب، والعلوم الدينية، ومراجع البلدان، والأعلام وغيرها حسب ما يرد في الكتاب من مواضيع.

* استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا