في لحظة تاريخية فارقة، يقف العالم الإسلامي الذي يضم أكثر من ملياري مسلم أمام اختبار أخلاقي مصيري، لكن النتيجة التي تتجلى يوماً بعد يوم تكشف حجم الخزي والتخاذل. فأمة تملك هذا الكم الهائل من الإمكانات والقدرات والثروات، لكنها تعجز عن نصرة فلسطين وأهل غزة، لا يمكن أن يكتب لها الله العذر، ولن يسامحها التاريخ على صمتها المريب.
لم تعد المشكلة مجرد تخاذل، كما وصفها السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بل تجاوزت ذلك إلى مرحلة أكثر خطورة، حيث تحولت بعض الأنظمة العربية من موقف المتفرج إلى موقع الشريك الفعلي للعدو الإسرائيلي. إننا أمام خيانة سافرة، وليست مجرد حياد أو تهاون.
أخطر الأمثلة على هذا الانحدار ما حدث مؤخراً في أحد الموانئ الإيطالية، حيث افتضحت سفينة سعودية محمّلة بالسلاح في طريقها إلى العدو الإسرائيلي. والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه هو: هل النظام السعودي ــ الذي يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويعدّ من أغنى الأنظمة العربية ــ مجرد “حمّال بالأجرة” ينقل سلاحاً لإسرائيل لقاء ثمن بخس؟ أم أنه شريك أصيل يرفد الكيان الغاصب بالسلاح خدمةً لأجندات مشتركة؟
الجواب ـ كما يؤكد السيد القائد ـ أن المسألة ليست عملاً مأجوراً عابراً، بل هي دعم مباشر ومقصود، يقدمه النظام السعودي كحليف للعدو الإسرائيلي، في سياق مشروع استراتيجي يستهدف الأمة وقضاياها المصيرية. إن ما يفعله هذا النظام ليس موقفاً تكتيكياً ولا استثناءً ظرفياً، بل هو خيار سياسي وعسكري يترجم الارتباط العضوي بين الرياض وتل أبيب.
وبينما يجوع أطفال غزة تحت الحصار، ويقصف المدنيون بالأسلحة المحرمة، يتضح أن جزءاً من هذا السلاح القاتل يصل بأيادٍ سعودية. فهل بعد هذه الفضيحة يبقى هناك مجال للحديث عن “قيادة للعالم الإسلامي” أو “خدمة للحرمين”؟ أم أن الأمر بات أوضح من الشمس: أن النظام السعودي، بكل ثرواته ونفطه وقوته المالية، قد ارتضى لنفسه أن يتحول إلى حمّال بالأجرة، لكنه في الحقيقة ليس مجرد ناقل، بل شريك داعم وفاعل في مشروع إبادة الأمة وتصفية قضيتها المركزية؟
إنها الحقيقة المُرة: المال النفطي الذي كان يفترض أن يكون سنداً للمستضعفين، صار سيفاً بأيدي الإسرائيليين يقطع به أوصال فلسطين.