*تضاعف خطرها خلال عشرة أشهر من القصف لتختطف 3 أطفال يومياً
تحقيق – أسماء حيدر البزاز
ظن أسامة بأن الجسم الغريب الملقي على قارعة الطريق- في قريته بإحدى مناطق نهم شرق صنعاء- لعبة يمكن له الاستمتاع بصوت حركتها إلى حيث أرادت قدمه الطرية، لحظة ركلها، إلا أن القَدَر كان أسرع من توقعه، ليعود في طرفة عين بإعاقة أبدية، فقد ركله اللغم بقسوة بالغة، باتراً القدم التي امتدت إليه ليشل نصف جسد صاحبه الذي أصبح رهين الفراش والوحدة والألم..
هكذا بمنتهى البساطة، عاش أسامة نجيب هيكل مأساة لم تكن في حسبانه كما لم تكن في حسبان أسرته.. أسامة لم يكن هو وحده من تبرع إحدى أبرز نتائج مخلفات الحروب والألعاب النارية.. بل هناك مئات الأطفال واليافعين وحتى الكبار فقدوا أرواحهم أو أصيبوا بإعاقة دائمة وتشوهات خطيرة من الدرجة الثالثة والثانية والأولى..
مخلفات الحروب والعدوان أو الألعاب النارية التي تتلون أشكالها، من الغام وأعيرة نارية صغيرة ومتوسطة وكبيرة ومقذوفات مدفعية وصاروخية لم تنفجر، أو حتى التي انفجرت وتفرقت في شظايا تحمل مواداً بارودية سامة.. هي محور هذا التحقيق حجمها وضررها ودور الجهات المعنية في الجانب التوعوي على الأقل.. إلى التفصيل:
لؤي الحكيمي هو الآخر لم يسلم من البارود الذي شوه وجهه وأصيبت كلتا يديه بحروق خطيرة ولكنه هذه المرة بارود الألعاب النارية التي هي كابوس آخر يطارد طفولة الأطفال ويدمر ملامحها ليعيش حالة مأساوية يكابدها مع مرضه.
“لم أكن أتوقع أن أرى ابني الوحيد بهذه الحالة الصعبة نتيجة بارود تلك الألعاب النارية التي اقتناها جيراننا في حفل زفافهم وكغيره من الأطفال سارع في إشعال الألعاب النارية ابتهاجاً معهم ولم اسمع إلا صراخ ولدي بشكل جنوني والناس يصيحون: ولدك لؤي حرق وجهه”.. هكذا قال أبو لؤي متحدثاً بمرارة بالغة وكلمات تخنقها العبرات.. لكنه يؤكد أن ما زاد من صدمته هو رؤية ابنه الوحيد بهذا الشكل المؤلم الذي جعله يعزل نفسه عن أقرانه وأهله بعد أن تشوه وجهه ويداه..
حجم الخطر
حجم خطر مخلفات الحروب من الأعيرة النارية والقذائف الحديثة والقديمة وشظايا الصواريخ والمتفجرات لا يمكن الإحاطة به، غير أن حدود هذا الخطر تتسع باتساع خارطة العدوان الذي طال كل محافظة ومدينة ومديرية في اليمن، فحيث مضيت تجد مخلفات هائلة بأيدي الأطفال والكبار برغم ما تمثله من خطر ومن مواد سامة ضارة بحياة الأطفال، ناهيك عن المواد التي لم تتفجر بعد.. ورغم أن وزارة الداخلية بذلت وتبذل جهوداً لا بأس بها لعمل حملات توعوية لتبيان مخاطر الألعاب النارية والعبث بمخلفات القذائف والمتفجرات بالإضافة إلى الاقتراب من الأماكن الخطرة وخصوصاً من الأطفال.. والتي كان آخرها ما وجه به وزير الداخلية جلال الرويشان من تنفيذ حملة في أمانة العاصمة لتوعية سكانها وتعريفهم بأعمال الإسعافات الأولية في حالة حدوث الحروق أو الإصابات الناجمة عن الألعاب النارية والعبث بمخلفات الحرب، وما ستتضمنه هذه الحملة أو الحملات من برامج تخلق وعياً مجتمعياً للحفاظ على الأرواح والممتلكات وتقليل الخسائر الناجمة عن الألعاب النارية ومخلفات الحرب والعبث بمختلف أشكاله… إلا أن هذا لا يكفي كون تحقيقه يواجه تحديات كبيرة في ظل هذه الأوضاع إضافة إلى الاتساع والتنامي المستمرين لمخلفات الحرب والألعاب النارية وألغام النزاعات التي شهدتها الفترات الماضية..
وأياً كانت الجهود إلا أن الأهم من الإحاطة بحدود حجم خطر مخلفات الحرب، هو الإشارة إلى أن منظمة رعاية الأطفال السويدية أفادت في بيانات تحذيرية سابقة بأن ما لا يقل عن ثلاثة أطفال يلقون مصرعهم كل يوم في اليمن كنتيجة مباشرة للعب بمخلفات الحرب والألغام التي زرعت في سنوات النزاعات.. كما أن الحروب، خلّفت أشكالاً خيالية من مخلفات الحروب في القُــرَى والبلدان والمدن وأنه لا يوجد مكان آمن للأطفال، بعد أن وصلت تلك المخلفات إلى كل مكان حتى الحدائق العامة..
منظمة اليونيسف للأمومة والطفولة التابعة للأمم المتحدة حذرت منذ وقت مبكر من خطر مخلفات الحروب والنزاعات، إذ أعلنت أن الألغام الأرضية والذخائر العنقودية وغيرها من مخلفات الحروب المتفجرة تواصل القتل والتشويه في جميع أنحاء العالم، ومهما كان الغرض العسكري الأولي منها فإن المخلفات المتفجرة غالباً ما تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين حتى بعد مرور سنوات على انتهاء الصراع في المنطقة.. مؤكدةً أن هذه المخلفات خطفت كثيراً من أرواح المجتمع، خصوصاً الأطفال وحرمت البعض أطرافهم وقدراتهم، وحدت من حقهم في التنقل والحركة والوصول إلى الأراضي والمدارس وأماكن المياه والمباني الدينية وأماكن اللعب وغيرها من المواقع اللازمة لرفاههم..
ولفتت اليونيسف إلى أن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالألغام الأرضية والمتفجرات المتخلفة عن الحروب لأنهم أصغر، وأن قدراتهم الإدراكية على تمييز الأجسام الغريبة لا زالت في مستوياتها الدنيا، ووعيهم محدوداً.. وبالتالي فإنهم أكثر عرضة للانفجار ولأن الأسلحة غالباً ما تكون ملونة وجذابة لعيون الصغار الذين يرونها كلعب محتملة.
الضحايا والإصابات
بحكم حركتهم وأسفارهم في الطرقات والجبال والمراعي، يعتبر اليافعون والكبار –ما فوق عمر الـ18 عشرة سنة- من الرجال والنساء هم أكثر شرائح المجتمع تضرراً من مخلفات الألغام المنتشرة عبر الخارطة اليمنية التي شهدت حروباً ونزاعات منذ نصف قرن.. لكن الأطفال في الحضر وفي القرى – ما بين 4-18 سنة- وبحكم شجنهم الطفولي بكل ما يجدونه أمامهم من أجسام غريبة، هم أكثر شرائح المجتمع تضرراً بمخلفات الحروب المختلفة والألعاب النارية، بل تؤكد المؤشرات أن معظم ضحايا المخلفات التي شهدت انتشاراً غير مسبوق في اليمن، خلال الخمس السنوات الأخيرة، وبالأخص العشرة الأشهر التي شهدها العدوان هم من الأطفال ما بين 4- 12 سنة.. وهو ما أوضحته الدكتورة آمنة علي عبدالله، رئيس قسم التمريض بمستشفى السبعين بصنعاء حيث قالت في تصريح لـ”الثورة”: تصل إلى مراكز الحروق بالمستشفى الكثير من الحالات نتيجة انفجارات الألغام ومخلفات الحروب أو الألعاب النارية والتي أكثر ضحاياها هم الأطفال بالإضافة إلى قِسْم المجارحة والعظام في صورة تتزايد بشكل يومي نتيجة الحروب ومخلفاتها أو الألعاب النارية وما تخلفه من ضحايا بالجملة.. داعية إلى ضرورة التعاطي مع هذه المسألة بعين المسؤولية والجدية ومعاقبة كل المتورطين فيها لأن نتائجها أرواح تزهق.
وأضافت آمنة بالقول: مشاهد وحالات مؤلمة نستقبلها، البعض منها يتماثل للشفاء بصعوبة ولوقت طويل والبعض يصاب بإعاقات مختلفة وآخرون بجروح خطيرة خاصة أصحاب الحروب من الدرجة الثالثة والتي تكون نسبة الشفاء لهم ضئيلة جداً قد يعيشون بضعة أشهر ثم يتوفون لأن الحروق في هذه الدرجة خطيرة جداً وما جاء من يوم إلا وتزداد غير الجروح العادية التي تتعافى مع مرور الوقت.
الجانب التوعوي
قد لا تستطيع الجهات الأمنية المختصة في هذه الظروف الحرجة الحصر والإحاطة بحجم ظاهرة مخلفات الحروب، أو إيقاف فضول الأطفال وشجنهم وسرعة تحركهم لالتقاط أي جسم غريب يصادفونه جوار مدارسهم أو منازلهم أو ملاعبهم.. غير الجانب التوعوي هو الطريق الأقرب إلى إيقاظ الحذر في شريحة الأطفال من خلال اعلانات وفقرات تلفزيونية، وورش عمل توعوية في المدارس وفي الحارات.. وهذه المهمة التوعوية لا يضطلع بها طرف بعينه بل هي مسؤولية مجتمعية يجب أن يضطلع بها الجميع..
هذا ما أشار إليه مدير عام منظمات المجتمع المدني ومسؤولة إدارة الطفل بوزارة حقوق الإنسان الدكتورة رنا علي التي نوهت إلى أهمية دور منظمات المجتمع المدني بالتوعية بخطورة مخلفات الحروب والمناطق التي يشتبه بتواجد الألغام والأحياء التي تعرضت للقصف وفيها عبوات وصواريخ وقذائف لم تتفجر بعد أو حتى التي تفجرت وتحمل شظاياه مواد سامة.. وتحذير الأطفال من اقترابها أو من لمس أشياء مشبوهة وغريبة خاصة الأطفال الذين لا يدركون حقيقة وخطورة تلك المخلفات، وحذرت من الترويج للألعاب النارية وبيعها وذلك لخطورتها على الأمن والسلامة العامة ولما تسببه من حوادث جسيمة خاصة في ظل هذه الظروف المأساوية التي يتجرع فيها أطفالنا شتى صنوف المعاناة من قتل وتشريد وترويع جراء هذه الحرب الغاشمة على بلادنا وما تنتجه من مخلفات لا يسلم أبناؤنا من أثرها وتداعياتها الوخيمة على أجسادهم وحياتهم ونفسياتهم.
وقالت أيضاً: وهذا كان محور قضيتنا بلقاء القائم بأعمال الوزير الأستاذ علي تيسير، بمنظمة الصليب الأحمر الدولية حيث تم مناقشة التحديات والمخاطر التي يعاني منها الطفل اليمني في هذه الظروف القاسية وكيفية حمايته صحياً وحقوقياً وجسدياً ونفسياً وتوفير الدواء العاجل للمتضررين منهم وتسهيل أعمال منظمة الصليب لتقوم بمهامها في الدعم والتوعية والإسعاف وتوفير كافة المستلزمات الطبية للضحايا وإسنادهم بالدعم النفسي والتأهيل المعنوي..
Prev Post
قد يعجبك ايضا