تحقيق – طارق وهاس
*شرّدهم العدوان من منازلهم ويحتاجون العون
يأتي الشتاء كل عام وقد استعد له الجميع إما بالتدفئة الكهربائية أو الغازية أو بالملابس والبطانيات للوقاية من برودته التي لا ترحم, لكن شتاء هذا العام هو الأشد ويتزامن مع العدوان الغاشم على اليمن وسوء الأوضاع المعيشية, خاصة عند من تعرضت منازلهم للقصف وباتوا يفترشون العراء ويلتحفون السماء, وعطل بذلك أعمالهم مما دفعهم للتشرد والنزوح من مدنهم وقراهم.
أوضاع النازحين وتجرعهم معاناة زمهرير الشتاء وغيرها من التفاصيل في سياق التحقيق التالي :
أكرم عبده, نازح مع أسرته في إحدى المدارس, يقول إن معاناته بدأت مع بداية العدوان على اليمن دون سابق إنذار وأخرجتني من منزلي مع أسرتي.
ويردف : زادت المعاناة مع بداية الدراسة, فقد طلب منا مغادرة المدرسة ولكن إلى أين لا نعلم والمال الذي أعطي لنا لا يستحق الذكر ولا يسد إيجار حتى شهر, لم يكن أمامي سوى الذهاب إلى إحدى المخيمات وهناك جاءنا الضيف غير المرغوب فيه وهو فصل الشتاء فنحن عرضة للرياح القارسة والبرد الذي لا يرحم أحداً بداخله.
معاناة أكرم لا تنتهي عند هذا الحد, يقول: زوجتي تصارع ألم الروماتيزم وطفلي مصاب بحمى لا تبرد, وبقية أطفالي مصابون بزكام والتهاب شديد في الحلق, أصبحنا نواجه الخوف من الموت ليس بالعدوان, بل بهذا البرد القارس.
قسوة الشتاء
سليمان البرطي, أحد أفراد أسرة منكوبة جراء قصف العدوان السعودي على بلادنا مكونة من 13 فردا، يقول: كنا نعيش حياة مستورة الحال في منزلنا والحمد لله حتى جاءت الليلة المشؤومة لشن العدوان الذي شردنا من بيوتنا فنزحت مع أسرتي لكي ننجو بأنفسنا ولم نأخذ سوى الأمتعة الضرورية والقليلة وجاء الشتاء وكان وقعه علينا قاسياً كالعدوان تماماً لم نكن ندرك أننا سنعاني كل هذا وسنكون عاجزين أمامه بسبب سوء الظروف المعيشية وانعدام المال الذي لا يتوفر منه إلا ما يكفي بالكاد لسداد إيجار المنزل الذي يجمعني مع أسرتي تحت سقف واحد.
شتاء القلوب
النساء أيضاً يعشن حالة بائسة وظروفاً قاسية, ومنهن فاطمة النظاري, سبقت دموعها حديثها معنا فلها والشتاء قصة مريرة, فهي نازحة من تعز وليست معتادة على البرد ولا تملك هي وعائلتها أي بطانيات أو ملابس شتوية فوقعوا ضحية الشتاء وبرده, خاصة بعد أن أصيب طفلها الصغير بالتهاب حاد في الرئتين وتضخم اللوزتين ويحتاج إلى العلاج بأسرع وقت, لكنها لا تملك النقود ولا تجد يد عون تمد لها.
وقالت فاطمة : لو كان لدينا المال لكنا اشترينا ملابس صوفية وبطانيات وغيرها من لوازم البرد, لكن للأسف الشديد هذا غير ممكن فبالكاد تتوفر المادة لسد رمق العيش وسداد إيجار الشقة التي نحن نعيش فيها فنحن عرضة للبرد وتحت ضغوط التقشف لكي نوفر نقود الدواء, نحن ضحية هذا العدوان الذي شردنا وأجاعنا وزاد برد الشتاء من معاناتنا وضاعفها.
أما حمود عائض فنزح مع أسرته إلى أحد المنازل خارج المدينة, لأنه أقل تكلفة، في الإيجار, لكنه فوجئ بالبرد القارس, حيث يقول : لم أكن أدرك أن البرد سوف يأكل كل ما لدينا, فنحن نتصارع مع الشتاء ولم يعد بمقدورنا التزود بالبطانيات والملابس الصوفية لمواجهة البرد القارس بسبب ضعف الإمكانيات المادية التي حرمتنا من شراء أشياء تقينا برداً لا يرحم.
حياة قاسية
ناصر عرار يقول بصوت يملؤه الأسف الشديد : نخوض معركة مع الحياة والمعيشة اليومية, فنحن نازحون مثلنا مثل غيرنا لم نأخذ أي شيء من منزلنا سوى الهرب بأنفسنا مع أسرنا ولكن إلى أين؟ إلى ما هو أشد وأعظم، إلى البرد والموت البطيئ, لأن أمراض البرد تحمل معها ألماً وأوجاعاً, فقد هربنا من قسوة العدوان ومن الموت إلى مصيرنا هذا, فأصبحنا عرضة لبرد قارس, ويا هارب من الموت يا ملاقيه في حضرموت، وهذا ما حصل معنا هربنا من الموت لنعاني من ويلات الشتاء وبرده الذي يعاقب من لا يملك وسيلة تقيه ضروراته وقسوته.
معاناة 2.4 مليون
تلك حال نحو مليونين و400 ألف يمني ويمنية أجبرهم العدوان الغاشم وحروب مرتزقته على مغادرة مدنهم والنزوح إلى حيث يمنّون أنفسهم بالأمان.
يصف عبدالرحمن الجنيد, مدير مركز “نسيبة” لإيواء النازحين, بعض المنظمات بعدم المصداقية في وعودها للمركز وهذا ما زاد من حجم المشكلة والمعاناة التي يواجهها هؤلاء النازحون خصوصاً هذه الأيام التي تشهد برداً لا يرحم، فهم يفتقدون أموراً عدة منها لوازم البرد متمثلة في بطانيات وملابس واقية وفرش إضافة إلى الجانب الصحي وعدم توفر الدعم واحتياجات المركز التي تعود بالنفع للأسر النازحة في ظل غياب دور المنظمات الإنسانية والدولية.
وعن المعاناة التي يواجهها النازحون حدثنا الجنيد قائلاً: صعوبة توفر الخدمات الأساسية ووعورة الطريق بالإضافة لنقل المركز إلى مركز جديد وغيرها من الأسباب التي زادت من حجم المعضلة فلا يستطيع أبناء النازحين مواصلة الدراسة لانعدام المواصلات والخدمات الطبية لهذه المراكز التي يكون النازحون فيها بأمس الحاجة إليها في أيام الشتاء البارد.
غياب المنظمات
كذلك مدير مركز صنعاء للنازحين ماجد عزان, أكد أن الكثير من النازحين يتجرعون مرارة البرد القارس, حيث لا توجد أية استعدادات مسبقة, فالمساعدات من قبل دخول الشتاء تنحصر في مواد غذائية أو احتياجات طبية, لكن في ظل التكافل الاجتماعي والذي قام بالكثير من أعمال المنظمات، المفترض بها أن تقوم بعملها تجاه النازحين، وفر البعض من الأولويات ولكن الإمكانيات ضعيفة ولا بد من دعم هؤلاء النازحين مادياً ومعنوياً.
أمراض الشتاء
فيما ترى الدكتورة زينب شرف الدين أن معاناة النازحين من العدوان الظالم على اليمن تزداد في الشتاء نتيجة انعدام مقومات الحياة الأساسية والتي تقي من البرد خصوصاً وأن فصل الشتاء تزداد الأمراض فيه, مع العلم أن العوامل المساعدة على انتشار الأمراض تكمن في تلوث الجو والتدخين والاكتظاظ داخل المنزل وسوء التغذية وقلة المناعة وتدهور الحالة النفسية والتي مع الأسف الشديد تكون موجودة لدى النازحين.
الدكتورة زينب تلفت هنا إلى أن الأطباء لا ينصحون باستخدام المضادات الحيوية بل العلاج الوقائي والذي يتمثل في ملازمة المريض الفراش وتدفئة المكان والراحة التامة, وهذا لا يتوفر عند النازح, إضافة إلى التغذية وعدم الاختلاط بأحد، ولكن النازح مجبر على العيش مع أسرةٍ في مكان واحد، وبالكاد الحصول على قوت يومه.
في هذا السياق تستدل الدكتورة زينب شرف الدين بأوضاع النازحين في مجمع الثورة, قائلةً : عدد النازحين المرتادين إلى مجمع الثورة الطبي وصل إلى 1500 نازح تمت معاينتهم وعمل الفحوصات وصرف الأدوية لهم مجاناً, لكن هناك نقصاً في محاليل المختبر وكذلك الأدوية, خاصة منها أدوية الضغط والسكر والفشل الكلوي والأمراض النفسية والصرع, نتيجة الحصار القائم على اليمن.
وضع مأساوي
على الصعيد الحكومي يؤكد مدير الوحدة التنفيذية والإدارية للنازحين, عبدالوهاب شرف الدين, أن الوضع سيئ جداً, حيث يقول: المنظمات بما فيها منظمات المجتمع المدني والدولي لم تقم بأي من أعمالها الأساسية تجاه النازحين.
يؤكد عبدالوهاب أن “وزارة الصحة قامت بمساعدة النازحين ومد يد العون لهم”, لكنه يشدد على ضرورة تضافر الجهود من الجميع خصوصاً منظمات المجتمع الدولي والمدني, موضحاً أن عدد النازحين وصل إلى مليونين و400 ألف نازح حتى الآن ولا تزال الإحصائيات مستمرة.
لا يسع مدير الوحدة التنفيذية والإدارية للنازحين – كما بدا لنا – إلا طلب التعاون من الجميع, يقول : الوحدة التنفيذية سوف تدعم أعمال الإغاثة الإنسانية للنازحين ولاسيما في الوقت الراهن مع ضرورة أن تنسق المنظمات مع الوحدة التنفيذية للنازحين .