مأساة أطباء عالقين بين جامعة العلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي
تحقيق/ سارة عبدالله الصعفاني
تبتعث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أوائل الجمهورية وأصحاب المعدلات المرتفعة في الثانوية العامة بمنح دراسية خارجية وداخلية في جامعات حكومية وأهلية دونما تغطية كافية لرسوم الدراسة في جامعات الداخل ما يجعل هذه الجامعات تمارس لعبة عض أصابع الطلاب بصورة تؤثر على تحصيلهم العلمي وتوازنهم النفسي .
في عام 2007م ابتعثت وزارة التعليم العالي 20 طالباً وطالبة إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا لدراسة الطب البشري ، وعلى مدار فترة الدراسة ظل الطلبة يعانون بين مطرقة جامعة تضغط وسندان وزارة تتلكأ فيما لا ذنب لهم في كل ما يحدث، والكارثة أن جامعة العلوم والتكنولوجيا ومنذ أكثر من عام وهي تحتجز شهادات تخرجهم وأي وثيقة تثبت أنهم صاروا أطباء بمؤهل بكالوريوس طب عام وجراحة، والمبرر مديونية وزارة التعليم العالي، فيما الوزارة ترد بأنها لا تمتلك ميزانية كافية وتأمل من الجامعة مهلة ترفضها الجامعة ليتعطل ويتعقد مستقبل خريجين وخريجات حصلوا على درجات وظيفية من وزارة الخدمة المدنية ووقفت الشهادات المحتجزة في جامعتهم حجر عثرة، كما أنهم لم يتمكنوا من مواصلة الدراسات العليا لنفس السبب وسط استهتار الجامعة والتعليم العالي بمعاناتهم .. في التفاصيل خليط من التحقيق الصحفي والحكاية الخبرية وإن شئتم مزيج من المأساة والملهاة:
يدفع هؤلاء الخريجون من أعصابهم ومستقبلهم تكلفة ابتعاثهم لجامعة العلوم والتكنولوجيا ويحرمون من وثائق تخرجهم ويمنعون من ممارسة مهنة الطب واستكمال دراساتهم العليا ليبقى وضعهم معلّقاً ما بين وزارتي المالية والتعليم العالي والجامعة حتى تأتي ميزانية تدفع مديونية تكلفة دراستهم، فهل أذنبوا بالابتعاث إلى جامعة محلية عوضاً عن ابتعاث خارجي كانوا يستحقونه على بساط الجدارة والاستحقاق؟ وهل كان التعليم العالي سيسجل نفس الموقف المتخاذل لو ابتعثهم إلى خارج البلاد؟
مايثير الدهشة
تقول رسالة وجهتها وزارة التعليم العالي للجامعة مضمونها « الوزارة ليس لديها مانع من صرف وثائق الطلاب وما تبقى سيتم تسديده لاحقاً « وبأنها حررت شيكاً بمبلغ 40 مليون ريال إلى حساب الجامعة كجزء من المديونية المتبقية وما تبقى منها سيدفع حين يصل التعزيز من وزارة المالية، حيث تكلفة دراسة الطب البشري سنوياً حوالي مليون ومائتي ألف ريال للطالب الواحد، وبحسب الطلاب فإن الجامعة لم تُعِر الرسالة أي اهتمام؛ فاشتكى الطلاب لوزارة التعليم العالي التي استنكرت تصرف الجامعة لكنها وبدلاً من أن تتأكد بنفسها من رفض الجامعة وتحل المشكلة، طالبتهم برسالة من الجامعة تثبت رفضها تسليم الوثائق، وما يثير الدهشة أكثر رفض الجامعة كتابة ما يثبت رفضها لعرض الوزارة، وكأنها تريد حقها دفعة واحدة وتريد مجاملة الوزارة في ذات الوقت!
وصلات الأسى
وباستطلاع آراء الخريجين قالت خديجة قيس: نحن الطلاب المبتعثون لجامعة العلوم والتكنولوجيا من وزارة التعليم العالي للعام 2007، حصلنا على منح دراسية لتفوقنا في الثانوية العامة وتم اختيارنا وشاءت الأقدار أن تكون المنحة إلى جامعتنا الموقرة (جامعة العلوم والتكنولوجيا)،وهنا بدأت المعاناة حيث لم يكتمل عامنا الدراسي الأول إلا وتحولت المنحة إلى محنة من حجب نتائج الامتحانات يليها أخذ البطائق الجامعية ومن ثم التهديد بالحرمان من دخول الامتحانات، فقبل أن يكون همنا اجتياز الامتحان كان همنا هل يُسمح لنا بدخوله أم ?!
وتستطرد بألم :قضينا 7 سنوات عجاف، ? ندري هل كنا طلاب علم أم سفراء سلام بين جامعتنا ووزارة التعليم العالي « جهتنا المانحة «،والطريق بينهما خير شاهد، عانينا انتظاراً لـ (2013م) العام المنشود الذي سنتخرج فيه وننهي معاناتنا في هذه الجامعة ،وتواصل خديجة شكواها : ها نحن الآن بعد أكثر من عام على التخرج نريد أن نحصل على وثائقنا المحتجزة لكن ما أسهل الأمر على وزارة التعليم العالي وجامعة العلوم والتكنولوجيا وما أصعبه علينا.
بين همين
«ما بين جامعة تريد مستحقاتها ووزارة تتنصل من مسؤولياتها؛ تضيع حقوقنا» هذا ما بدأته الخريجة مريم الروم متحدثة لـ (الثورة) وأضافت: لن أتحدث عن حجم معاناتنا كطلاب وطالبات أثناء تلقي تعليمنا الجامعي وحضور الاختبارات والحصول على الدرجات، ولن أتحدث عن كم المعاملات بين جامعة العلوم والتكنولوجيا ووزارة التعليم العالي والبحث عن حلول بين موظف ومدير ومسؤول، كما لن أتحدث عن عدد التظاهرات أمام جامعة العلوم والتكنولوجيا ووزارة التعليم العالي فالحديث عنها يطول.. باختصار اجتزنا سنوات الدراسة وتخرجنا لنمنع من وثائقنا وكالعادة يتم استخدامنا كورقة ضغط على الوزارة، وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل يصبح وضعنا مُعلّقاً بوزارة التعليم العالي التي تعجز أو تتعاجز عن حل أزمة طلابها وطالباتها المبتعثين، ومعلق بجامعة ترفض تسليم وثائقنا إلا بعد استلام مستحقاتها كاملة.. هل أصبحت شهادتنا ومستقبلنا مرهوناً بعجوزات مالية وعدم الثقة بين مؤسسات يفترض أنها محترمة؟
من جهته يتحدث صلاح الهلالي بصورة نداء فيقول: إلى كل شخص مسؤول عن حقوقنا وكل مشارك في معاناتنا.. نحن خريجو الطب البشري بجامعة العلوم والتكنولوجيا الحاصلون على منح من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نحيطكم علماً بأننا أصبحنا أطباء بمؤهل بكالوريوس طب عام وجراحة منذ أكثر من عام بعد 7سنوات من الجد والمثابرة والصبر، نعاني من إجراءات جامعة العلوم والتكنولوجيا الظالمة بحقنا في انتظار لحظة استلامنا شهادة التخرج والحصول على وظيفة تُمكِننا من تأدية رسالتنا الإنسانية وخدمة وطننا – خصوصاً في هذه الظروف المأساوية – إلا أن المسؤولين في جامعة العلوم والتكنولوجيا رفضوا تسليم أي وثائق تثبت أننا فعلاً أطباء إلا بعد منحهم كل مستحقاتهم المالية المتفق عليها مع وزارة التعليم العالي، مضيفاً: اتقوا الله فينا، تقدمنا بطلبات الحصول على وظيفة في كافة القطاعات الصحية لكن لم يقبلنا أحد، وأضعنا فرص للتوظيف من الخدمة المدنية ..وثائقنا في ذمتكم، ومعاناتنا بسببكم .. والحلول بيدكم.
وتقول الخريجة هاجر المهمة :حصلنا على منح لتفوقنا في المرحلة الثانوية وحولناها إلى منح داخلية لـ طب جامعة العلوم والتكنولوجيا، وبعد دراسة 6 سنوات بكالوريوس لم نحصل على وثائق تخرجنا وأمضينا عام الامتياز بلا وثائق على أمل أن نحصل عليها بعد الامتياز، وها نحن ننهي 7 سنوات وبضعة أشهر وما تزال شهاداتنا محتجزة من قبل الجامعة لعدم تسديد الوزارة بقية الرسوم الجامعية، وقد حاولنا مراراً وتكراراً مع الوزارة والجامعة حل هذه المشكلة لكن دون جدوى.
الخريجة هند غالب استهلت كلامها بالقول: لا زلت أتذكر ذلك اليوم الذي كلل جهد سنوات بحصولنا على منح دراسية، غمرتني السعادة حينها جاهلة نهاية مشوارنا العلمي، وعلى الرغم من كوننا جزءاً من خيرة أبناء البلد الذين آثروا استكمال دراستهم الجامعية في بلدهم إلا أن ذلك لم يكن يوماً شفيعاً لنا عند إدارة جامعتنا وجشعها المادي؛ فمنذ سنتنا الدراسية الأولى عوملنا أسوأ معاملة ..لا بطائق جامعية، حجب لنتائجنا، تهديد بعدم السماح لنا بخوض الاختبارات وكم من مرة حرمنا من دخول الحرم الجامعي!
نفس الحجج
وكل ذلك تحت نفس الحُجة « الوزارة لم تسدد رسوم دراستكم « للجامعة الأحقية بالمطالبة بمالها من حقوق لدى الوزارة بشكل مباشر لا أن تقحمنا في قضاياهم المادية لأننا ألتحقنا بالجامعة بموجب اتفاق بين التعليم العالي وإدارة الجامعة، متابعة: هناك جملة يحبذ مسؤولو الجامعة تكرارها على مسامعنا « احمدوا ربكم أننا سمحنا لكم بالدراسة ! «. وتنهي هند كلامها : ها نحن ذا تخرجنا وما بيدنا أي وثائق تثبت ذلك، كل منا يحمل على عاتقه حلم وطن وغاية إنسانية ورغبة في وظيفة لكن.. من لا مؤهل له.. لا وظيفة.. لا استكمال لدراساته العليا.. هذه نهاية مشوارنا العلمي!
المبتعثون لـ طب جامعة صنعاء لذات العام (2007) لم يواجهوا أي مشكلة منذ عامهم الأول حتى استلام وثائق تخرجهم في الموعد المحدد باستثناء مشكلة عدم تسليم وزارة التعليم العالي مخصصاتهم المالية كاملة فضلاً عن تأخيرها ما اضطرهم لمواجهة أعباء وتكاليف دراستهم، حيث خصص التعليم العالي لكل طالب مبلغ 100 دولار شهرياً، وهذه المشكلة مشتركة مع زملائهم من المبتعثين لـ طب جامعة العلوم والتكنولوجيا، فيما كان التعليم العالي أكثر استجابة لحقوق الطلاب المبتعثين للخارج.
كوابح التحقيق الصحفي
لن يُسمح لك بدخول وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلا بعد الحصول على تصريح من موظفات تجدهن في مكتب بالقرب من بوابة الوزارة، كن حريصاً على إقناعهن وكسب موافقتهن؛ فالأوراق الرسمية المختومة ونوعية المعاملة ليست كافية لمنحك تصريحاً بالدخول، وحتى بطاقة الصحفي ليس لها قيمة ولا تشفع له بدخول وزارة التعليم العالي لمقابلة المسؤولين والمختصين بذريعة كيف نعرف أنك صحفي جئت لأمر مهني وحسب تبرير موظفة مكتب البوابة «ربما تستغل بطاقتك الصحفية لإنجاز أمر شخصي» وكأنها جريمة إن كان الصحفي يريد إنجاز معاملة تخصه كمواطن ، فيما الحل من وجهة نظرهن العودة إلى مقر الصحيفة والحصول على مذكرة تكشف حقيقة رغبته لدخول الوزارة!
ومن الأسئلة التي توجه لأصحاب المعاملات: من هو المختص المسؤول عن معاملتك؟ ما اسمه وهل لديك موعد معه؟ بمعنى يجب عليك معرفة اختصاص واسم ورقم كل موظف ومسؤول في الوزارة لتحدد معه موعداً، وله الحرية في أن يقبل أو يرفض! وبعد كلام طويل إما تحصل على تصريح دخول لإقناع المسؤول وإنجاز معاملتك دونما تأخير وخوف من ضياعها أو اتركها وغادر.
بالصدفة وجدت القائم بأعمال وزير التعليم العالي والبحث العلمي وكيل قطاع البعثات والعلاقات الثقافية شخصياً د. عبدالكريم الروضي أمامي مغادراً الوزارة من حسن الحظ « ماشياً « حيث حدد لـ صحيفة الثورة « التاسعة من صباح اليوم التالي «،وفي الموعد لم تسمح لي حراسة وزارة التعليم العالي بالدخول « كونه مشغولاً» فأخبرتهم بما يجب عليهم فعله من التأكد من صحة كلامي منه شخصياً فقابلته.
حين علم د. الروضي بالموضوع أبدى اهتماماً واستنكر عدم رؤيته طلاب المنح المبتعثين لـ جامعة العلوم والتكنولوجيا ليخبروه بمشكلتهم بأنفسهم بعيداً عن الصحافة، وكأن أبواب وزارة التعليم العالي مفتوحة!
أراد التحدث مع رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا د. حميد عقلان للتفاهم معه لكن هاتفه مغلق لسفره خارج اليمن ثم كلف د. علي قاسم وكيل الوزارة لقطاع الشؤون التعليمية وأمين عام المجلس الأعلى للجامعات مهمة التواصل مع نائب رئيس الجامعة، وكأن المشكلة ستحل بمكالمة! ولأنه أيضاً مسافر تحدث الوكيل مع د. عبدالغني حميد نائب رئيس الجامعة لشؤون الفروع وخدمة المجتمع القائم بأعمال رئيس الجامعة لكنه رفض في المحادثة تسليم شهادات الخريجين من طلاب المنح إلا بعد تسديد الوزارة مديونيتها كاملة بعيداً عن « الصبر و المقاصصة «،فأتى الرد من الوكيل: لنا تواصل مع رئيس الجامعة المسؤول عن القرار حين يعود.
وكأداء لمهمتي الصحفية عدت إلى مكتب القائم بأعمال الوزير مسؤول المنح لأخبره بفشل فكرة التفاهم المتوقعة مسبقاً ومناقشة المشكلة معه لعرضها على الرأي العام كـ خطوة في حلها لكن مدير مكتبه لم يسمح لي بمقابلته بعد انتظار ساعة من الزمن ليكون معيار الدخول هو المزاجية و» الحاجّة محسوبية «.
في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأبواب مفتوحة، لكن مسؤولي الجامعة أكثر وضوحاً في تفضيل عدم تدخل الصحافة في هذا الأمر فحسب تعبير أحدهم الأمر شخصي بين الوزير ورئيس الجامعة؛ فلم يتحدث أحد، فرئيس الجامعة ونائبه الأكاديمي خارج اليمن، ومدير مكتب رئيس الجامعة رفض إعطائي إيميل أو رقم للتواصل معهما، ومسؤول المنح ممتنع عن الكلام وكذلك مدير الإيرادات؛ فمعرفة مديونية وزارة التعليم العالي للجامعة « معلومة سرية « حد قوله، والتصريح للصحافة من اختصاص مدير العلاقات العامة والإعلام الذي اعتذر معللاً « الوطن فيه من المشاكل ما يكفيه «،وتبقّى د. عبدالغني حميد القائم بأعمال رئيس الجامعة الذي لم يرفض مدير مكتبه ولم يقبل، وبقى تحديد موعد معه معلّقاً رغم المتابعة لمدة أسبوع « حتى تأتي المعلومات من جهة الاختصاص «، وهو ما لم يأتِ، فيما الطلاب منذ أكثر من عام ينتظرون الإفراج عن وثائق تخرجهم!
ختاماً.. أين ذهبت ميزانية الطلاب المبتعثين؟ لماذا تم ابتعاثهم لجامعة العلوم والتكنولوجيا؟ ومتى يحصلون على وثائق تخرجهم؟ وقبل وبعد ذلك من يُنصِف؟ بل من يضبط؟