أبناؤنا.. أكبادنا التي ندعها فــــــــي مهبø الجريمة والإرهاب


تحقيق / أسماء البزاز –
¶ الجبري: لابد من التربية الإيمانية المصحوبة بحنان الأبوة والقدوة الحسنة

¶ الطفل محمد: اتهمت بالقتل بعد حياة مليئة بالهمجية والإهمال من قبل الأسرة!!

¶ المتوكل: العنف والانخراط ضمن جماعات التطرف والإرهاب إحدى تداعيات الظاهرة

¶ ربيع: الشخصية التي ينعدم فيها الوازع الديني تكون عالة على مجتمعنا

¶ الأبناء هم سعادة الحاضر وأمل المستقبل من بأيديهم يكمن التطلع والبناء اذا تأسسوا على مبدأ ثابت وعقيدة راسخة وقيم إيمانية أخلاقية وجدانية سامية تحفظهم من الوقوع في بؤر الانحراف والتضليل والتطرف ومسالك التخريب والجريمة ولكن ما قد يدمر ذلك الحصن الحصين ويردف من الأضداد ما يشوب ذلك المستقبل البهي هو غياب التربية الدينية الصحيحة وانعدام قدوتها الماثلة في محيطهم الأسري ليعيشوا حياة لاتضبطها الحدود ولا تقيمها المبادئ والضوابط حياة همجية تجعلهم فريسة سهلة بيد ذوي النفوس المريضة فيصبحون وبالا على مجتمعهم بما يقترفونه من جرائم وأفعال وجنودا لأصحاب الأهواء والضلالات.

ما بين السرقة والعنف!
ظفل لم يتجاوز العاشرة من العمر يقف لساعات طويلة امام الجولات والشوارع الرئيسية يعمل نشالا للجولات والحقائب النسائية على الأغلب هكذا حدثنا عندما كشفناه محاولا سرقة محفظة صغيرة من احدى المارات بالشارع وقال لنا: صار لي فترة وانا على هذا الحال وابي هو من يعلمني القيام بذلك انا واخواني وهو ايضا يقوم بهذا العمل ويمتدحني كلما جمعت له المزيد من المسروقات بدعوى ان هذا هو طريق الرجولة والشجاعة وان لم ننفذ ما يريده منا ينهال علينا بمختلف الإهانات والضرب والعنف وعلى هذا تربينا منذ ما يقارب ثلاث سنوات وحال سؤالنا عن اسرته وأهله تبين ان والديه لم يلحقاه بالدراسة ولم يعلماه الأسس والأخلاقيات الفاضلة حتى انه لا يعرف حتى كيف يصلي أو يقرأ سورة الفاتحة وكيف له ذلك وأهله كما قال لنا هم سبب زجه في طريق الانحراف والسرقة والانتشال وما هي الا لحظات حتى فر من جانبنا هاربا خوفا من ان نشتكي به أو نبلغ عليه لأننا كلما سألناه عن واقعه وسبب اقدامه فعل ذلك وهو يبكي ويقول: لكن لا تأخذوني السجن وكأن مجرد السؤال بالنسبة له تعذيب نفسي يفوق جريمته التي كان والده هما السبب بارتكابه لها.

استغلال الجهل الديني
سلطان العلفي تربوي أشار في حديثه حول هذه الظاهرة إلى عدة نقاط غاية في الأهمية موضحا ان غياب التربية الدينية في الأسرة يجعل الأبناء في مناخات خصبة للانزلاق مع جماعات التطرف والتخريب والإرهاب فلا رادع لهم بل ان عقولهم وافئدتهم خواء قابلة للتعبئة من أي جهة كانت وهذا ما نراه حادثا في بعض الأسر التي يكون اربابها غير متعلمين ويجهلون العديد من احكام الدين وتفسير الآيات أو قد تكون الأسر متعلمة ولكنها جاهلة القيم الدينية الصحيحة وكلا هذين النوعين من الأسر هما في الحكم والخطر سواء ويتعرض ابناؤها للاستغلال من قبل جماعات التطرف هنا وهناك ولو كانت كل الأسر مبنية على اسس وفهم وزاد ايماني راسخ لما تمكنت تلك الجماعات من تقوية نفوذها وانتشار جبهاتها.
وهذا ما أكده العلامة علي ربيع في حديثه حول الموضوع: ان التربية الدينية ترسي قواعد تنشئة صالحة لشخصية مسلمة معتدلة قويمة لاتجرها الأهواء ولا تنفرد بها مكامن الإرهاب بل هي رادع له ولامتداه بفكرها التنويري وعقيدتها الراسخة ومن هنا يتجلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» أي في الإشراف والتوجيه والمتابعة والتربية الأخلاقية الإيمانية في نفوس ابنائنا وشبابنا وما خرج عن ذلك فقد باء بالضياع والخسران وصار عالة على مجتمعه ووطنه بل معول في تخريبها لا اداة في صلاحها!!

انا في ذمتك يا أبي!!
العديد من الأطفال والنشء الموجودين في قسم الأحداث على ذمة ارتكابهم جرائم مختلفة مثل السرقة والقتل وجرائم لا أخلاقية وشرب الخمور وغيرها من الجرائم التي لم يكن يتخيل احد أن من يقف وراؤها هم أطفال غدوا في لحظة وضحاها أسرى الجريمة وهم في الحقيقة ضحايا التربية الخاطئة لأسرهم بالدرجة الاساسية آباء بالإسم دون ان يكون لهم دور فعلي يذكر في حياة ابنائهم فأخلوا مسؤوليتهم واماناتهم تجاه فلذات أكبادهم فلم يقوموا بدور الموجه المربي المرشد وربما ان فاقد الشيء لا يعطيه!!
وبهذا الصدد يقول لنا الطفل محمد 12 عاما سجنت بتهمة القتل فقد كنت قبل دخولي السجن رهين الشارع وعصاباته وجرائمه اما ابي لم يكن يسأل مني على الإطلاق واذا تأخرت لانصاف الليالي أو مع من أخرج أو كيف دراستي أو هل صليت يافلان¿ كنت أشعر بأني مقطوع من شجرة المهم اني كنت افتقد أبي ساعة القات ليعطني نقودا واذهب اشتري لي وأخزن مع بعض الأصدقاء لأوقات متأخرة حتى أصبحت بعد ذلك مدمنا على التدخين ويوما بعد يوم مدمنا على الكحول وهكذا حتى نشب صراع بين اصدقائي واحد البائعين في الأسواق التجارية مما أدى إلى مقتله وهكذا انتيهت وانا في بداية حياتي!!
وختم محمد حديثه برسالة إلى ابيه: إن كنت الآن ادفع ثمن جرم ما عرفت عاقبته فأنت المسؤول عن كل ذلك وسيحاسبك الله!!

معدلات الجريمة
إحدى الدراسات التي صدرت مؤخرا اظهرت العلاقة بين غياب الوازع الديني للأسرة وارتفاع معدلات الجريمة وأشار إلى ان غياب وضعف الوازع الديني هو من أكبر العوامل التي تدفع الفرد لارتكاب الجريمة مثلها مثل التنشئة الهمجية الخالية من الضوابط والحدود حيث تبين من البحث ان 66.9% من الجرائم كان سببها مرتبطا بغياب الوازع الديني بالإضافة إلى عوامل اخرى للجرائم المختلفة ما بين نفسية واجتماعية وبيئية وتبين انه في المجتمعات المتدينة والأسر المتمسكة بالقيم والمبادئ الدينية الفاضلة تظل نسبة ومعدلات الجرائم بينما ترتفع في المجتمعات المفتقرة إلى ذلك!!

تداعيات خطيرة
ومن جهة اخرى اوضحت الداعية والمرشدة الدينية خديجة المتوكل وزارة الأوقاف: ان التغيرات العصرية وما تأتي به وسائل التكنولوجيا الحديثة من ثقافات دخيلة بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا ومبادئنا الإسلامية السمحاء.
قد أصبحت تأسر عقول الشباب والأبناء بما تأتي به من مفاهيم ظاهرها فيه التقدم والتطور وباطنها يدعو للانحلال الأخلاقي والديني إلى حد يدمر مبادئ الأسرة السوية ويحارب أسسها التربوية الدينية تدريجياٍ وينذر بمجتمع متفكك وجيل يفتقد المرجعية والرؤية للحاضر والمستقبل فتصبح العملية متوارثة التأثير والتأثر من الأباء إلى الأبناء وهكذا نرى تقول خديجة أنه وما لم يكن هناك حد وجدار إيماني متين يؤثر ولا يتأثر بتلك المفاهيم القادمة إلى مجتمعنا الأصيل المتماسك دينياٍ وأخلاقياٍ.
وأوضحت المتوكل أن من أبرز تداعيات ذلك انتشار الرذيلة والأخلاقيات الهابطة والصراعات المجتمعية والعنف والاقتتال بدون وجه حق وازدهار الجماعات التي تنادي إلى التطرف والإرهاب والتخريب والدمار بأسماء “براقة وشعارات زائفة والتمرد على المبادئ والتقاليد الأصيلة وغياب الهوية الإسلامية الصحيحة في نفوس أبنائنا وشبابنا.

توجيه بعطف الأبوة
أما مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف جبري إبراهيم حسن فقد استهل حديثه مورداٍ قول الحق تبارك وتعالى: “وإنك لعلى خلق عظم” وقوله صلى الله عليه وآله وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق مطالباٍ أن يعي الآباء وجوب غرس الأخلاقيات الدينية في نفوس ابنائهم وأنهم هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن تنميتها في حياتهم لا الاكتفاء بالإملاءات ولا الإملاء بدون تطبيق من قبلهم لأن ذلك سيغدوا كالنقش على الماء ليس له أثر يذكر ولهذا تجد بعض الآباء ينصح ولده بعدم الكذب وهو يكذب وينصح ولده بالصلاة وهو لا يصلي وينصح أبنه باحترام الآخرين ولا يوجد في قلبه مثقال ذرة من احترام لأهله ولأقاربه وهذا هو الفشل التربوي بعينه ولهذا يغدون ضحايا تربية همجية مشوشة ومشوهة.. واسترسل حديثه بقوله تعالى :”قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاٍ وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون”.

هذا هو المنهج الإيماني الحق
ويعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف تكون صورة الأب المربي من يغرس قيم الدين والتربية الأخلاقية والمجتمعية في نفوس أبنائه وقد جاءت سورة بالقرآن سميت باسم هذا الرجل لقمان المربي الفاضل وهو يخاطب أبنه قائلاٍ بكل حنان الأبوة والخوف والحرص: “يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” وهكذا بدأ يؤسسه على المبادئ العقائدية الراسخة ثم بدأ يزرع فيه الأخلاقيات الفاضلة “يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصبر على ما أصابك أن ذلك من عزم الأمور…” فالتربية هي منهج أخلاقي إيماني عقائدي عملي كلنا سنحاسب عن أي تقصير فيها أمام الله سبحانه وتعالى.

قد يعجبك ايضا