طريق الهلام
حسام السعيدي
قررت أن أسلك هذا الطريق المتعرج والذي يبدو قصيرا للوهلة الأولى لخطواتي عليه صدى يهب من وراء الصخور المتناثرة فيزيد من هرولة نبضات قلبي المتسارعة.
أشعر بضيق في صدري لا أعرف سببه فقط يبدو لي بأني نسيت شيئا مهما لم استطع تذكره..
تحسست جيب معطفي الذي حشوته في الصباح ببعض البطائق وبعض الأوراق النقدية .. كل شيء يبدو على ما يرام ولكن هاجس النسيان لم يفارقني للحظة !
حين أوغلت في الطريق وجدتها موحشة أكثر تذكرني بزريبة بيتنا الخلفية التي لم أجرؤ قط على البقاء فيها وحيدا حتى صرت شابا .
ماذا نسيت يا ترى¿ تساءلت وقد لاح لي فجأة ظل يشبه الجسد الآدمي يعلوه شيء مدور كالرأس تماما ولا تبدو فيه ملامح واضحة تفصلني عنه بضعة أمتار حين اقتربت منه أكثر كان ذلك الشيء يتبخر ويصير دخانا تلك الأجساد الهلامية تذوب حين أنظر إليها ثم تتبخر كما تتبخر روحي مع دخان السجائر !
بجواري كنت أرى تلك الأجساد تحترق مخلفة أصواتا تصلني متأخرة وتبدو كصرخات خوف واستجداء ..
لدى عيني قدرة على حرق ذلك الهلام إذن أدركت ذلك فدفعني الفضول لأن أصنع محرقة عظيمة !
حيث أمضي أسمع وقع أقدامهم تمضي خلفي تماما ألتفت فجأة فأحيلهم رمادا.
هل أعيش حلما¿ كنت أتساءل محتارا تبادر إلى مخيلتي ذلك الهلام الذي احترق للتو بينما كان يمضي بجانبي وقد وضع يديه على رأسه المدور… المسكين حاول ألا يلفت انتباهي.. ماذا عساي أن أفعل¿!
لاحت لي بقعة ماء في غياهب هذا الطريق الطويل ” سأكون ذكيا للحظة هي سراب” حدثت نفسي وقد سلكت زاوية بعيدة عنها وبسرعة لمحت أحدهم يصنع إشارات سريعة بيديه كأنه… يوحي بأن بي مس من الجنون.. احترق قبل أن أفهم بقية إشاراته..
قاومت رغبتي الجارفة للماء بعد أن اكتشفت أن ذلك ليس سرابا.. ” لن أذهب إليه ” قررت بسرعة فلست مستعدا للانحناء تحت تلك الأحراش التي أشاهدها الآن تفصلني عنه.. إنني حقا مجنون.. سمعت صوتا يأتي من أعماقي.
بالقرب مني أحسست بجسد هلامي يقترب بخوف أو بخجل أطبقت جفني فلم أعدú أرغب في حرق المزيد منهم كانت له أصابع رقيقة ناعمة أدركت ذلك حيث وجدته يمسح عيني بسرعة وحين فتحتهما رأيت أجساد الهلام تلك تتراقص أمامي.. لقد فقدت القدرة على حرقها وتذويبها إذن للتو عرفت كم هي تلك الأجساد متمايزة في الجمال والملامح جلت بنظري سريعا فوجدت صاحب الأصابع الناعمة لم يكن كاهنهم كما توقعت بل كانت فتاة تشع بالجمال في وجهها بعض الاحمرار.. تبدو خجولة ومتوجسة تشبك أصابعها ببعضها أمسكت بيدها وأخذتها جانبا كنت أود طرح عدة أسئلة عليها لأعرف أين أنا بالضبط ¿!
هللت تلك الأجساد بقوة لم أعرف ما إذا كانت قد غضبت أو استبشرت توقفت إحداهن على مقربة منا لم أتعرف عليها فرأسها مكسو بمزيج يشبه سوائل الأعشاب الشعبية لم اهتم كثيرا.
سألتها تلك الأسئلة التي راودتني لحظتها ولم أكن متأكدا من ملامح وجهي حينها ولكني بدوت خجولا أيضا تحدثت هي بسرعة لم أفهم كثيرا تبدو لغتها مختلفة قليلا ولكن إيماءاتها أوصلت لي بعض الكلمات التي احتاج لوقت حتى أرتبها لعلي أفهم ذلك الذي قالته.
حين التفت وجدت أجسادا هلامية كثيرة محتشدة أخذوها وهناك على ذلك العرش الواسع الجميل أجلسوها ووضعوا على رأسها تاجا ..” توجوها أميرة إذن “… تبسمت وأنا اتخيل أن لهم نبوءة خاصة تحققت الآن.
حاولت النظر إلى ذلك الحفل الصاخب فباءت محاولتي بالفشل لتلك الأجساد قدرة على المزاحمة دفع بي أحدهم حتى سقطت على صخرة قريبة لا تقل قسوة وإيلاما عنه تمنيت عودة قدرتي على حرقهم مجددا .
حين أنظر إليهم الآن أبدو كالأعمى أو كالذي يتعامى !
• يا إلهي… تذكرت …بعد أن أوسعتú أمي جبيني تقبيلا دستú قصاصة صغيرة في جيب سترتي وأوصتني بأن أقرأها حين تغيب قريتنا عن ناظري تلك الوصية التي دفعني الفضول لنقضها.. تبا للنسيان.. يأتي حيث لا نريده ويذهب حيث نحتاجه !
كانت قصاصة مربعة في حواشيها تعويذات وآيات ودعوات وفي قلبها كلمات مشفقة تقول : ” احذر طريق الهلام… فسالكوه يصابون بالعمى” !
12/11/2014