جماليات المكان

«جماليات المكان في الشعر الجاهلي» كتاب قيم من أحدث إصدارات مركز زايد للدراسات والبحوث للدكتور غسان فلاح أوغلي وقد استهل الكتاب بمقدمة للدكتور راشد أحمد المزروعي مدير المركز أكد فيها «أنه كان من الأهداف التي اهتم بها المركز نشر الكتب وإصدارها بما ينسجم مع أهدافه ورسالته وجاء هذا الكتاب ليكون إسهاما من المركز في كشف جانب مهم من تراثنا العربي وهي دراسة علمية قام بها المؤلف في رصد جماليات المكان في الشعر العربي الجاهلي وهي أمكنة مستخرجة ومحققة بعناية واضحة وبرغم كثرة الكتب والدراسات عن الأدب والشعر الجاهلي إلا أنه لا يزال هذا الشعر معينا خصبا لا ينضب دفقه للباحثين والدارسين وتقديم الجديد واستكناه الجماليات المتعددة فيه والكشف عن أسراره وسبر أغواره».
في تمهيد الكتاب للمؤلف يذكر «أنه لا يزال الشعر الجاهلي في الحقيقة قادرا على الإيحاء والإدهاش وإشباع الذائقة الجمالية مع كل قراءة جديدة فيه ولا يزال الشعر الجاهلي بحاجة إلى مزيد من الدراسات وفي هذا الاطار تأتي دراسة جماليات المكان في الشعر الجاهلي بما للمكان من حضور عميق فيه تتجلى في أحد مظاهره البسيطة في استهلال كل الأعمال الشعرية الجاهلية الكبيرة بمعالجة للمكان بصورة أساسية ومحاورة لكل ما فيه وتماه مع مكنوناته وانصهار روحي فيها حتى إن الأسماء المجردة للأماكن تتوالى وتحتشد وكأنما يتمسك الشاعر من خلال تعدادها بأجزاء نفسه التي تواجه رحيلا لا تنتهي فصوله ويتخذ منها تعويذة ضد الشتات وضد الفناء وتلاشي الذكريات التي يتشكل من مجموعها وجوده».
نهتم بهذه الدراسة النقدية التطبيقية المعاصرة لأنها حاولت أن تبتعد عن قسر النص وتأطيره ضمن قوالب جاهزة بل سعت إلى استنباط ما في النص الشعري مما له علاقة بالدراسات الحديثة إذ ليس من حق أحد أن يدعي أن تطبيق نظريات علم الجمال الغربي عملية غير صحيحة وغير جائزة فالشاعر العربي -والجاهلي خاصة- لم تكن لتغيب عن ذهنه تلك الثنائية التي تتعلق بالجمال الفني في شعره فقد ناقش كل حياته وأغدق عليها كرما فنيا مميزا في دراساتها وتحليل مكوناتها وذلك كله يقع في إطار جماليات الحياة الجاهلية هذه الجماليات التي تتناول المكان بمكوناته والإنسان بعلاقاته الممتدة من علاقة شخصية إلى علاقة أسرية إلى علاقة قبلية وجماليات الزمن بما يحتويه من حياة الإنسان والشاعر ومحيطه.
وقف الفصل الأول من الكتاب عند بعض الملامح الجمالية في دراسة المكان فعرض لمفهومه في اللغة ثم في الفلسفة ثم في الدراسات الجمالية والنقدية المعاصرة أما الفصل الثاني فحاول دراسة المفاهيم الجمالية وعلاقتها بالمكان سواء كانت هذا الجمالية إيجابية أم سلبية وهنا اعتمدت الفلسفة الجمالية التي تبحث في الجمال كما تبحث عن الجمال في القبح وتحدث الفصل الثالث عن المكان والموقف المأساوي في محاولة لتقصي الموضوعات التي كانت تفرض الحزن والألم وتهيج أشجان الشاعر الجاهلي وكان في مقدمة ذلك: الطلل وآثار الديار والحرب والارتحال والوداع والشعور بالاغتراب والوقوف طويلا على أطلال الحبيبة. وتناول الفصل الرابع الحديث عن المكان والبيئة وخصص الفصل الخامس والأخير لدراسة اللون وأهميته في المكان عند الشاعر الجاهلي على نحو القصيدة التي كتبها الأعشى متغزلا بهريرة وجمالها فعمد إلى تشبيهها بالروضة الخضراء التي لا تطؤها الأقدام. في الواقع إن هذا الكتاب الجديد في رؤيته وتحليله للمكان يكشف لنا أنه لم يكن افتتان شعراء العربية ونقادها طيلة قرون بالشعر الجاهلي وذهابهم إلى كونه النموذج المثال الذي يسعون إلى استلهامه والقياس عليه مجرد حنين إلى ماض انقضى أو تعظيم للأسلاف قائم على غير أساس. (أبوظبي – الاتحاد)

قد يعجبك ايضا