تحولات المكان في المجموعة القصصية (حادية الصباح المالح)

علي أحمد عبده قاسم


 - تشكل كتابة القصة القصيرة أسلوبا مدهشا شاعريا وفنا إبداعيا يتميز به المبدعون الذين امتلكوا ناحية القص والإبداع والفن.. والمشهد الإبداعي اليمني به الكثير من
تشكل كتابة القصة القصيرة أسلوبا مدهشا شاعريا وفنا إبداعيا يتميز به المبدعون الذين امتلكوا ناحية القص والإبداع والفن.. والمشهد الإبداعي اليمني به الكثير من المبدعين الذين إذا قرأت كتاباتهم تركت فيك أثر ولمست قوة الأداء وبصمة المبدع الأسلوبية واللغة الشاعرية العالية فضلا عن التمكن الفني من عناصر القص المتوازن البارع من هؤلاء القاص/ حامد الفقيه الذي له عدة أعمال لعل أبرزها المجموعة القصصية (حادية الصباح المالح) والتي فازت بجائزة رئيس الجمهورية في مجال القصة في دورتها الثانية عشرة 2010م والتي حوت عشرا من الأقاصيص تميزت بالأسلوب المتقن واللغة الشاعرية والتناول لموضوعات اجتماعية وعاطفية وغيرها.

وسأبدأ بقراءة العنوان “حادية الصباح المالح” فهو يحمل التفاؤل والإشراق والأمل والفتوة والسفر والرحلة بوصف أن الحداء مرافق لربان القافلة ولكن يأتي التصادم مع العنوان حين يصفه بـ”المالح” ليتبدد الجمال والإشراق والأمل لأن الحياة لا تخلو من الجراحات والأكدار لكن أظن الأمل والرجاء بالإشراق أكبر من اليأس والأوجاع وإذا كان الحداء يعني الغناء والأمل والإشراق إلا أنه هنا أراد به الحزن وتغير صورة الحياة.
وفي هذه القراءة سأتناول تحولات المكان في هذه المجموعة والبداية من أقصوصة “كيس اللبان”.
ففي الأقصوصة الأولى من المجموعة (كيس اللبان) وإن كنت أفضل رائحة اللبان لأن الرائحة تظل عالقة بالذهن والمشاعر أكثر من لفظ “كيس” الذي يوحي بشيء من التقزز والثقل ولأن النص يسرد العلاقة الحميمة ما بين الابن وأمه ويسرد أوجاع وآلام الفراق ومشاعر الأحزان العميقة في الذات في النص لكي يسرد النص فقد دفء الحنان فقد بدأ النص بذكر البرد والصقيع لأن الصقيع تحول من حسي إلى صقيع روحي حيث يقول: “روزنامة الريفيين تشير إلى الشتاء القاسي بصقيعه قررت اليوم أن أحمل ما تبقى من جسدي سليما من قضمات البرد فتحول الصقيع ملازم للجسد لكن الروح مسافرة في ارتحال مع ذاكرة الأماكن أحث روحي على المضي انتعش في ذاكرة الأمكنة واستنشق رائحة استراحة الظهيرة ورائحة زيت شعرك فتهب نسائمها ملطفة أحراق الظهيرة”.
الصورة حاولت أن تكشف أسرار عالم الروح وهو التنقيب عن جمال الحياة المتمثلة التي تركت هذه ميتة جامدة خالية من ملامح الجمال وميتة من الاخضرار والنمو.
– أسأل الطريق المؤدي إلى سفح جبل “الحريوه” عن مواويل التي تفتح الصباح بأحزانها
– أتلمس أغصان الأثل فأجدها عارية من الحياة
– يتطاير منها دقيق ملحها الأبيض بتراتيل حداء حزين.
لعل تراتيل الحداء الحزين هو إشارة لمراسيم دفن الجمال ودفن الخصوبة وعقم التناسل الروحي فجاءت الصور متزاحمة لترسم آلام روح وأوجاع ترثى قحط الحياة وجدب التدفق.
“الدوح” الذي كنت تغسلين يديك بعد دموع الحطب الأخضر جف كما جف صوتك لم يعد الحطب أخضر لقد جف لقد جف روحه وعوده”.
لقد بدأ النص بالمكان العام الجبل والشمس والظهيرة وصقيع الحياة تلميحا لصقيع الروح وجدب الحياة وعقمها فإن السرد انتقل إلى المكان الخاص الغرفة وذاكرة المساء بوصف الغرفة المقترنة بالمساء فيها حنين ورسوخ في الذاكرة ليتحول إلى جمود وطين وموت علاوة عن البرود المكاني الذي يشير إلى البرود الروحي فتحولت تلك الغرفة إلى طين وتبن عارية من الجمال والحياة “طغت رائحة الطين المخلوط “بالتبن” على خيط دفئ الفطور” بوصف طعام الأم ألذ طعام ورائحة خبزها وقهوتها تسكن أرواح الأبناء.
ولعل محمود درويش قد أثر في القاص حين قال: “أحن إلى خبز وقهوة أمي” والنص يقول “الغرفة نست رائحة الخبز المرشوش بالسمن البلدي الذي يفتح أرواحنا قبل شهيتنا طغت رائحة الطين على خيط دفء الفطور ارسم شعرك الملفوف بالطرحة البيضاء وبين كفيك أول “السبايا” من عجينة البر التي مازالت بعض مسافات وجهها تبعث خيط البخار الدافئ تقدميها لآكل وألحق طابور الصباح المدرسي”.
فكانت الأم هي رمز الحياة والبقاء والرسوخ والقوة والصمود فتحول المكان بصورة موجعة إلى ضعف وانهيار وسقوط “اليوم يتساقط جدار من نشيج ندائي لك وتتكسر صورتك وأنت تحملين السبايا بينك”.
ولأن المكان هو فضاء الأحداث الواقعي والمجازي فإنه قد ظهر في صورة النص ميت عقيم مجدب بارد خال من الدفء الروحي خال من الحنان الإلهي بفقد الأم فإن الزمن هو عنصر هام من عناصر السرد سواء كان الزمن الواقعي أو زمن القص فقد ظهر ميت ومريض من خلال الصور الترميزية التي جاد بها النص حيث يقول: “كان الصباح يتثاءب وعين الشمس تدثر خموله وتبعث حيويته أما اليوم فال

قد يعجبك ايضا