إصدارات

تخريب الاقتصاد العالمي
لا يزال العالم يواجه نتائج الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انطلقت في خريف عام 2008 من الولايات المتحدة الأميركية. ولا تزال رفوف المكتبات في مختلف بلدان المعمورة تشهد سلسلة من الكتب التي جعلت من تلك الأزمة موضوعا لها وحاول مؤلفوها شرح أسباب الأزمة ونتائجها. ويتردد الآن أنه قد قيل كل شيء تقريبا عن تلك الأزمة وعن نتائجها في مختلف المجالات.
الصحافي الاقتصادي البريطاني مارتن وولف الذي يعمل منذ سنوات عديدة في «الفيننشال تايمز» وذو المصداقية الكبيرة في تحليلاته الاقتصادية وذو العلاقات الوثيقة مع كبار أصحاب القرارات الاقتصادية منذ عقود يرى من جهته أنه قد قيل الكثير بل و«أكثر مما ينبغي» فيما يتعلق بالجوانب المالية من تلك الأزمة الاقتصادية التي لم ير الغرب والعالم مثيلا لها منذ «الانحسار الاقتصادي» الكبير الذي أنتج أزمة 1929.
ويرى رغم تأكيده على أهمية الجوانب المالية في الأزمة العالمية الراهنة أن صلب المشكلة الحقيقية يكمن في عملية «تداخل معقدة» و«مثيرة لاختلال التوازنات القائمة» وحيث تبدت نتائجها في أن الاقتصاد العالمي ليس قادرا على تحمل أعباء «التبدلات الهائلة» التي يواجهها والمترتبة على الاندماج الاقتصادي العالمي السريع ومنافسة مليارات من العاملين الجدد وبروز مختلف أشكال التجديد التكنولوجي والنفقات الهائلة لرؤوس الأموال عبر العالم.
هذه التبدلات يحدد المؤلف أن مصدرها الحقيقي هو «التداخل بين الليبرالية والعولمة». ويرى أن مثل هذا التداخل هو بالتحديد الذي أدى إلى «هز النظام المالي السائد».
هذا كله هو ما يشرحه في كتابه الذي يحمل عنوان «التبدلات والصدمات» الذي يقرأ فيه ما تعلمناه وما ينبغي علينا أن نتعلمه من الأزمة وهو يحاول فيه تبيين الكيفية التي أحدثت فيها تلك التبدلات الهائلة صدمات مالية استثنائية وغير متوقعة إلى حد كبير. وبسبب البعد «الاستثنائي» للأزمة الحالية لم يكن الباحثون الاقتصاديون قادرين على رؤيتها قبل حدوثها. ومن هنا أيضا كانت آثارها التخريبية الكبيرة التي يرى المؤلف في انهيار «بنك ليمان بروزر» المثال البليغ على ذلك.
ومن المسائل التي يتم التأكيد عليها في تحليلات هذا الكتاب أن الاقتصاد العالمي قد تعرض لـ «التخريب» بسبب تضافر عدة عوامل ليس أقلها فاعلية الحرية المفرطة لرأس المال حيث تدفقت مليارات الدولارات المتأتية من مناطق تأثرت في النهاية من ذلك وبسبب تبني 18 بلدا أوروبيا لنظام تبادل ثابت وملزم للجميع بحيث تفقد البلدان المعنية إمكانية تنفيذ سياساتها النقدية ــ المالية ـ الخاصة بها.
وعلى خلفية التحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم يرى مارتن وولف أن هناك أزمة أكبر وأخطر تلوح في الأفق بل ويؤكد القول انه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة ويشترك فيها الجميع تقريبا فإن الأزمة القادمة ستكون بمثابة «كارثة حقيقية» وسيكون من العسير التصدي لها.
المؤلف في سطور
عمل مارتن وولف لفترة في البنك الدولي وهو صحافي اقتصادي بريطاني ونائب رئيس تحرير في «الفيننشال تايمز» ومحرر اقتصادي فيها. يساهم بالكتابة في العديد من الصحف والدوريات البريطانية والعالمية. حاصل على شهادة عليا في الاقتصاد من جامعة أكسفورد. حاز على عدة جوائز عن كتاباته الصحافية. قدم كتابا 2004 تحت عنوان «لماذا تفعل العولمة».

قد يعجبك ايضا