ثورات الفوضى دمرت الإبداع¿¿

د/ عبدالله على الفضلي

 - بعد الفوضى الشاملة التي عمت بعض الدول والشعوب العربية عام 2011م والتي سميت مجازا وتجاوزا بالربيع العربي , اختفى في ظلها الإبداع العربي وتوارى وأفل نجمه وأصبح في خبر كان , وبدلا
بعد الفوضى الشاملة التي عمت بعض الدول والشعوب العربية عام 2011م والتي سميت مجازا وتجاوزا بالربيع العربي , اختفى في ظلها الإبداع العربي وتوارى وأفل نجمه وأصبح في خبر كان , وبدلا من جني ثمار الربيع وزهوره وأوراقه وياسمينه , جنى العرب اشواكا واثمارا يابسة وغير مثمرة. وعلى الرغم من التباشير والأحلام الوردية والوعود التي أطلقها المروجون بمستقبل أكثر إشراقا وأكثر هدوءا ورخاء واستقرارا وحرية وشعورا بالعزة والكرامة والعدل , تحول الربيع العربي وبريقه إلى شتاء قارس شديد البرودة , كما تحول إلى نزاعات وتناحر طائفي وحزبي ومذهبي ومناطقي وقتال وتدمير , ومن ضمن ما دمره الربيع العربي هو الإبداع والمبدعين في شتى مجالات وفنون الحياة فلم يعد هناك إبداع من أي نوع سواء أكان إبداعا شعريا أو قصصيا أو روائيا أو نثريا أو صحفيا أو بلاغيا أو إبداعا فنيا فلم نعد نسمع أغنية واحدة جديدة أو انشودة وطنية واحدة أو مسرحية هادفة أو معبرة أو مسلسلا تلفزيونيا ناجحا. فقد ساد الخمول والكسل والاستكانة والانعزال الكلي جميع المبدعين وبات كل مبدع متفرجا على ما يحدث من حوله وأصبح عاجزا وصامتا وخجولا ولا يدري ماذا يبدع أو ماذا يقول في إبداعه ولمن يوجه هذا الإبداع لأن المجتمع من حوله قد انقسم على نفسه واختلطت كل الأوراق خيرها بشرها وشرها بخيرها وأصبح الولاء للحزب أو للجماعة أو للقبيلة أو للمنطقة أكثر من أي ولاء آخر حتى للوطن فلمن يبدع المبدعون ولمن يتغنى الشعراء بشعرهم ولمن يكتب ابداعه¿ هل يكتب الشعر ويتغنى بالفساد والفاسدين أو يتغنى ويبدع للمتحاربين العابثين والمتصارعين على السلطة والثروة أو يبدع لمخربي الكهرباء وأنابيب النفط ويعتبرهم اناسا وطنيين وأبطالا مناضلين أم يبدع لناهبي الأراضي والمتقطعين والعابثين بأمن واستقرار الوطن, وهل يبدع المبدع ويتغنى بتنظيم القاعدة وما يقوم به من مجازر ومذابح وقتل وترويع ونهب للبنوك وإبادة جماعية للجيش والأمن , وهل يبدع المبدع للحراك الجنوبي المسلح ويتغنى بما أنجزه من فوضى وتنكيل وتخريب وعصيان وتقطع وقتل وتدمير وتعطيل لمصالح الناس. ام يبدع ويتغنى لما أحدثه المتصارعون على السلطة وما أوجدوه من فجوات وشروخ وتصدع في جدار المجتمع اليمني الواحد وما وصلت إليه البلاد من فوضى وانقسام , لقد أصبح المبدع في بلادنا وفي البلدان العربية التي شهدت (الشتاء العربي) أصبح منغلقا على نفسه ومنزويا وعاجزا عما يبدع فكل ما يعايشه ويتابعه ويشاهده من أحداث وكوارث ودماء ومجازر هي عبارة عن يأس وإحباط وتراجع وفواجع وفوضى خلاقة وأزمات متلاحقة ولسان حاله يقول من أنادي ومن سوف يسمعني أو يفهم كلامي وماذا أقول حتى لو ناديت أحياء أمامي إلا أنهم أموات . ففي هذا الزمان لم يعد للأغنية الوطنية أي صدى أو حماس أو انها ستؤثر في الناس ويرددونها في كل حين, حيث لم يعد للأغنية العاطفية أي تأثير أو قبول في قلوب الناس أو تلقى فرحة أو سرورا ولم يعد لأي قصيدة شعرية جديدة ذلك الصدى الذي كان سائدا بين الناس قبل عاصفة الربيع العربي المزعوم . كما انه لم يعد لصدور أي كتاب جديد أو رواية أو قصة أي اثر أو اهتمام لدى المتلقيين من المثقفين أو غيرهم كما كان الحال سابقا, حتى الأعياد الدينية والوطنية والمناسبات الاجتماعية لم يعد لها ذلك البريق والبهجة والفرحة والاستعداد المجتمعي للاحتفاء بها بل إن معظم هذه المناسبات قد أصبحت تمر مثلها مثل بقية الأيام ولم يعد الفرح بها أو الاهتمام بها الا بصور عابرة .
إذا لماذا يبدع المبدع في هذا العصر¿ والجواب ببساطة لأن ما يشاهده على أرض الواقع من إحباط وفشل لم يعد مشجعا ولا محفزا للإبداع, وكيف للمبدع أن يبدع وهو يعيش في ظلمات كثيرة ظلمة الكهرباء وظلمة الجهل. وظلمة الفقر وظلمة الفوضى والفساد, وظلمة ضياع الحقوق والحريات. وهل يبدع المبدع وهو يرى انهيار القيم والمبادئ والأخلاق والمثل وهل يبدع المبدع وهو يرى انهيار الجيش وتفكيكه وتشتيت ولاءاته. وهل يبدع المبدع وهو يرى الدولة على وشك السقوط وهل يبدع المبدع وهو يرى الأخلاق وقد انهارت ولم يعد للوفاء أو للصداقة أو للعادات والتقاليد أي اثر يذكر وكيف يبدع المبدع وهو يرى جدران المجتمع تتصدع وآيل للسقوط فأي إبداع في ظل الكوارث الإرهابية التي وقعت في كل من ميدان السبعين والعرضي والسجن المركزي ومذابح الجنود في حضرموت والعبث بالمال العام ولم يظهر لها غريم أو منفذ حتى الآن ¿

قد يعجبك ايضا