السقاف.. وخيال يدهش الشياطين

محمد الغربي عمران



المشهد السردي في اليمن أكثر ديناميكية وتجددا.. هذا ما يلاحظه الجميع.. بل أن هناك تنوعا يقترب البعض من إجتراح أفاق جديدة .. فجوائز رئيس الجمهورية للشباب .. وجائزة المقالح .. وتلك المنتديات وتعدد منابر النشر الورقي والإلكتروني لها الفضل في تفاعل هذا المشهد بل وتطوره.
هذه هي القصة تباغتنا في كل لحظة بأسماء تنشر نصوصا مكتملة والكثير منها ناضجة تدل على وعي كتابها بما يخطون. صحيح أن كثيرا مما ينشر لا يمثل الحد المقبول .. لكن ذلك الكم الذي يطالعنا يوميا بل في كل ساعة ولحظة على صفحات الفيس ومواقع التواصل والنشرات الورقية تومض بين فترة وأخرى بنصوص جيدة تبشر بميلاد أسماء تجيد الكتابة السردية عن وعي.. ومنهم من يبهرك بقدرته وخياله الواسع.
بين أيدينا في هذه المقاربة إضمامة قصصية من إصدارات جائزة رئيس الجمهورية للشباب 2013للقاص المبدع محمد السقاف. وسأتجاوز الأخطاء التي ظهرت في هذه الطبعة من تكرار لبعض الصفحات وبتر بعضها. إلى الإبحار مع نصوص كاتبنا وإصداره البكر الذي أجزم بأنه يعلن ميلاد نجم سردي قوي. عندما تحكي المرايا تضم ثلاثة عشر نصا . تجلت قدرة الكاتب من خلالها على تقديم الكائن المسحوق بالمعاناة الحياتية.. كما تفوق بذلك الخيال الباذخ . وفي مقاربتي هذه سأركز على سمتين .. وأقدم النصوص من خلالهما. وهها:
• كائنات منكسرة.
• الخيال الجامح.
وبطبيعة الحال فان ما يحتويه هذا الإصدار يحتاج من الكتاب قبل النقاد إلى تناول تلك النصوص من عدة جوانب نقدية .. شخصياتها.. حواراتها.. حبكاتها.. أفكارها .. التكنيك المتبع .. وغيرها من غوايات الكاتب والاعيبه.
– شخصيت مطحونة.
وبداية بشخصيات محمد المنكسرة والتي قدمها كموظف يعاني من تسلط مديره إلى ضغوط الحياة المعيشية التي تضطر ذلك الكائن إلى الاستدانة بشكل دائم.”الأول من الشهر حيث صار بمقدوره الآن أن ينجو من شتائم البقال وسكين الجزار وكذا هراوة الخباز …حتى سخرية بياع الفجل وأخيرا- وهو أصل الحكاية أولا- مؤجر البيت ووجهه العريض ولسانه السليط” هذه الجمل من نص بعنوان ما أثقل الحلم تلخص للقارئ حالة شخصية السقاف وميله لذلك الكائن الهامشي. إلى نص آخر بعنوان ديك على بياض”ويوم الخميس نشب شجار فظيع بينك وبين مديرك ونظير شجاعتك الأدبية وعدم سكوتك عن ارتكاب الخطأ وجدت نفسك أخيرا في الشارع مع شجاعتك ومؤهلاتك وبرفقة بقية شهاداتك التقديرية” وإن لم يكن موظفا فهو مطحون وبائس” ثم أنك لا تدري لماذا يتآمر الكون ضدك¿ولماذا تجري كل هذه الأفلاك التعيسة عكس ما تريد دائما¿ حتى الكلاب الضالة في الشارع متيمة بالنباح عليك” ومن نص رابع”وبدأت تحصر لي أسباب تكتل الحزن في قشرتي القلبية وتراكماته الزمنية عبر العصور وأبهرتني بسردها المتوالي ” وهكذا من فتاة الجدار البائسة إلى امرأة عبث المسرح الدميمة ..وهكذا يجد القارئ نفسه ينتقل من نص إلى آخر بين شخصيات ساخطة .. تعيش الذل ..وكأن السقاف يقدم لنا شخصيته عوضا عن واقع حياة مجتمعنا وأوضاعه المتدهوره .. يحمل تلك النصوص ما يرمز إليه في نص يدين فيه البياض . ويمجد الألوان القاتمة موحيا بأوضاع البؤس والتسلط وبلادة ساسة هذه البلاد الذي تحولوا إلى قطاع طرق وعصابات لاهم لها إلا مصالحهم الشخصية والحزبية والقبلة والمذهبية . نصوص تنتصر لإنسان هذا الشعب البائس المطحون.
– خيال شيطاني.
ويكفي ما ذكرناه حول النقطة الأولى .. لنأتي على تناقض غريب بين خيال ممتع وشخصيات لا تملك إلا الانكسار. خلط بين قمة المعنى وقاع الواقع. في تلك النصوص أجهدت نفسي علي أجد شخصية هانئة أو مقتنعة أو راضية ببعض ما هي فيه.. فلم أجد غير حذاء تنتعل شيطانا. من منا يعجب بأعمال الشيطان .. غير أنا لو قرأنا محمد السقاف لوجدنا أنفسنا معجبين بشيطانه بل ونتمنى لو كنا في نص بعنوان حذاء الشيطان الجديد . “اللعنة على الحذاء الجديد ولكن لعنة الشياطين شيء ولعنة الأحذية هنا شيء آخر”. هذه أول جملة في النص.. إذ يحكي فيه السقاف عن شرائه لحذاء جديد غالي الثمن إذ أن ثمنه يتجاوز نصف مرتبه الشهري.. يقول “أنا- بالمناسبة – كنت وما زلت لا أرتعب إطلاقا من لعنة الأحذية” لكنه يفاجأ بعد شرائه ذلك الحذاء يعيش اللعنة إذ أن حذاءه الجديد ينتعل شخصا أخر .. يكتشفه من خلال المرآه بأنه هو وقد أنشطر إلى شخصين.. يمضي الحذاء تاركا من على المرآة خائبا ويذهب ليقضي ليله في شوارع المدينة ومواخيرها .. يراقص حذاء راقصة في ماخور يعربد يشرب.. يقضي ليلته في عوالم من الخيال والمتعة كشيطان محترم.
محمد أثبت بأنه يمتلك خيالا لا يشبه خيالاتنا ..خيال لا معقول .. وفي الوقت نفسه يمنطقه بحيث يتقبله المتلقي بشغف لا ينسى. وخيال لا ينسى يعني إبداعا فريدا لا يشابهه أي ابداع .. إبداعا خاص بصاحبه .. كثيرا ما نكتب باحثين عن بصمة تخصنا.. أو أسلوب لا يشبه

قد يعجبك ايضا