الدستور الجديد..رؤية جديدة للشراكة


* سيكون دستوراٍ استثنائياٍ لأنه خرج من رحم تحولات كبيرة عاشتها اليمن
* دستور ديمقراطي كافل للحقوق والحريات يعزز مؤسسية النظام السياسي..ويرسخ مبادئ الحكم الرشيد
* توجه الإرادة الجمعية للقوى السياسية نحو تطبيقه على الواقع هو المحك الفعلي

تواصل لجنة صياغة الدستور اجتماعاتها ونقاشاتها بخطى حثيثة للوصول إلى مسودة أولية لدستور جديد للبلاد في مرحلة دقيقة تعيشها اليمن ويعد « الدستور» المرجعية الأساسية للقوانين والتشريعات في أي بلد وعقد اجتماعي جديد ناظم لإيقاع الحياة على كل المستويات. أكاديميون وقانونيون تحدثوا للثورة عن مضامين الدستور الجديد في هذه المرحلة وكيف سيلبي آمال وطموحات كافة مكونات المجتمع لبناء دولة حديثة قائمة على المساواة والعدل والحكم الرشيد .. نتابع..

يرى الدكتور ياسين محمد الخراساني أستاذ القانون الدستوري المساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء وعضو مجلس إدارة الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات : أن الإعداد لدستور جديد للبلاد هو الملاذ الحقيقي للخروج من الأزمات السياسية الطاحنة التي يتعرض لها اليمن وصياغة دستور جديد ليس بالسهولة بل هو تشريع دستوري واللجنة المكلفة بصياغته تكون قد مْنحت سلطتان « السلطة التأسيسية والسلطة التشريعية « في فترة عملها لصياغة نصوص مشروع الدستور لأن هذه النصوص يجب أن تكون صياغتها فنية ومحكمة وواضحة.
ويضيف الدكتور الخراساني : أعتقد أن القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي تكون قد وفْقت في اختيار العناصر ذات الكفاءة التي تستطيع إنجاز مهمة وضع مشروع الدستور الجديد على أفضل وجه بحكم أن لليمن واليمنيين إرثاٍ تاريخياٍ في المجال التشريعي عمره آلاف السنين وتعد اليمن من أولى الدول التي كانت تصنع التشريع من الواقع والذي كان يبدأ بين أوساط المواطنين كعادة يعتادها الناس ثم يتطور إلى عرف يشعر المواطن أدبياٍ أنه مْلزم ومن ثم يتم تشريعه على مستوى المجالس الشعبية ويتم رفعه إلى المجلس الاستشاري ويسمى «المزود « بعاصمة الدولة ثم ينِاقش ويصدر ويقال « صدر بقصر سلحين أو قصر غمدان « وهي القصور التي كان الملك يمارس مقاليد الحكم فيها فلجنة صياغة الدستور يجب أن تكون عند هذا المستوى لأن أغلبهم جاءوا من مؤتمر الحوار الوطني الأمر الآخر أن عيون العالم ترقبهم وينتظرون ميلاده الذي سوف يجسد حضارة وثقافة اليمنيين عبر العصور ومن هذا المنطلق سيأتي دستورا قويا من حيث كونه وليد الأحداث الهامة والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها اليمن.
وتابع الخرساني بالقول: اليمنيون ليسو أقل من الأمريكان الذين تحاوروا بعد صراع وأحداث ساخنة في اجتماع (فيلادلفيا) عام 1787م وكان اجتماعهم هذا يضم 55 مندوباٍ من الولايات المختلفة وكل ما يحمله هؤلاء المندوبون هو الكفاءات العالية والمثالية السياسية الرفيعة ورغبتهم في قيام أمة أمريكية قوية وتمخض عن حوارهم ميلاد الدستور الأمريكي عام 1787م الذي يحتوي على (7) مواد فقط ولم يلغ هذا الدستور حتى الآن اللهم تعديلات وصلت إلى (27) تعديلاٍ تقريباٍ وجاءت هذه التعديلات كحاجة ملحة لتتماشى مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الأمريكي فالشعب اليمني قوي وسيزداد قوة بميلاد الدستور الجديد ومصدر هذه القوة «القرآن الكريم « كما جاء في قوله تعالى( نِحúنْ أْولْو قْوِةُ وِأْولْو بِأúسُ شِديد )وإن شاء الله يصل اليمن إلى معايير القوة الحقيقية بما سيتبناه الدستور القادم الذي يراهن عليه العالم أجمع والذي سوف يجسد مخرجات الحوار الوطني والتي خصص لإنجازها حقيبة وزارية بالحكومة الجديدة فإذا جاء هذا الدستور بهذه القوة فسيلبي آمال وطموحات كافة مكونات المجتمع اليمني و بناء دولة حديثه قائمة على العدل والمساواة والحكم الرشيد واحترام اتفاق السلم والشراكة الموقع أخيراٍ.
ملامح الدستور
من جانبه يقول الدكتور محمد الغابري – أستاذ القانون الدستوري بجامعة صنعاء : الدستور الجديد مرتبط بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وهذه المخرجات نصت على الموجهات العامة التي سِتْبنى عليها الوثيقة الدستورية ولعل من أهم هذه المؤشرات أو التوجهات الدستورية تحويل الدولة من بسيطة إلى اتحادية بسته أقاليم كما أقر في مؤتمر الحوار الوطني.. كما سيتحول النظام من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وفقاٍ لهذه المخرجات والتأكيد على مجمل الحقوق والحريات وكيف يتم الحفاظ عليها وذكرها تفصيلاٍ في صلب الوثيقة الدستورية.. ومن أهم هذه الحقوق ما يتعلق بالجانب السياسي والممارسة السياسية وكذا الحقوق الشخصية وحقوق المرأة وحقوق الطفل أيضا الحقوق الصحية وحقوق التعليم .. كل هذه الحقوق سيتم تفصيلها في الوثيقة الدستورية القادمة..
وأشار الدكتور الغابري إلى جانب آخر من الدستور وهو إعادة بناء هيئات الدولة ولعل من أهمها ما يسمى بالهيئات المستقلة التي سيفرد لها باباٍ مستقلاٍ فيما يتعلق بتنظيمها وكيف يتم تعيينها وآلية عملها ووسائل تعزيز استقلالية هذه الهيئات والتي أقرت بمؤتمر الحوار الوطني والتي بلغ عددها ما يقارب ( 18) هيئة ..منها ما يتعلق بالإعلام حقوق الإنسان الخدمة المدنية هيئة مكافحة الفساد كل هذه الهيئات وجدت لتعزيز أو إصلاح المنظومة الإدارية للجهاز الإداري للدولة..
كما نوه إلى ما يتعلق بكيفية حماية النصوص الدستورية وخاصة ما يتعلق منها بالحقوق والحريات التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني أيضا إنشاء محكمة دستورية عليا مهمتها الأساسية رقابة مدى توافق النصوص القانونية التي تشرعها الهيئة البرلمانية مع نصوص الدستور بحيث يجب أن تكون متوافقة مع هذه النصوص الدستورية..إذن الدستور القادم من أهم ملامحه وفقاٍ لهذه المعطيات والمخرجات بأنه دستور ديمقراطي دستور كافل للحقوق والحريات يعزز مؤسسية النظام السياسي.. و يعمل على ترسيخ مبادئ الحكم الرشيد الذي يرتكز على أسس ثلاثة تتعلق بالشفافية والمساءلة وتسيير مؤسسات الدولة وفقاٍ لمعطيات وأهداف واضحة ومباشرة لكي تحقق هذه الأهداف على أكبر قدر ممكن..
ومضى يقول : أما لجنة صياغة الدستور فهي عبارة عن لجنة فنية مهمتها قولبة وإعادة صياغة المنظومة والمقررات التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني حيث لم تخرج عن مقررات الحوار الوطني وهذا كان جلياٍ في قرار إنشائها وقرار النظام الداخلي وآلية عملها او تنظيم عملها .. التي أصدرت من قبل رئيس الجمهورية في مارس الماضي.
وحول ما إذا كان الدستور الجديد سيلبي طموحات وأمال كافة مكونات المجتمع يقول الدكتور الغابري :على مستوى النص سيلبي الطموحات لكن يبقى النص كما هو إذا لم توجد إرادة سياسية لدى هيئات الدولة وعلى القوى السياسية والاجتماعية الجدية والتفاعل والتكاتف من أجل تطبيق هذه المنظومة ككل .. وإلا سيبقى رهن هذه الإرادة وستبقى نصوصه حبراٍ على ورق ووثائق نمجدها ونقول بأنها جيدة وبأنها من أروع ما أنتج وما أخرج في العالم ولكن المحك الأساسي في مدى توجه الإرادة الجمعية للقوى السياسية وللهيئات المختلفة في أنها تحترم النصوص وتعمل على تعزيزها وتفعيلها على ارض الواقع وتلتزم بالمحددات التي جاءت بها هذه النصوص .. أما أن ينحصر في عملية إيجاد صياغة إبداعية ومنظومات فإن الأمر سيبقى على ما هو عليه إذا لم يتدهور إلى الأسوأ .. لان جودة النص عملية مهمة لكن يبقى المحك الأساسي في إيجاد التوجه والإرادة العامة فيما يتعلق بتطبيقه واحترام هذه النصوص ..
مخرجات الحوار
من جانبه يقول الدكتور أحمد مطهر عقبات مستشار رئيس جامعة صنعاء : من الواضح أنه لم يتم تطبيق مواد الدستور الحالي برغم احتوائه على مضمون يكفل الكثير من الحقوق والواجبات ونسبة لا بأس بها من العدالة الاجتماعية نظرا لتضارب مصالح الأحزاب والقوى السياسية إزاء كثير من الأمور مما أدى إلى تجاهل النصوص الواردة فيه وتتم عملية انتقاء وتفسير ذاتي غالبا في التطبيق على أرض الواقع ناهيك عن تجاهل المواد الرقابية وبعض الحقوق التي تضمن كفالة النظام والقانون والمساواة وغيرها الأمر الذي لفت الانتباه إلى أهمية إعداد دستور جديد يتجاوز سلبيات الماضي ويؤسس لشراكة مجتمعية جادة يشارك في صياغته كل شرائح المجتمع وتتناسب مع تطلعات الناس وخاصة الشباب في بناء يمن جديد يواكب مرحلة القرن الواحد والعشرين ويساهم في دفع عجلة التنمية إلى الأمام وبمشاركة الكوادر الوطنية الكفؤة.
ويضيف : وبالمقابل لا شك بأن الدستور الجديد الذي سيضم في طياته أهم ما ورد في مخرجات الحوار الوطني المتفق عليه من قبل كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي المرأة والشباب والمهمشين وغيرهم سيحتوى على نصوص أعمق من الدستور الحالي باعتبار أن المشاركة العامة في صياغته ستخلق قناعة تامة بمضمونه بنظرة حديثة لكافة الأمور الحياتية والحقوق والواجبات ونشر العدالة الاجتماعية والمساواة وتثبيت النظام والقانون بصورها المتفق عليها في مخرجات الحوار الوطني.
وختم الدكتور عقبات حديثه بالقول : يظل الأمل معقودا على إمكانية تطبيقه على أرض الواقع لنستطيع أن نقول بأن الدستور الجديد سيمثل فعلا مرحلة فاصلة في تاريخنا المعاصر وسيلبي أمال وطموحات كافة مكونات المجتمع لبناء دولة حديثة قائمة على المساواة والعدل والحكم الرشيد وهذه جميعها مرهونة برغبة سياسية جادة للتعامل مع المستجدات والمتغيرات الحياتية بروح المسئولية والانتماء الوطني النقي ووضع المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات.
الوضع الراهن
من جهته يرى الدكتور محمد سعد نجاد – نائب عميد كلية الشريعة والقانون أستاذ أصول الفقه الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية بجامعة صنعاء بأن المأمول والمتوقع من الدستور الجديد أن يعكس مخرجات مؤتمر الحوار بما يحقق آمال وطموحات الشعب اليمني ..حيث و كثير من مخرجات مؤتمر الحوار هي مخرجات تم التوافق عليها..
وتابع : على الجميع إدراك خطورة الوضع الراهن على أمن وسلامة اليمن وبأننا جميعاٍ على سفينة واحدة وإذا لم نحافظ على أمن اليمن واستقراره فسيغرق الوطن بنا جميعاٍ فعلى كل التنظيمات السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكل أفراد المجتمع اليمني سواء كانوا في موقع السلطة و موقع اتخاذ القرار أو كانوا أفرادا أن يعلموا بأن الوطن أمانة في أعناق الجميع..
القانوني أمين الربيعي – المدير التنفيذي لمنظمة سواسية بدى أكثر تفاؤلا وهو يقول: نحن متفائلين بإعداد دستور جديد في ظل عدم وجود مراكز نفوذ سياسي..ولجنة صياغة الدستور مقيدة بما ورد في مخرجات الحوار الوطني الذي أجمعت عليه كل المكونات الوطنية وبناء الدولة الحديثة يعتمد بشكل رئيس على السلطة التي تقوم بإخراج نصوص الدستور إلى الواقع وبالرجوع إلى الدساتير السابقة للجمهورية اليمنية نجد أنها من أفضل الدساتير وكفلت كافة الحقوق ولكنها لم تجد طريقها للتنفيذ :» سنظل نأمل دائماٍ وأبداٍ وننشد على دولة مدنية حديثة يحكمها الدستور والقانون».

قد يعجبك ايضا