بين يدي رئيس الحكومة

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - لاشك أننا على أعتاب مرحلة جديدة بالغة التعقيد والأهمية والاشتغال فيها يتطلب جهدا مضاعفا ورؤية نافذة قادرة على استعادة وعيها باللحظة من بين ركام الدهشة والذهول اللذين تركهما
لاشك أننا على أعتاب مرحلة جديدة بالغة التعقيد والأهمية والاشتغال فيها يتطلب جهدا مضاعفا ورؤية نافذة قادرة على استعادة وعيها باللحظة من بين ركام الدهشة والذهول اللذين تركهما الزمن الذي تسارعت أحداثه ومتغيراته بشكل لم يكن له ما يماثله في التاريخ.
أمام رئيس الحكومة الجديد فرصة لم تتوفر لأحد من قبله في التأسيس والبناء والتحديث وتجديد وظائف الدولة ومؤسساتها ما يتوافق والزمن الحضاري الجديد فقد تهيأت فرص البناء بعد أن غادر معيقو كراسي نفوذهم, ومثل تلك المتغيرات تجعل مشروع البناء هو المعيار الذي يمكن التعويل عليه في الزمن الجديد, كما أن التحديث والانتقال إلى الحداثة الحضارية والثقافية أصبح أمرا ميسرا في ظل مهاد ثوري قابل للتغيير والانتقال وفي ظل شراكة وطنية وتعدد سياسي يحد (من خلال الاحتكاك) من الفساد والاحتكار والتفرد.
في هذه المرحلة هناك ملفان حيويان بالغا الدقة والتعامل معهما بحنكة ورؤية معيار حقيقي في النجاح وهما الملف الاقتصادي والملف الأمني وتربط الملفين علاقات تكامل ووجود إذ لا يمكن لأحدهما الوجود دون الآخر.
فالملف الأمني متشعب ولا يمكن معالجته من خلال تعزيز القدرات والإمكانات والأدوات الأمنية بل من خلال التعامل الواعي مع منظومته وبواعثه بدءا بالاعتراف بالوجود وإعادة السيطرة على المؤسسة الثقافية الدينية من خلال استحداث وزارة جديدة للشؤون الإسلامية تكون من مهامها الإشراف على الزكاة وصندوق الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية والتعليم الديني وتشرف على المساجد وتعمل على تشكيل مجلس فقهي يضم في تكوينه كل المذاهب والفرق الإسلامية لكي تدير حوارا في المسائل الدينية والعقائدية, ويعمل المجلس على ردم الهوة في المسائل الخلافية وترسيخ مبدأ التعايش والتعدد ويكون معنيا بالفتوى ويضع ضوابط للفتوى الدينية ومثل ذلك عامل مهم في الاستقرار ويشرف على الوقف من خلال هيئة إدارية تعيد تجديد وظائفه برؤية إنمائية تحقق مقاصد الواقفين منه وتعمل على المشاركة الفاعلة في البرنامج الاستثماري الوطني. وفي ظني أن المؤسسة الدينية الوطنية بكل طيفها وتعددها ومذاهبها هي الأقدر على إدارة الشأن الديني في إطار مؤسسي تشاركي لا تذهب جماعة دون الأخرى بالأمر فيه.
ولعله من المفروغ منه القول إن الاعتراف بالقيمة والمعنى للكيانات والجماعات يخفف من حدة الصراع كما أن الحوار تصحيح مستمر لتصوراتنا الخاطئة عن بعضنا ويعمل على تخفيف حدة الاحتقان ويسد الفجوات التي يستغلها الآخر لزرع الفتن وتأجيج الحروب, ومن خلال ذلك يمكننا توفير بيئة آمنة للاستقرار وبالتالي الاستثمار والتنمية الاقتصادية التي تحقق الرفاه لأبناء هذا الوطن.
أما الملف الاقتصادي فيبدأ من خلال ترشيد الانفاق ووضع الضوابط اللازمة لتحقيق عوائده وإعادة ترتيب وضع المؤسسات الايرادية وتجديد وتحديث الوظائف والإجراءات والأدوات والأوعية بما يكفل نماء وجودة في التحصيل وبما يقلل من ثغرات الفساد. وفي ظني أن إعادة النظر في البعثات الدبلوماسية والثقافية الخارجية بما يتوافق ومصالح اليمن أصبح ضروريا إذ أن الملاحظ أن الجهاز الدبلوماسي أصبح مترهلا وبعثات اليمن أصبحت أكثر من حاجة اليمن ومصالحه في الدولة الصديقة وتشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة, ووضع الضوابط قد يوفر المال الكثير الذي يمكن انفاقه على مشاريع البنى التحتية.
وحتى نتمكن من تجاوز عثراتنا الاقتصادية لابد من إعادة النظر في المؤسسات والهيئات المالية التي تجاوزت ظروف نشأتها وحادت عن وظائفها أو أصابها الشلل والجمود كالبنوك وبعض المؤسسات كالتأمينات وصندوق التقاعد العسكري والصناديق ذات الأهداف المتخصصة وربط أنشطتها بالاقتصاد المعاشي وبما يعود بالنفع على شرائح المجتمع الدنيا ذات الدخل المحدود ومن العدل إعادة ترتيب الخارطة المالية للاقتصاد الوطني وعدم تركيزه في جغرافيا بعينها من خلال التفاعل مع اقتصاد الدولة, وأهم من كل ذلك تشجيع ثقافة الإنتاج عند فئات المجتمع المختلفة والخروج من دائرة الاستهلاك في السياسات العامة للحكومة وتلك قضية يجب الاشتغال عليها بالقدر الكافي من الاهتمام والمسؤولية الوطنية.
وعلى رئيس الحكومة أن يدرك أن التحليل الدقيق للبنية الاقتصادية سيجعله قادرا على معرفة مواقع القصور واقترح المعالجات والبدائل, ولعل أولى المهام التي سوف تصدمه من خلال التحليل أن الضريبة العامة واقعة في ميزان مختل وهو ميزان لا يتوازى وحجم النشاط الاقتصادي في البلد فعائدات الضرائب في اليمن أكثر من 80% منه ضريبة كسب عمل لا تبذل الضرائب جهدا تحصليا فيه رغم الاعتمادات وموازنات التشغيل, وم

قد يعجبك ايضا