الثور والفيل والنملة
يكتبها : فؤاد الحميري
يكتبها : فؤاد الحميري –
إضعاف الدولة بشقيها الرسمي والحزبي على مدى عقود من الزمن نقل القبيلة من وظيفتها الاجتماعية إلى ممارسة الوظيفة السياسية اضطرارا لا اختيارا . وقد كان لهذه النقلة من الإيجابيات ما حافظ على كيان البلد وهيكل الدولة . غير أن السلبيات كانت أكثر وأكبر كون بساطة القبيلة لا يمكن بحال أن تحيط بتعقيدات الدولة مهما حاولت .
ومن تلك السلبيات اختراق بعض الأعراف القبلية للبنية القانونية للدولة – واقعا لا نصا – مما أرانا – في الصورة الكلية – رئيسا في صورة شيخ ومواطنين في صورة ( رعية ) كما أرانا – في الصورة الجزئية – ( الثور ) وهو رمز للتسويات الاجتماعية كرمز جديد للتسويات السياسية . ومع الأيام تجرد ( الثور السياسي ) من بعده المادي ليتحول إلى ثقافة سياسية أفرغت الدولة من معاني السيادة المقتدرة على ( الضبط والربط ) . والمحتكöرة لأدوات العنف – امتلاكا واستخداما – وفق القانون .
لقد انتقلت الدولة – عبر ثقافة ( الثور السياسي ) – إلى ( مفارع ) بين المتخاصمين أو ( متفرج ) عليهم أو – وهي الأدهى – محرش بينهم . الأمر الذي قاد أطراف الخصومة المجتمعية أو السياسية – وقد رأوا ( قبúيلة ) الدولة معهم – إلى أن ( يتديولوا ) عليها .
وإذا كان كل إنسان مسؤولا عن وجهه على حد قول أحد الفلاسفة فلا شك أن الدولة – من باب أولى – مسؤولة عن وجهها . وعليها وحدها تقع مسؤولية الإضرار بصورتها أمام الداخل والخارج .
لكن إحدى أهم النتائج الكارثية لتبسيط الدولة وتسطيح مؤسساتها وظهورها في صورة القبيلة المهجنة المحكومة بثقافة ( الثور السياسي ) هي إعطاء أصحاب ( المشاريع الصغيرة ) والرؤى الضيقة أملا كاذبا في القدرة على ( تعليب ) الوطن الكبير و( كرتنة ) الشعب العظيم لمجرد أنهم مدجنون على الصراخ أو مدججون بالسلاح . ولو أنهم أمعنوا النظر وأدمنوا التأمل لأدركوا أن الدولة الضعيفة أقوى ألف مرة من الجماعة القوية . وأن عقلية ( الأبيض والأسود ) لا يمكن أبدا أن تتحكم بعالم الألوان الواسع الكبير . ولتعلموا من قصة الفيل والنملة ما يعيدهم إلى جادة الصواب .
فقد روي أن نملة ( وهي هنا تمثل أصحاب المشاريع الصغيرة ) عشقت فيلا عظيما ( وهو هنا يمثل الشعب العظيم والوطن الكبير ) ولتمتين العلاقة بينهما قامت النملة بدعوة معشوقها إلى بيتها . فلما رأى الفيل البيت وهو بالكاد يرى بالعين المجردة . التفت إلى النملة قائلا : « يا نملتي الصغيرة .. إما أن تبحثي عن بيت يليق بحبيبك أو أن تبحثي عن حبيب يليق ببيتك « .