لن تموت….
جميل مفرöح
جميل مفرöح –
* لا غرابة في كوننا ننتحر كلö لحظة نتذكر فيها أننا موجودون وأننا لم نمت في آخر مرة كنا فيها على موعد مع النسيان.. ولكن الغريب حقا أن نحاول قتل النشيد والضوء وخنق صرير الريح واستلاب الألحان هيئة التهادي والانسياب إلى حواسنا التي تموت وتفنى كلما منعناها من تنفس الصوت واللون والرائحة والذائقة.. ذائقة الفن والتصعد في سموات الإبداع المحلق عاليا..
* أيها الوطن عبدالله البردوني.. أنت على مواعيد قادمة لا تعداد لها مع خياناتنا الموغلة في التنكر والنسيان والتهميش.. وتلك خيانات تعودتها منذ ميلادك ومنذ التف الضوء بدسيسة ما على نقاء طفولتك وأخذ عينيك في جيبه ومضى تاركا إياك في ظلمات المجاهيل والمقادير..
* نعم.. نخونك كل يوم وكل لحظة وكل قصيدة نقشت فيها قبل أن تمضي مبتسما سخرياتك منا ومن خياناتنا الأزلية والأبدية..
هه.. أتصورك الآن وأنت تنظر إلينا بإشفاقك الممعن وتعد لكتابة قصيدة جديدة.. تسرد فيها تفاصيل خياناتنا المكشوفة كأية جيفة وتصف فيها ما تركته الإنسانية فينا من سؤر وضيع ومع ذلك ولأنك الكبير عبدالله البردوني لا تتقزز منا أو تحجب عينيك عن بشاعة ما تبقى منا..
* أيها الشاعر المضيئ والأفق المرتب كقصيدة حديثة والمرصع بكواكب من شعر وفضة.. أنت الحي الوحيد المتبقي فينا ونحن جميعا الميتون فيك.. فلتكن قصيدتك القادمة مبشرة بوطن خال من نيكوتين الخيانة.. وقطران التنكر وطن خال من رصاص النسيان.. فلتكتب سيرة الارتهان القميئة التي عشناها ونتباهى بعيشها في حقك وفي حق وطن بتنا لا نفرق بينك وبينه.. تداخل أكثر مع ذلك الكائن الذي لم يستطع كائن في الوجود سواك تمثله ومشابهته حد التداخل والالتباس..
* عبدالله البردوني.. سنظل نحاول قتلك ولا نمسح عن أيدينا آثار ذبحك.. وكأننا نتباهى بإعدامك ونحيي له ذكرى خالدة في دفاتر الزمن.. سنظل ننفخ في رفاتك لئلا يظل منه شيء وستظل أنت تباغت الرفات والأقدار وأدوات الفناء وتطل علينا بابتسامتك الساخرة من دهشتنا وارتباكنا واعتذاراتنا الكاذبة التي نظل ندبج فيها بعناية تفوق عنايتنا بمحاولة تذكرك.. أو المرور على قصائدك الجديدة التي تكتبها هناك في الأقاصي عنا وعن الوطن الذي يتراءى لنا كل وهلة في بصيرتك.. وتطل أنت كل دمعة من عينيه..
* سننساك أيها الوطن المتراكمة ذكرياته وعواطفه في النزر اليسير او الأثر الطفيف من بقايا الإنسان بداخلنا.. فاعذرنا واعف عنا وتجاوز تلك النسيانات والتناسيات المرة التي نتقمصها.. ويقيننا كبير جدا أننا وإن نفخنا في ذكرياتك روحا نسيانية نكرانية.. ستظل تلك الذاكرة المشبعة بنا والتي تنسى أو بالأصح تأبى أن تموت..