من تراثنا.. ميلاد مجتمع: شبكة العلاقات الاجتماعية (*)

د. أحمد حمود المخلافي

 - إن كل جماعة لا تتطور.. ولا يطرأ عليها أي تغيير بفعل الزمن.. فإنها بذلك تخرج من التحديد (الجدلي) لكلمة (مجتمع).. لأن المجتمع هو الجماعة الإنسانية التي تتطور ابتدأ من نقطة يمكن أن نسميها (ميلاد) يسجل ظهور شكل من أشكال الحياة المشتركة.. كما يسجل
إن كل جماعة لا تتطور.. ولا يطرأ عليها أي تغيير بفعل الزمن.. فإنها بذلك تخرج من التحديد (الجدلي) لكلمة (مجتمع).. لأن المجتمع هو الجماعة الإنسانية التي تتطور ابتدأ من نقطة يمكن أن نسميها (ميلاد) يسجل ظهور شكل من أشكال الحياة المشتركة.. كما يسجل نقطة انطلاق لحركة التغيير التي تتعرض لها الحياة..
من هذا المنطلق يصبح المجتمع هو: الجماعة التي تغير دائما خصائصها الاجتماعية بإنتاج وسائل التغيير.. مع علمها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هذا التغيير..
وهنا يكتسي المجتمع صفة البناء التنظيمي المكون من ثلاثة عناصر رئيسية هي:
– حركة مستمرة
– إنتاج لأسباب هذه الحركة.
– تحديد لاتجاهها (غايتها).
التاريخ هو النشاط المشترك الذي تقوم به الكائنات والأفكار والأشياء بشكل مستمر مطبوعا على صفحة الزمان.. لذلك تتم صناعة التاريخ بتأثير مباشر من:
– عالم الأشخاص.
– عالم الأفكار.
– عالم الأشياء.
تعمل في التاريخ مشتركة.. وتأتي صورته طبقا لنماذج أيديولوجية من (عالم الأفكار).. ويتم تنفيذها بوسائل من (عالم الأشياء).. من أجل غاية يحددها (عالم الأشخاص).
ولكي تنتج حضارة.. يستلزم وجود (عالم) رابع هو مجموع العلاقات الاجتماعية الضرورية.. أو ما نطلق عليه (شبكة العلاقات الاجتماعية)..
إذن عمل المجتمع ليس مجرد اتفاق (عفوي) بين الأشخاص والأفكار والأشياء.. بل هو تركيب من هذه العوالم الثلاثة.. وناتج هذا التركيب يحقق (تغيير) وجوه الحياة في اتجاهه وفي مداه.. أنه بمعنى أصح: تطور المجتمع..
وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية هو العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده..
ويمكن تصوير العوالم الثلاثة بالصيغة التحليلية الآتية: (ناتج حضارة= إنسان + تراب + وقت).. وتتجلى هذه العلاقة العضوية التاريخية الأساسية في كل عنصر من عناصر المجتمع الثلاثة لتؤكد وحدة تأثيره منفردا.. كما تتجلى في علاقاته بالعنصرين الآخرين لتؤكد وحدة تأثيرها مجتمعة..
خلاصة القول إن أصل شبكة العلاقات الاجتماعية هي التي تتيح للمجتمع أن يؤدي عمله المشترك في التاريخ.. وتاريخ هذا التركيب هو الذي يفسر أصله.. كما يحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية لحظة نشوئها..
إن العمل الأول في طريق التغيير الاجتماعي هو الذي يغير الإنسان من كونه (فردا) إلى أن يصبح (شخصا) من خلال تغيير صفاته البدائية التي تربطه بالنوع إلى نزعات اجتماعية تربطه بالمجتمع..
هذه العلاقات الخاصة بعالم (الأشخاص) هي التي تقدم الروابط الضرورية بين الأفكار والأشياء في نطاق النشاط المشترك الذي يقوم به المجتمع..
واجتماع (الأشخاص) في أي مكان وفي أي ظرف.. هو التعبير المرئي عن هذه العلاقات في مجال معين من مجالات النشاط الاجتماعي..
وجميع صور هذا الاجتماع (مظاهرة مدرسة جيش مصنع نقابة حزب الخ) هي تعبير عن شبكة هذه العلاقات بصور مختلفة..
فالاجتماع الذي يتمثل في أول عمل يؤديه المجتمع أثناء تشكله (ميلاده) يترجم بصدق وبقوة عن شبكة علاقاته.. وأصدق مثل على ذلك في المجتمع الإسلامي (اجتماع المسلمين في المسجد) في صلاة الجمعة مثلا بمثابة رمزه وتذكاره..
وكل العلاقات السائدة بين الناس خاضعة لأصول ثقافية معينة وتعد (علاقات ثقافية).. فهي مجموع القواعد الأخلاقية والجمالية… إلخ, وهي المحيط الذي يصوغ كيان الفرد..
وتبرز العلاقات الاقتصادية كنتاج لتقسيم العمل واكتمال التركيب العضوي التاريخي لعناصر (الإنسان التراب والوقت)..
إذن كل صلة تجمع بين العوالم الثلاثة (الأشخاص الأفكار والأشياء) هو في الحقيقة علاقة مشروطة بوجود ثقافية وبالتالي تكون جميع أشكال الاتصال الفكري كالفن أو اللغة- هي من باب أولى- علاقة اجتماعية.. ولكن في حالة إن زادت أو نقصت فعالية هذا النشاط المشترك- صانع التاريخ- يمكن التعبير عن هذه الظاهرة الاجتماعية بتغيير في الشروط والوظائف الاجتماعية المرتبطة بالظروف الاقتصادية في نطاق العمل المشترك الذي يصنع التاريخ.
فلا يقاس غنى وتقدم المجتمع بكمية ما يمتلكه من (أشياء).. بل بمقدار ما فيه من (أفكار).. كيف¿
قد يحدث فيضان أو تقع حرب فتمحو من المجتمع (عالم الأشياء) محوا كاملا أو تفقده ميزة السيطرة عليه مؤقتا.. فإذا حدث في الوقت نفسه فقدان المجتمع السيطرة على (عالم الأفكار) كان الخراب ما حقا.. أما إذا استطاع أن ينقذ (أفكاره) فإنه يكون قد أنقذ ك

قد يعجبك ايضا