العقوبات على النصرة وداعش

لم يشكل قرار مجلس الأمن الدولي الذي قضى بفرض عقوبات دولية على الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النصرة أي مفاجأة لكثير من المتابعين على اعتبار أن تلك التنظيمات ليست لها علاقات دولية حتى يصدر مجلس الأمن قرارا بفرض عقوبات عليها بالنظر لطبيعة ذلك المجلس وما يقوم عليه من أسس لجهة المنظمة الدولية تستبعد فرض عقوبات على أحزاب وتنظيمات سياسية.
لكن الواضح الذي لا خلاف عليه أن مجلس الأمن في قراره الأخير عمل صورة مكبرة أخذت طابعا دوليا لجهة تنظيم داعش والنصرة وبالذات إزاء سوريا والعراق مما أظهر ذلك القرار مطاطيا غير واقعي ولا منطقيا ما لم يؤد في الحقيقة والواقع وظائف عكسية لدعم داعش والنصرة خصوصا والألفاظ والمعاني الواردة في لغة السياسة الدولية دائما ما يكون مفهومها الحقيقي عكسا للمعنى المراد منها في دلالة اللغة وفقا لسياق ذلك القرار فإن فرض عقوبات يعني إعطاء تسهيلات لداعش والنصرة لعدم وجود دول محددة بالقرار المشار إليه حتى يتم إلزامها بفرض العقوبات المفترضة.
وهذا يعني بالتأكيد أن قرار مجلس الأمن يوفر حاضنة لتلك التنظيمات المتطرفة ويسعى من خلال ذلك إلى اعتبارها أطرافا في السياسة الدولية سيما والقرار قد جاء عقب التغيير الذي جرى في العراق من خلال إقالة حكومة المالكي وتشكيل حكومة جديدة في ظل تصاعد الأزمة السياسية يعتبر في ظاهر المعنى أن قرار مجلس الأمن دعم للحكومة العراقية ولكنه في الحقيقة والواقع خلط للأوراق السياسية ولاسيما في سوريا والعراق.
وما في أدنى شك أن ذلك القرار قد خلا تماما من تحديد جهات معنية أو أطراف دولية محددة أو مؤسسات لتمويل جرى ذكرها بالاسم أو الكشف عنها حتى يتسنى تطبيق القرار أي أنه بالنظر للظروف المحيطة به وما تضمنه من أهداف ظاهرها كما أوضح ذلك القرار إضعاف المتشددين وبالتالي فإن خلو القرار من ذكر تلك الجهات يعني بالجملة المفيدة تقوية المتطرفين.
لذلك أورد القرار مفهوما يتضمن قطع التمويل عن تلك التنظيمات الجهادية ومنع المسلحين الأجانب من الانضمام إليها, مشيرا إلى أن كل جهة تمول هذه التنظيمات أو مدها بالسلاح ستكون عرضة لعقوبات أممية ومعنى ذلك أنه لا توجد جهات محددة كما كان ينبغي أو يجب تحديد تلك الجهات ما دام كما أسلفنا والقرار ينص على أن كل جهة تمول هذه التنظيمات ستكون عرضة لعقوبات أممية. هذا بالتأكيد في لغة السياسة الدولية أن قرار مجلس الأمن يبحث عن جهات لتمويل تلك التنظيمات خصوصا والقوى الإقليمية والدولية تدين ما تسميه بالأعمال الإرهابية نظريا ثم تدعم عمليا وبالتالي لا يعد القرار المشار إليه حالة عبثية لخلوه من التحديد الدقيق والمركز وعلى نحو موضوعي حيال الأطراف أو الجهات أو المؤسسات موضع التعامل مع التنظيمات المشار إليها بقدر ما يشكل في الجانب الآخر حالة دعم ضمنية للأعمال الإرهابية وما تقوم به تلك التنظيمات خصوصا وبعض أعضاء مجلس الأمن كانوا إلى فترة قريبة يعتبرون جبهة النصرة جزءا من الثورة الشعبية السورية.
لذلك من الصعوبة تفسير ذلك القرار إلا وفقا للسياق المضاد وما تقوم به السياسة الدولية من أعمال منافية للحقائق الموضوعية فما تعلنه دائما ما يكون خلافا لما تمارسه وعلى ذلك النحو يمكن تفسير قرار مجلس الأمن الأخير وما يثير الدهشة والاستغراب استناد ذلك القرار إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يتعلق بالنزاعات الدولية أو الحروب الإقليمية بين أطراف ومحاور مختلفة يتم اللجوء لذلك البند لما من شأنه وقف حرب بين دولتين أو دول متعددة بعد بذل مساع سلمية.
على اعتبار أن تلك الدول أعضاء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وما يثير الدهشة أيضا أن يقدم قرار مجلس الأمن بتنظيم الدولة الإسلامية داعش في العراق وجبهة النصرة في سوريا بأن كلاهما أعضاء في الجمعية العمومية للمنظمة الدولية والهدف من ذلك تسمين الإرهاب ودعم للاضطرابات السياسية في البلدان المشار إليها سابقا.

قد يعجبك ايضا