المؤسسات الثقافية اليمنية ..غواية الأداء وهواجس المستقبل
فارس البيل

فارس البيل –
*
تنشأ المجتمعات وتعرف بمؤسساتها المجتمعية وموروثاتها الثقافية وتبقى عاداتها وأعرافها ومنجزها الثقافي على المستويين الشعبي والنخبوي ملامح مهمة في تكوين أي مجتمع أو الدلالة عليه كما تعد قواعد مهمة في تطوره وتحركه في دائرة الحضارة الكونية .
واليمن بطبيعتها التاريخية وموروثها الحضاري العميق وأصالتها الممتدة في أغوار التاريخ ملأى بكل قوائم الثقافة ومشاهد المعرفة ومحاولات الفعل الحضاري بما نشأت فيها من دول وممالك وحضارات وما أنتجته كل هذه الحقب من منتجات ثقافية مهمة ظلت تكتنز مآثر البشرية وتغذي مكامن التطور لديها.
لكن اليمن في العصر الحديث وتحت تأثير الفعل السياسي ما تكاد تخرج من أزمة إلا وتدخل في أخرى طغت عليها مشاهد الصراع والحروب التي تطحن رحاها أي معالم للثقافة ويبقى صوت السياسة والصراع هو الأعلى فيما تغيب أو تخبو الثقافة تحت ذلك الطمر الكبير .
وعلى مدار العقود الأخيرة ظلت اليمن تنتج مشهدا ثقافيا عميقا بصفتها المحافظة والموغلة في التراث الديني والأدبي الملتزم فكانت تشهد إلى أعوام قريبة ما كان يعرف بالموسوعات البشرية أي الرجال الذين يبدعون في كل فن ويحفظون في كل شأن ويصنفون في كل علم وأمثلتهم كثيرة لا نملك هنا احصاءها وربما اشتهرت أسر وحواضر بالثراء العلمي والثقافي وقدمت كثير من هذه العائلات للمشهد الثقافي اليمني الكثير من الإسناد والإنجاز الحافل في شتى العلوم وحتى الفنون والموسيقى.
كانت اليمن وما تزال حبلى بالأدباء والشعراء والقضاة والعلماء في كل فن. ولأن اليمن بلد قصي فلم يلق هؤلاء من الحظوة والانتشار ما يكفي وبقيت فنونهم حبيسة وطنهم إن لم تكن حبيسة صدورهم نتيجة عوامل كثيرة منها ضعف الإمكانات وقلة الاهتمام المجتمعي والمؤسسي بهؤلاء وبالمشهد الثقافي عموما.
رغم ذلك وبالقفز على كثير من العوائق والصعوبات المهولة فقد حدث حراك ثقافي مهم في اليمن وجاءت البيوت والمؤسسات الثقافية التي عنت بالشأن الثقافي اليمني فحاولت أن تشكل المشهد الثقافي والمعرفي في اليمن وتسمح بانتشاره والنقاش فيه داخل أوساط المثقفين أولا وفي أوساط العامة من بعد ذلك. لقد أسهمت هذه المؤسسات ـ على قلتها ـ بإعادة التداول في الثقافة وهمومها وفنونها وشواغلها المتفرعة في شئون الناس والحياة ولو بشكل محدود بطريقة منظمة أو بمقتضى الحال.
لكن هذه المؤسسات ظلت حبيسة العمل غير المؤسس تحاصرها قلة الإمكانات والدعم وتخضع لشروط الممول ورغباته ويكاد عملها يشبه الرياح الموسمية فلا تخطيط جاد ولا تنفيذ فاعل هذا على مستوى المؤسسات الأهلية أو الخاصة أما المؤسسات التي تتبع الحكومة أو المؤسسات الرسمية فإنها لا تكاد تنجو من الرتابة وعدم الجöدة والعمل فيها ومن خلالها لا يعدو إسقاط الواجب أو شغل الوظيفة.
إن المؤسسات الثقافية في اليمن ورغم أنها ما تزال في طور البدء وما قبل النضوج والاكتمال تمثل نقطة مضيئة في سماء المشهد الثقافي اليمني الكثيف والمخبوء الذي هو بحاجة عظيمة للحفر والتنقيب وإخراجه للتداول والتناول ودمجه في إطار التثاقف العربي الكبير.
وإذا ماكانت هذه المؤسسات الثقافية تحبو وتقتصر على نخبة أو فئة قليلة ونزيرة الإنتاج فإن جيلا عريضا من المثقفين والقراء والموهوبين قادر على تحريك عجلة المشهد الثقافي باقتدار وإخراج الفعل الثقافي اليمني إلى حيز الاهتمام والتلقي.
والمعول على هذا الجيل المتحمس أن يقود الفعل الثقافي خارجا عن حسابات السياسة وبعيدا عن تسلط الرؤى والأفكار دون خضوع لاتجاه أو فكرة فإنما تنشأ التظاهرة الثقافية متسلحة بكل ماهو داعم للثقافة والمعرفة المجتمعية التي تسهم في التنمية والتطور في البلد.
هذا الموج الجديد والفاعل بإمكانه فعل الكثير لكن عليه ألا يسند حماسته لعجز الأولين ولا يتجاوز خبرتهم في آن كما أن على الدولة مهمة واجبة وقسرية لانتشال المشهد الثقافي من حالة الركود أو الاستقطاب الموجه يجب أن تمد الدولة يد الواجب وليس العون لرفد هذه المؤسسات وغيرها من فضاءات الثقافة لكي تحمل الهم الثقافي وتذيعه في أوساط الناس فالثقافة هي السبيل الناجز للتطور والنماء في نواحي الحياة.
إن على المؤسسات الثقافية الحالية أن تعيد تخطيط المشهد الثقافي اليمني وتسمح بالتفرع والانتشار لاهتماماتها والتمدد لطموحاتها وعليها أن تتعمق أكثر في متطلبات الحياة الثقافية وتستقطب القدرات الجديدة والطاقات المتحفزة وتفرد فضاءات واسعة لما يمكن اكتشافه وإعادة قراءته في المشهد الثقافي اليمني لتقديمه لليمن وللعالم.
فما تزال الثقافة في اليمن كما لو أنها تستروح على الثقافة الوافدة وتغطي على منتوجها بغربال سميك فلاهي ت