أدباء يحاكمون النقد مع تجاربهم ..!
كتب/ محمد صالح الجرادي

كتب/ محمد صالح الجرادي –
يكاد الوثوق بحركة نقدية أدبية يتلاشى .. وخاصة بالنسبة لأجيال تخوض الكتابة شعرا او سردا بالاعتماد غالبا على ممارسة النقد الذاتي في نتاجاتها إلا ما ندر من أشكال وجود نقدي هامشي لا يشكل في تجلياته مشهدا يطمئن بأدواته ونماذجه ..
وفي اللحظة التي يتحسس هؤلاء الشعراء والأدباء فرط الحاجة الى النقد الذي يتلقف تجاربهم بل ونماذج إصداراتهم المتوالية يعودون إلى دواخلهم مجددا مع شيء من أمل ان يتعافى الجسد النقدي الأدبي .. ويحضر حقيقة !!
ضيوف هذا الحيز وموضوعه هم أدباء يمثلون نماذج لمراحل تعيش الشلل النقدي ومظهر شلليته أيضا رغم وجوده الهامشي في مشهد حافل بغزارة الإنتاج الشعري والسردي على حد سواء .
تبدو لنا شهادات هؤلاء على قدر وافر من الاتفاق وقليل من تباين في جزئيات شخصية تتصل بتجاربهم ..لكنهم جميعا مسكونون بهاجس الحرمان النقدي الحقيقي الذي يمنح تجاربهم ما تستحقها تقويما وإضافات ..
الشاعر زياد القحم في سياق الحديث ينفي تعرض تجربته لاختبار نقدي دقيق حتى اللحظة لكنه مقابل ما يراه من “غياب للناقد الحقيقي الإيجابي” يحث على مسألة أن” يعوض المبدع بالاشتغال الطويل على تجربته والعناية بناقده الذاتي ” .
يشرح زياد : “في تجربتي مع الكتابة اعتمدت على تكوين المزيج الفني من المعارف المختلفة من أجل الوصول إلى مقدرة معقولة على تجويد الكتابة فتجاوزت القراءات الأدبية إلى السفر في التاريخ وتتبع الأفكار الدينية وملاحظة العادات والأعراف واستنطاق الاشتغالات الفنية القديمة وصولا إلى الاطلاع على العلوم الطبيعية والتطبيقية ورصد المشهد الاجتماعي والسياسي .وظللت هكذا لفترة من الزمن أتعامل مع ناقدي الذاتي وأقرأ ما يكتبه النقاد الكبار عموما دون أن أجد حديثا خاصا بتجربتي يمكن أن أستفيد منه باستثناء لقائي بكاتب كبير أفرحتني متابعته لتجربتي المتواضعة وشعرت بأن قراءاته المستمرة لي تختلف عن قراءات من سبقوه من ناحية أثرها الإيجابي ودقتها وموسوعية صاحبها وهو الأستاذ / محمد عبدالسلام منصور حيث أشعر بأن ملاحظاته وتقييماته تقودني إلى الارتقاء بمستوى النص الذي أنجزه .”
وفي تجديد دعوته المبدع الى العناية بناقده الذاتي يلفت زياد القحم الى أهمية ان الا ينتظر المبدع الناقد الافتراضي ” لأن وجوده مسألة لا تتوافر دائما وثوب الناقد يدعي لبسه الكثيرون دون أن يشعروا بعريهم وهذا لا يتناقض مطلقا مع قناعتي بأن المشهد المكتمل يجب أن يحتوي على الناقد الفاحص المراقب جنبا إلى جنب مع الشاعر والقاص والفنان .”
ضرورة أن ينتهي التصفيق!!
وعلى اتساق تذهب الشاعرة مليحة الأسعدي إلى إيضاح فداحة الوجود الهامشي النقدي بالنسبة لتجارب نسوية ابداعية في المشهد الأدبي عموما. فهي تجزم أن “تعامل المشهد النقدي اليمني أو العربي في غالبه مع النص الذي تنتجه المرأة ليس منصفا إلا ما ندر”.
وتنصرف عن الحديث بشأن تجربتها مع النقد كشاعرة .. لصالح استطرادها في الحديث عن النقد والمرأة الشاعرة في اليمن . وهنا تؤكد : ” الناقد في اليمن لا يكاد يقدم دراسة موضوعية جادة عن شاعرة يمنية بحيث يشرق من زوايا إبداعها أو يشف عن مناح القصور في منتجها بتأدب و رقي إلا و هو ينظر إلى طبيعة علاقته الإنسانية بهذه المرأة الشاعرة و من ثم فهو في غالبه يقدم نقدا لا يزاول ظهراني المدح على إطلاقه أو الذم بقصد التجريح على إطلاقه أيضا و في الحالتين لا تجد نقدا يرقى لمستوى الدراسة و المتابعة و إن كنت في البداية أعزو ذلك حرجا إلى قلة الشاعرات “.
وترى مليحة عدم منطقية ” التمادي في مبرر قلة الشاعرات بعد ظهور أكثر من صوت نسوي شبابي جاد في المشهد وانه من الإحباط ان يتواصل التصفيق الذي بات سمة عميقة في المشهد الشعري و العام خصوصا بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إذ يكرس هذا السلوك لدى الشاعرة الحقيقية الكثير من التشوهات النفسية التي يصعب تجاوزها مع الزمن فتقع فريسة الابتعاد و الاعتزال الكلي أو المراقبة الصامتة الحزينة من الانهيار الشديد لكل ما هو جميل في داخلها”
وتضيف : ” ليس هناك ما هو أرق من قلب شاعرة أخلصت لتجربتها الشعرية فخذلها الجميع و هنا يتحمل المسؤولية كاملة النقاد الكبار الذين ما أتيحت للشعر فرصة للتنفس حتى أغمطوا حقه و كرسوا فكرة إذلال كبريائه العظيم ..فالشعر إن لم يكن ملكا فإنه حتما لن يقبل أن يوضع في منزلة أدنى من ذلك بتواز مع الغث المتفشي بين جيل المصفقين و المصفقات ليتعدى ذلك إلى رعاية مقيتة لمؤسسات يفترض بها أن تكون راعية للثقافة و الإبداع !”
هنا أيضا .. يخبرنا الشاعر احمد المعرسي وهو ربما أكثر شعراء جيله قدم عددا من الإصدارات الشعري