الرقص مع اللهب !¿
جمال الظاهري

كائنات كثيرة تهوى الضوء .. وكائنات أخرى تخشاه .. وحدها الفراشة من تراقصه .. ووحدها فريسة لهبه المفضلة..
تاريخ الأمم والشعوب وإرثها الحضاري هو قوت الأجيال الذي تستمد منه مفخرتها أيامها المجيدة التي سجلها التاريخ أو عاشتها أجيالها تمثل ذاكرتها ووجدان أبنائها .. اليمن هي إحدى هذه الحضارات إن لم تكن أعرقها وأنقاها في المحيط العربي والإسلامي وخاصة في منطقة الجزيرة هذا التاريخ ربما هو الأمر الوحيد الذي صمد وقاوم كل محاولات الاستلاب رغم ما تعرض له من حيف وسرقة من الداخل في الخارج.
هذه الحضارة هي ذخيرة الانتماء ومصدر فخره وتميزه بين الشعوب الأخرى ولا يمكن أن يعيش اليمني بمعزل عن ما تمثله ويمثله له من إرث ثقافي مهما تغرب وابتعد أو أنكر عليه هذا الفخار من المتهكمين أو الكارهين.. فاليمن كان وما زال وسيظل وفيا لكل أحداثه وتضحيات أجياله وستعلم من الشعوب المعاني الحقيقية للوفاء لأن اليمن زادنا في السفر وصلتنا بماضينا وجدودنا ويها نستشعر الفخار والعزة في كل مناسبة تذكرنا بتاريخنا ومواقف وبطولات أسلافنا.
تفتيش الضمائر صار رائجا في الوسط الاجتماعي اليمني .. بل إننا تعدينا التفتيش إلى الجزم بمعرفة ما في ضمير كل فرد منا وهذه مصيبة لأن هذه الحالة تسوغ لنا إطلاق الأحكام على بعضنا بعضا بدون دليل أو حجة.
كان معروفا في الماضي أن الأجهزة الأمنية (الاستخباراتية) هي التي (تفتش) في الضمائر وقد تطلق أحكاما على من تدينه بناء على شبهات أو قرائن وإن كانت ضعيفة ولكن أن يتحول الأمر إلى ممارسة مجتمعية جماعية أو فردية فهنا الخسارة الأعظم.
مع هذا فإن الوقت لم يفت بعد لإصلاح الشروخ المجتمعية ولملمة الشتات أو على الأقل حصره في أضيق الحدود .. والسبيل إلى ذلك واضح إذا اقتنعنا بأن النهاية الخاسرة لن تكون من نصيب خصومنا فقط .
الموضوعية تحولت إلى صنارة للنصب وموقعها ومن يستدعيها مجروح موضوعيا وإن كان ما يتعلق به مقبولا من حيث الشكل .. والحقيقة المتفق على نسبيتها, لأن اللامعقول أصبح أكثر من المعقول..
بلغة اليوم صار جوهرها الموضوعي الدقيق مفتتا, والمصطلحات زئبقية.. قيل إذا أردت استقامة أمورك فحدد مصطلحك, هذه الفلسفة تشقلب عاليها سافلها, لأن الساسة والسياسة الحالية وتخريجاتها صارت مطاطية وقابلة للتماهي والانحناء حسب ما يراه السياسي في مصلحته. .
لم يقتصر الأمر على الشأن السياسي .. بل تعداه إلى المفاهيم الفقهية, بمعنى أن فقه العبادات ورابطها التعبدي بالخالق وما ينتج عنها من أمور تضبط العلاقات الإنسانية وضوابط النشاط المجتمعي ذاب وانتهى تحت أقدام الفقه السلطاني.
هل يتبع الثابت الذي ألفناه وترسخ في أذهاننا المتحرك الذي نريده أو الذي يريده البعض أو المنتصر أم أن القاعدة ستظل كما هي ويظل ما عرف بأنه متحرك يتبع الثابت الذي يعتبره الأصوليون من إرث الماضي.
فقط هي الجماعات الإسلامية التي بدت منسجمة مع شقلبة كل الأشياء .. ومن يتأمل في ما ساقته هذه الأطراف وهي طبعا صاحبة الصوت الأعلى في توجيه الجماهير, وفي فرض رؤاها وخاصة قبل سقوطها في الاختبار المصري وقبل انتكاستها كمشروع نهضوي إسلامي.
لا يوجد حد فاصل بين الثابت والمتحرك أو بالأصح لا يوجد ثابت بالمرة, فجميع المسائل نسبية تخضع لمعايير مختلفة أهمها في الوقت الحاضر المنفعة واعتبارات أخرى كالربح والخسارة, هنا تكمن الإشكالية فحين تختفي الحدود تختفي الحقوق ..
ولأن الأمر كذلك فقد عمد الجميع إلى ترك موقعه الذي عرف به وانتقل إلى المنطقة الرمادية التي لا يستبين لها أصل, وتحولت هذه المنطقة إلى هوية جديدة وصارت هوياتهم الأصلية ذات حاجة ثانوية, وهنا النكبة بعينها لأننا في هذه المنطقة نصاب بما يشبه التنويم المغناطيسي, – أعني الجماهير – وما عدنا نستطيع التمييز بين الحق والباطل, بين الجائز والمندوب والفريضة ما يعني أن أصحاب المصلحة الحقيقيين تحولوا إلى متفرجين (أغبياء) يصفقون لكل هدف يسجله اللاعبون ..
نتيجة لذلك أصبحنا مصفقين وفي هذه الحالة مجرد سماع أي منا للتصفيق يصفق معهم لأي هدف يسجله هذا الخصم أو هذا الذي يمثله .. بل إننا في هذه الحالة نسقط من حساباتنا كل الشرائع والقوانين التي تحكم أداء المتنافسين لأننا نتبع الصفارة وانشغلنا بتسجيل النقاط بعد أن أسقطنا من حساباتنا قوانين التنافس, فما بالك حين تسقط الأخلاق والنزاهة.
صرنا كالعدادات نراكم الأرقام على بعضها دونما اكتراث لما تزودنا به (ماء أو هواء).. حالة عبثية لن يوقظنا منها إلا شحنة كهربائية شديدة قد تصيب بعض أجزائنا بالعطب أو تفقدنا الوعي وما تبقى من الحواس ولكن في نفس الوقت هناك أمل في أن تعيد لنا قدرة على التمييز من الممكن أن تعيدنا إلى جادة الصواب.
اليمن في حالة حرب مع نفسها على الدوام .. على ماذا ¿ على الريش