عجينة مربكة للمشهد
جمال حسن

يبرز سؤال حول هجوم شنه مسلحو القاعدة مؤخرا في سيئون اقتحام 15 مرفقا بينها جهات أمنية ومؤسسات حكومية وخاصة ثم يفرون وبحوزتهم أموال نهبوها وخلفهم أكوام من الجثث وأشباح جدران أهلكها الدمار. هكذا فجأة تتحول المدينة إلى حرب عصابات كثيرا ما تتخمنا بها السينما لعصابات المافيا أو المخدرات وهم يلونون الشوارع بجرائم تفتك بالسكينة. لكن ما هو السؤال ربما أسئلة كثيرة والأهم أي شكل من التواطؤ حصل عليها المسلحون¿ هل هناك حقا اختراق امني لهم.
مؤخرا صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما حول أمرا يصعب تفسيره دون وضع الكثير من الشكوك ليس حول أشخاص بعينهم بل حول أطراف فاعلة في الجهاز الرسمي تساند مسلحي القاعدة. وحتى لا نلقي بالاتهامات جزافا علينا أولا تتبع عمليات القاعدة منذ إسقاطهم زنجبار وجعار في أبين ثم هجماتهم على مراكز عسكرية خطيرة في صنعاء وعدن وحضرموت. كما هناك اعتداءاتهم المستمرة على الجنود وضباط الأمن. عمليات ممنهجة لتدمير مؤسسة الجيش والأمن. ثم هناك الأطراف الخفية التي تجلس مستندة في الظلام وتعتقد أنها في مأمن من تكشف ألعابها. فالمحرك أيضا يجد أن لعبته محكمة وغير مكشوفة. لذا علينا التصرف وفق الواقع والبراهين. كما علينا الخضوع لابتزاز هذا العنف الموجه. بمعنى أن نخضع كليا لإرادة لا تكتفي فقط بالجريمة الممنهجة بل أيضا في شرائع تغتصب كل شيء سواء في شمولية أفكارها المغتصبة للدين. أي إما أن نخضع لاغتصابها الجمعي أو لواقعها المثخن بالدم وبالموت.
إذن ذلك النفوذ الذي يحرك الفوضى كمعالج لبرامج متعددة لا تنتمي لأنظمة حاسوبية متطورة بل لطموح أفراد يريدون الاستئثار بالسلطة وتأكيد هوية مصالحهم. هو ليس طارئ فعل حركة التغيير السياسية في اليمن بل هو حاضر وفاعل في الدولة. أي انه الوجه القديم المألوف الذي مازال عالقا من الماضي. ليس فقط كتعبير عن جوهر النظام السياسي الذي مارس استئثاره بالسلطة والمال في اليمن بل ايضا كتجسيد لبقايا أفوله. إذ أن الاحتضار يسبقه وهج من الحمى واليقظة المستميتة للبقاء. لكن ما ثمن الاحتضار¿
ما يمكن معرفته أو استدلاله من حواشي الأحداث ومن ظواهرها وإن بصورة بسيطة هو هيمنة النفوذ القديم. أي أن اليمن مازالت تقاوم لطخات عتمة سحيقة تريد وضعها في سجن مصالحها المؤبدة. إما تلك التي تنتمي للعهد السابق آو القادمة من كهوف سحيقة مدرعة بثوب مهترئ يدعي الدين. ويريد إقناعنا بأنه الثوب الملائم للعيش في القرن الواحد والعشرين. إذن محركو الفوضى هم أنفسهم الذين ساهموا في إلقاء البلد ككومة متعفنة وهم أنفسهم من يريدون إقناعنا بجريمة تطهيرها. وهم أنفسهم يجدون دروع بشرية بعضهم يرتدون ربطات عنق وبعضهم يتسلقون مواقف من أرضيات يسارية أو حداثية.
حتى أنهم يجدون من يدافعون على خيوط الدماء التي ترسمها ميليشيا القاعدة وإرهابها أو أي ميليشيات أخرى تريد أن تكون اليمن مجرد قبر كبير نتكوم فيه تحت وهم أننا نعيش من اجل برزخه. لنسترجع كل أشكال الجماعات المسلحة سواء راديكالية أو قبلية فهي تجسيد لما قبل الدولة اعتاشت على حساب حضور دولة حديثة محمية بشرائع ودساتير. إنها مجاميع تتشكل في فراغ السلطة من اجل خلق فضاء لسلطتها لكنها تحول الفضاء الواحد متشظيا لذا جزء من هيمنتها هو نهش الدولة. غير أن الكارثة العميقة للدولة اليمنية هو وجود السوس داخلها. أي النفوذ الذي حط من شكل الدولة. فاليمن ارتمت لمجاميع عجيبة من رجال السطوة والحكم نوع من العبث الهستيري الأشبه بقطاعات من حاملي الفوضى.
ففي مرحلة من اللعبة كانت الأطراف تلعب بالفوضى كمرحلة مؤقتة لنيل السلطة. وعلى ذلك شواهد من المنقضين على السلطات في المنطقة العربية. لكن اللاعبون في اليمن أكدوا مرارا على أنهم غير قادرين على تغيير شكل اللعبة. وهم لذلك غير قادرين على تغيير اللعبة. وهو الأمر الذي يجعل تلك الأطراف تعاني أيضا وتنزلق في مرحلة الأفول.