من أجل حوار الثقافة العربية الواحدة
حسن أحمد اللوزي
من الثوابت القطعية في الحياة المتقدمة أنه لا يمكن عيشها في عزلة عن الآخرين سواء بالنسبة للأفراد أو للمجتمعات أعني كل الكيانات البشرية كما بالنسبة للأفكار وللإنتاج المعنوي وبخاصة الثقافة وقد أثبت التأريخ موت الثقافة الإنعزالية برغم أنه لا يمكن عزل الثقافة أو احتكارها ولو تحقق ذلك في القديم لما قامت الحضارات أو أية حضارة!!!
فالحضارة هي ثمرة تلاقي الثقافات أو تلاقح الثقافات وقد استدعى نمو المعارف وتطور العلم وازدهار الثقافات إلى تنوع الحضارات التي شهدها التأريخ البشري وقد أفضى ذلك إلى تنامي الخوف تجاه صدام الحضارات وتكررت الدعوات العقلانية إلى حوار الحضارات والثقافات وأثمرت تلك الدعوات جملة من النتائج الإيجابية في مصلحة الحياة البشرية الآمنة على كوكبنا الصغير وتجاوز ما كان يعرف بالحرب الباردة والتي كانت نذير إرهاصات بحرب عالمية ثالثة لم تلبث أن تغيرت إلى غير رجعة بفضل تغيرات هائلة شهدتها أجزاء مهمة من الكرة الأرضية أهمها ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي ! .
ولقد ترسخت خلال الفترة الماضية القناعة الكاملة لأهمية بل وضرورة حوار الثقافات بالنسبة للوجود الانساني وسلامته واستقامته وصيانته بشكل عام … وهي في ذات الوقت حاجي حقيقية ماثلي في التكوين البشري الذي يتطلب حتما التعارف بين الشعوب والامم من اجل التعاون والتكامل والتنافس والتدافع لحفظ البقاء خاصه اذا ما ادركنا وسلمنا “ان محطات الصراع والاقتتال والحروب الطاحنة والمدمرة قد الحقت بالبشرية صنوفا من الويلات وانواعا كاسحه من الوبال في عمليات الإفناء والتدمير ومازالت النتائج المريرة للحربين العالميتين الاولى والثانية في القرن المنصرم ماثله في الذاكرة كما في الاذهان كلها وكأنها مازالت حيه.. وعاصفه.. وما انفكت تطبق على الفكر وتشغل العقل وتعتصر الوجدان”.
ولذلك كانت الدعوة للحوار بين الحضارات والثقافات لمختلف الشعوب هي السبيل الارشد للوصول الى نتائج خيرة للجميع بل وصيانة الوجود الإنساني المتعدد الثقافات والحضارات في الكوكب الصغير !.
إن هذه الحقيقة التي وعتها البشرية وهبت إليها ضمانة لسلامة المستقبل الإنساني وصارت جزءا لا يتجزأ من نهج السياسة الخارجية الدولية والفكر الانساني عشية افول الألفية الثانية وفي كنف القرن الجديد من الألفية الثالثة تستدعي من أمتنا العربية أن تلتفت إليها بعقلانية وبإرادة ذاتية حرة وقوية على الصعيد القومي الأشمل. وخاصة بعد ظاهرة الحوارات الوطنية الإيجابية التي شهدتها عدد من الأقطار العربية وحقق البعض منها النجاح المأمول كثمرة يانعة لتفعيل العقول ! .
هل يستفيد منها أبناء الأمة العربية الواحدة ¿ وهل تتيقظ القيادات السياسية العليا في الوطن العربي وتتجه للدعوة نحو حوار عربي على الأرض العربية لمناقشة المأزق الحضاري العصيب الذي تواجهه بكل تحدياته التي تبدأ اولا من إنهاء الخلافات العربية بين أقطارها المتعددة ¿ وإنهاء كل صور الاقتتال الأهلي والحروب الطائفية والمذهبية ¿¿.
ظننا الذي نتيقن منه هو بأن لقاءات حوارية موسعة ومتنوعة بين المفكرين والمثقفين العرب من كل التخصصات تحت مظلة ورعاية الجامعة العربية وبتفهم ودعم سخي من القيادات السياسية العليا ستكون بإذن الله فاتحة لتأريخ عربي جديد تكون فيه الثقافة وجوهرها المعرفة هي المرشد الأول نحو اختزال قضايا الخلافات والاقتراب من الرؤية الوفاقية الصائنة للذات وإنهاء كل أشكال الصراعات!!!.
نعم إن مثل تلك اللقاءات الحوارية الحرة والمسؤولة والمفتوحة على كل القضايا قادرة على توفير الإجابات الشافية على الأسئلة التي تم طرحها بل وتقديم الإجابة على كل الأسئلة الأخرى المتصلة برسم خارطة فكرية وسياسية عامة لمسارات التوجه الحضاري لأمتنا العربية نحو التغلب على اوضاعها الراهنة ومعالجه كافة العلل التي ما زالت تفتك بها وبوجودها حاضرا ومستقبلا بعد أن غدت لقمة سائغة في متاهة الفك الحضاري العولمي المفترس.. وبدت عاجزه عن الفعل والمساهمة والشراكة الإنسانية وتائهة لا تمتلك مقدرات الحوار والتفاهم في خضم الحوارات الحضارية والثقافية القائمة اليوم على بساط الكرة الأرضية برؤية واحدة متفق عليها تقول للعالم ماذا نريد نحن العرب ¿ وهذه هويتنا ¿ بل ومازلنا في هذه الحالة عاجزين عن التعامل والتعاون الصحيح المتكافئ مع الآخر !!! .
إن فتح الحوار الجاد والصادق والمسؤول على مصراعيه بين ابناء الثقافة العربية الواحدة وفق هذه الرؤية المنفتحة صار ضرورة حياتية لا غنى عنها .. لأنه وبسبب غيابها تعطل الوجود الصحيح للأمة الواحدة انطلاقا من البداية الصحيحة لمعالجه اهم المخاطر التي تنهش الحاضر العربي كله وتفاقم من حالة الاختلاف والضعف والتمزق والاحتراب الطائفي والمذهبي .
إن الحوار الثقافي العربي بداهة فطرية وحتميه وجوديه وحاجة تاريخيه مطلوبة اليوم لتجاوز الوضع ا