رسالة من يرى إلى من يسمع..!!
أحمد الشرعبي
تمثل العلاقات اليمنية الخليجية واحدة من أهم القضايا العربية التي اشتغل على مضغها باحثون ونظمت بشأنها ندوات محلية وعربية ودولية وتناولتها بالتحليل والتعليل كتابات هنا وهناك قد نتفق معها أو نختلف إلا أنها بصورتها العامة تؤكد أهمية الأمر وحيوية المصالح المشتركة لشعوبنا والتحديات الرابضة على أبواب متخذي القرار في بلداننا..
وفي مراحل مختلفة غدت تلك العلاقات مسرحا مفتوحا على قوى إقليمية ودولية يقوم على تنفيذ أجنداتها المشبوهة وكلاء هيأت الفرص أمامهم وسخرت الأموال في متناولهم وصار لبعضهم شأنه السياسي (الجيبوليتيك) إلى جانب مهامه كمتعهد وفي يتقن أداء أكثر من دور لأكثر من طرف في براعة لا متناهية على المزاوجة بين المبدأ ونقيضه.
هؤلاء تحديدا بلغوا شأنا رفيعا لا يتوقف تأثيره على التفاصيل وإنما المشاركة في توجيه مسار الأحداث والتحكم في وجهتها.
لم يحدث في تاريخ العلاقات الدولية أو الصراعات الإقليمية أن انتزع وكلاء الباطن مكانة تضاهي دور ذوي المشروعية الحقيقيين كما حدث على هذه المساحة الغامضة من جغرافيا الأرض..
يحرص متخذو القرار على تغطية البثور المؤلمة بطبقة من الحرير الناعم وهم مثلنا تماما يحيلون ثوابت الأخوة والجوار إلى خطاب عاطفي مفعم بالدفء وقريض الثناء المتبادل بينما ظلت مجريات الواقع تشي باختلالات عميقة وأعراض سلبية متجددة تسمم الأجواء وتعطل الجهود المحورية لبناء جسور الثقة المتبادلة و الحئول دون ترجمتها إلى انجازات عريضة وحضور دائم في وجدان المجتمعات..
وما تعجز عنه تلك الاختلالات بوصفها نتاج مناشط تخريبية لمقاولي الحروب بالوكالة تعوضه الأرضية الرخوة للتوجهات الرسمية وتفاعلاتها الآنية.. ولقد كان هذا الأمر مصدر اضطراب ملحوظ في مضمار العلاقات البينية لدول الجزيرة العربية .
لا نتحدث هنا عن سياقات تاريخية بعيدة فما يهمنا الوقوف عليه يقتصر على تجاربنا المعاصرة وتحديدا المتصلة بمظاهر قيام الدولة في اليمن ومنظومة مجلس التعاون الخليجي وما إذا كان هامش المناورة وفقا لحسابات أحادية قد أثر سلبا على منطق الدولة وأدى إلى خلق موازين أخرى لا منطق لها¿¿ وإذا كان هذا قد حدث فعلا فما الذي يتعين على الحكومات عمله لاستعادة الأدوار المخطوفة من صميم وظائفها..¿
ثمة دواع طارئة تستدعي إعادة النظر في المنحى التقليدي المعتاد والمسارعة إلى وضع أسس جديدة تطهر البثور من الميكروب الكامن خلف ضماد العواطف الذاكية ومرايا الأحلام الواهمة.
كثيرا ما كان التبرير وسيلتنا المثلى لمواجهة الحقائق والمكاشفة بمعطياتها.. وغالبا ما توافقت الحكومات على طي صفحات الماضي والالتفات إلى تحديات المستقبل – وهي صادقة فيما تقوله – لكنها اكتفت بالتعبير عن التوجه العام دون التصدي لمقتضياته.. فلا الماضي توقف في حدود العبرة والعضة ولا المستقبل أفصح عن تجلياته.. على حين بقي الحاضر قيد تجاذبات متناقضة أبعد ما يكون عن تأمين مسار صحيح لهذه العلاقات بما تنطوي عليه من عمق تاريخي ومصالح مشتركة وتحديات متواترة..
ها نحن نشهد طفحا هائلا – من رواسب الماضي – يقفز إلى واجهة الأحداث ويهدد بتقويض أمن واستقرار اليمن ومحيطه الإقليمي من غير أن يسأل أحد عن مردود التطمينات الدبلوماسية بطي الصفحات وما إذا كان الخطأ في عفوية التوجهات الرسمية الآنية أم في غياب الرؤية الاستراتيجية أم هو نابع من ارتباطنا الوجداني بماض لا نملك الشجاعة على مغادرته¿
وهل كان بمقدورنا إحداث تغيير جدي يصب في خدمة المستقبل.. أم أن المشكلة في عدم القدرة على ضبط إيقاعات الحاضر كمنطقة تماس بين الأمس والغد¿..
تلك أسئلة حيرى قتلت نقاشا وقدمت بصددها إجابات شافية اتسعتها خزائن الباحثين ووجدت طريقها إلى دواليب الساسة لينتهي حالها مع صوامع التراث الفكري الفائض عن الحاجة لتبقى القضايا المثارة كما هي دون مقاربات معقولة بين ما تتفتق به أذهان المثقف النزيه من مقترحات وما تفضله القنوات الرسمية من سياسات أو تختاره من وسائط.
أدرك جيدا أن خطأ فادحا حدث ويحدث في طريقة التعاطي مع هذه العلاقات.. وتقتضي الضرورة تفاديه منذ الآن وصاعدا.. إذ لا حاجة لبحثها على خلفية الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالشعب اليمني بين حين وآخر..
ذالك أن وجود رؤية عميقة ذات أولويات مستقبلية تعمل على سبيلها برامج مجتمعية ومؤسسات علمية وتربوية وتحد من معابر النفوذ الدولي وتقطع دابر التسلل إلى كريات الدم البيضاء في كيان الجزيرة وتناهض ثقافة الاستعلاء أو الاستخذاء كل ذلك كفيل بتأسيس علاقات مستقرة لا