شياطين الشعراء في أجساد الساسة!!

فتحي الشرماني


 - كان عرب الجاهلية يزعمون أن للشعراء شياطين, يلهمونهم الإبداع, وأن هؤلاء الشياطين يتفاوتون في درجة الإلهام التي يتمايز على أساسها الشعراء في مستوى الإجادة فالشاعر المبرز شيطانه فحل
كان عرب الجاهلية يزعمون أن للشعراء شياطين, يلهمونهم الإبداع, وأن هؤلاء الشياطين يتفاوتون في درجة الإلهام التي يتمايز على أساسها الشعراء في مستوى الإجادة فالشاعر المبرز شيطانه فحل من وادي (عبقر) يلهمه أخطر المعاني وينفث في كلماته السحر, فتصبح أشد فتكا وأعمق تأثيرا, حتى تتحول الكلمات إلى صواعق يحترق بها الخصوم.
اليوم أصبحت أنظر إلى السياسة في بلادنا بوصفها صناعة يبدعها الفرقاء السياسيون, ولكن ثمة شياطين تهيمن على العقل السياسي – كما هو حال قريحة الشاعر – لتجعله حريصا على تكريس حالة الفوضى السياسية, حين يبدو البعض مع حالة الوفاق السياسي وضده في آن واحد, لاسيما حين تستشف من خطاباتهم أنهم يضمرون غراميات تنتظر مجيء العاصفة التي تغرق الوطن بالفوضى وتنسف كل هذا الجهد الوطني الذي شارك فيه الكل, في سبيل قيام دولة تحتضن الجميع على أساس العدالة والمساواة وتطبيق النظام والقانون على الجميع.
أتأمل في واقع الإعلام المرئي والمقروء فينتابني الخوف والفزع, فثمة آراء صحفية وإعلامية مفتونة اليوم بخطاب التحريض وتأليب القوى على بعضها البعض لنكون على مقربة من انفجار عظيم, وكأننا لا نعيش مرحلة توافق سياسي ارتضته جميع القوى السياسية بمحض إرادتها, ليكون مخرجا من حالة الصراع التي كادت أن تنزلق بالوطن إلى حرب أهلية.
ومن المخيف أن تظل سلوكيات بعض الساسة بعيدة عن خطابهم الحالم بمستقبل جميل لهذا الوطن, فهم بذلك يصبحون مثل الشعراء (يقولون ما لا يفعلون) لأن شياطين الإعلام تهيم بهم في كل واد, فسياسيو اليوم محاصرون بكم كبير من الآراء والتحليلات والأخبار التي تؤثر في عقلياتهم, وتشوش عليهم رؤية المطلوب لإخراج الوطن إلى بر الأمان, وتضعف قدرتهم على إدارة المشهد بهدوء.
وإذا كان المطلوب أن يدير الساسة اليوم ظهورهم للضجيج الإعلامي الذي يشحن النفوس بالكراهية فإن السؤال المهم هنا: كيف أصبح الموقف السياسي صناعة إعلامية خالصة, أو بمعنى آخر: لماذا تخرج اليوم خلافات السياسيين إلى الواجهة بعد أن كانت أشد الخلافات تظل طي الكتمان, ولا يعلم الإعلام عنها شيئا, ثم إن خروجها اليوم على هذا النحو المقرف ألا يكون سببا في تأزيم الواقع¿
ينبغي أن تفهموا أيها السياسيون أن المواطن اليمني لم يعد يقبل منكم التعامل معه على أنه حقل تجارب لدورات من الصراع تأخذ في كل مرة شكلا جديدا ويكون هو من يدفع ثمنها .. مشكلات اليوم محصورة في مربعكم, وأنتم وحدكم مسؤولون عن تحقيق ما يصبو إليه في إطار من الوفاق التي أبحرت فيه سفينة الوطن منذ قرابة ثلاثة أعوام, وهذا يقتضي منكم أن تتركوا خيالات الشعراء المجنöحة, التي تهيم بكم في أودية التناحر, وتريدون من الشعب مواكبة محطات هذا التناحر بوصفه وطنية!!, لذا عليكم أن تسارعوا في استكمال ما تبقى من متطلبات المرحلة بهدوء عافاكم الله.
Fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا