لو ما بقى من يخبر¿!!
خالد القارني
ربما لا يعرف المجتمع المدني هذه المقولة الشهيرة ” لو ما بقى من يخبر” والتي يحكي تفاصيلها تاريخ طويل من الصراعات الدامية بين القبائل اليمنية في البادية والحضر.
ومن سجل تاريخ الصراعات اليمنية نجد أن هذه العبارة كتبت على راية الحروب وكانت تتناقلها ألسنة المقاتلين كخيار لا رجعة عنه “النصر أو الموت”وفي تحد قوي للعدو لا يقبل الاستسلام..ونجد من السجل أن رفعها كان ملازما لغياب الدولة وان لا مرجعية تحتكم إليها القبائل لحل قضاياها سوى مرجعية القوة وفرض سياسة الأمر الواقع.
غياب الدولة كان يولد لدى القبائل المتنازعة شعورا أن كل طرف يريد أن يفرض أرادته على الآخر. فكانت المعارك دامية ومدمرة.. والنتيجة اللاحل ولا منتصر وتوقف الحروب كانت مجرد استراحة محارب والاستعداد ثأر.
قل تداول هذه العبارة خلال العقود الماضية على الأقل فيما يخص الصراعات القبلية الكبيرة وبقي استخدمها على مستوى صراعات العائلات الصغيرة والأفراد كتعبير عن فقدان الثقة بالدولة والعجز عن استرداد الحقوق بالقانون.. وان الحقوق تنتزع لا توهب ولا تمنح.
اليوم وفي غفلة من الزمن نجد أنفسنا قريبين أو قاب قوسين أو أدنى من عودة هذا النوع من الصراع الدامي المدمر الذي يعني اللاحياة غير الموت اللامستقبل غير الظلام اللاحل غير انسداد الأفق وفقدان الأمل.. من المسؤول عن ذلك¿! الكل يخلي مسؤوليته!!.. من يستطيع أن يوقف ذلك¿!يقولون: لا دخل لنا بذلك!! من المستفيد من ذلك¿! يقولون: لا نعلم!!.. من سينجو من ذلك¿! كل يدعي انه الناجي!!.. أين الحق والباطل¿! كل يرى انه على حق!!.. ما الهدف من الحرب¿! يقولون: قتل الشيطان ونصرة المظلوم!!.
أيها الشيطان إلا تخجل من إصرارك على أغوانا لم تعلم أن الزمن الحاضر لم يعد زمان “آدم المسكين عليه السلام” الذي كنت سببا في هبوطه أو خروجه من الجنة.. وان أبناء آدم وبناته الماجدات فهموا اليوم الدرس وآمنوا بالحوار لحل الخلافات ورضوا بـ “الأقلمة والفدرلة والديمو والاقرطة ” حتى لا يقعوا في نار غوايتك.
من المحتمل جدا وبقدرتك التآمرية الكبيرة وعنادك الشديد وبأعوانك الدهاة أن توقعنا مرة أخرى في “لو ما بقى من يخبر” التي لن يبقى فيها مكان لمداد وتمديد ولا للضم والسربلة ولا للكعوتة والكلفتة ولا للتقفاز والقنبعة ولا رجل في الشرق ورجل في الغرب وسيدخل الجميع برمة الشيطان وغليانها وشقلبتها ستطال الجميع ولا حصانة عند أذن لأحد.
ان من يراهن على هذا المنطق فهو لا يملك ذرة من عقل ومن يساعد على استخدام هذا المنطق فهو إبليس بذاته والفرق هنا انه لن يكون من المنظرين كإبليس الجن لأن برمة “لو ما بقى من يخبر” سوف يفور مائها المغلي ولا عاصم له من حرها ولهيبها.
كل فرد من أفراد المجتمع على مختلف المواقع السياسية والاجتماعية مسؤول عما يحدث اليوم من أحداث ممانعة للانتقال إلى الوضعية المأمولة للشعب اليمني وكلنا نستطيع أن نميز من هو مع مصالح الشعب ومن هو ضدها كون زمن استغباء الشعوب والاستخفاف بوجودها وفاعليتها ومصالحها بدا في الأفول وينبثق من رحمه زمن جديد.. لن يستطيع المتربص بشعبه أن يعيش فيه ولا مجال فيه للتدافع السلبي العنيف بين الناس “لو ما بقى من يخبر” إنما سيكون تدافعا ايجابيا قائم على طرح مشاريع إنمائية وبنيوية مقصدها تطور العنصر البشري وتقدمه تتنافس على أرضية صلبة شعارها ” العيش المشترك.. وعدالة التوزيع.. والمساواة بين الجميع”. فمتى نعي هذه الحقيقة¿! حتى لا تهدر الفرص ولا تضيع الجهود ولا تزهق الأرواح البريئة.