بؤس واقع الإعلام اليمني بعد الربيع العربي
باسم الشعبي
مما لا شك فيه أن الإعلام لعب دورا كبيرا في رفع مستوى الوعي لدى الجماهير التي اندفعت إلى الساحات والميادين مطالبة بإسقاط الأنظمة الديكتاتوريةومسألة رفع الوعي هذه أظنها احتاجت لوقت طويل كان الإعلام في البداية فيها مملوكا للأنظمة الحاكمة قبل أن يجد متنفسا وطريقا إلى التحرر مع بزوغ فجر الفضائيات العابرة للقارات.
لم تستطع الأنظمة الديكتاتورية مقاومة الثورة الهائلة التي أحدثتها التكنولوجيا في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية حيث لجأت إلى عديد وسائل لقمعها وحجبها إلا أن ثورة الاتصالات كانت أكبر من أن تجهض أو تقاوم وحينما فشلت الأنظمة في مقاومة ثورة التدفق المعلوماتي والإخباري عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي لجأت إلى فتح السجون أمام الصحفيين والإعلاميين والمدونين والمفسبكين والتضييق عليهم وهذا الفعل بدلا من أن يحمي الأنظمة تحول الى صداع مزمن وقلق مدمر إذ تحول من هؤلاء المستهدفين الى رموز للحرية وبفعل حملات التضامن معهم وجدت الأنظمة نفسها تحت ضغوطات كبيرة ومختلفة شعبية ودولية وغيرها وتلطخت سمعهتا في ميدان الحريات والحقوق المدنية في التقارير والنشرات الدولية وهو ما دفها للكف عن مثل هذه الممارسات وتكون بذلك قد فشلت فشلا ذريعا في إيقاف الثورة المعلوماتية والتأثير على وسائل الإعلام التي اتسعت مساحة الحرية أمامها وأصبحت تشكل تهديدا كبيرا لأنظمة تقليدية عصبوية وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة ثورة الاتصالات التي سرعان ما تحولت إلى ثورة جماهيرية في الميادين والساحات تنادي بإسقاط أنظمة أصبحت غير قادرة على مجارات مطالب الجماهير وتلبية تطلعاتهم في الحرية والبناء.
من هذه الزاوية يمكن القول إن الإعلام بكافة وسائله وأشكاله لعب دورا كبيرا ومفيدا في مراكمة غضب الجماهير تجاه الأنظمة الحاكمة ثم كسر حاجز الخوف ورفع سقف الحرية ثم تحويل هذا الغضب من حالة احتجاجية فردية وجماعية محدودة الى حالة شعبية عارمة في صورة الثورة الشعبية السلمية العفوية والتي عرفت فيما بعد بالربيع العربي.
وانطلاقا من هذا الدور الكبير للاعلام نظم مركز “مسارات للاستراتيجيا والإعلام” بعدن الخميس الماضي ندوة حول “مستقبل الإعلام اليمني بعد ثورات الربيع العربي”استعرضت فيها خمس أوراق عمل “عن صورة ودور المرأة في إعلام ما بعد الثورة” عن”الإعلام والتغيير السياسي والاجتماعي” عن “الإعلام في مخرجات الحوار الوطني” عن “الانتهاكات ومستقبل الحريات” وورقة حول”إعلام الحراك السلمي بين التحديات والتطلعات” كانت الندوة تهدف لمعرفة وقراءة الواقع الذي يعيشه الإعلام ما بعد الربيع وكذا قراءة مسارات مستقبل الإعلام اليمني لمعرفة أين يقف الآن وما هو شكل المستقبل الذي يتطلع إليه الإعلاميون لاسيما وأن جميع الأوراق قدمها صحفيون وإعلاميون على صلة مباشرة بواقع الإعلام ومعايشه قريبة لأحداثه وهمومه.
وكشفت الأوراق والنقاشات التي تخللت الندوة أن الإعلام اليمني يعيش وضعا مزريا للغاية في خطابه وتناولاته ولم يعد ذلك الإعلام الذي كان ينظر إليه باعتباره قائد الثورة وصانع التغيير إذ انزلقت وسائل إعلامية عديدة مشهود لها في صراع جانبي وعقيم وأصبحت تغذي وتثير صراعا سياسيا مضرا بعملية التغيير في البلاد ولم تفلح عدد الإصدارات اليومية في تحسين مضمون الخطاب وترشيده بل كشفت عن وجه مغاير لما كان ينتظره جمهور القراء إذ انحازت لأطراف الصراع سواء أكانت مراكز قوى أو أحزاب أو أفراد وبدلا من مواصلة رفع الوعي لدفع عجلة التغيير الذي أنجزته الثورة إلى الأمام أضحت معطلا رئيسيا ومعيقا لهذا التقدم والتحول الذي تشهده البلاد.
وخلصت ندوة”مسارات” إلى أن الإعلام بمختلف أشكاله (رسمي وأهلي وحزبي) فشل فشلا ذريعا في أن يكون معبرا عن اللحظة التاريخية والتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تحتاجه البلاد كما فشل في خلق رأي عام حاضن ومستجيب لمخرجات الحوار الوطني ناهيك عن كونه فشل في الحفاظ على سقف الحرية الذي جاءت بها رياح الربيع العربي وأصبح عاجزا عن خلق مناخ جديد ومفيد يشعر الناس بالأمل.
وقال المشاركون في ندوة “مسارات” إن الإعلام اليمني بحاجة لإحداث نقلة نوعية في داخله ترتقي به إلى مستوى اللحظة التاريخية التي لا تتكرر كما أشاروا إلى ضرورة مراعاة البيئة الصحفية التي يعمل بها الصحفيون والإعلاميون لاسيما في جنوب اليمن إذ يعاني المشتغلون هناك كثيرا بسبب المزاج العام الذي لايساعد الصحفيين والإعلاميين على القيام بدورهم بمهنية واحترافية كما طالب