الشرعية السياسية وتوسع شرعية السلاح
عبدالله دوبلة
بات من الواضح جدا أن المشكلة اليمنية الراهنة والتي هي نتيجة أخطاء تاريخية متراكمة أنها أعقد مما كان يتخيله البعض وقد قادت أدوات الحل التي مورست مؤخرا من ثورة شعبية وتسوية سياسية إلى مرحلة هي الأخطر من كل ما سبق.
فالثورة الشعبية عالجت مسألة حكم الفرد إلا أنها لم يكن بإمكانها أن تحل بديلا عنه حيث كان الخيار العسكري يهدد بحرب أهلية بالفعل ليضطر الجميع إلى الذهاب إلى التسوية السياسية التي عالجت مسألة نقل السلطة إلا أنها بحكم طبيعتها التوافقية وقفت عاجزة أمام المشكلات التاريخية في الأمن والاقتصاد إلا من تلك الإجابات السياسية التي قدمها مؤتمر الحوار الوطني والتي يتطلب تنفيذها وقتا..
الأخطر من ذلك هو عجز المرحلة أمام تلك المخاطر القديمة والتي تعاظمت من بعد الثورة والتسوية كضربات القاعدة وتوسعات الحوثي العسكرية والأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق نتيجة نقص الموارد المالية بفعل الاستهداف المتكرر لأنابيب النفط المصدر الرئيس والأكبر للموارد. إلا أن الأكثر إشكالا هو اللبس الحاصل في وعي المرحلة بذاتها ووعي الآخرين بها بين كونها ثورية” وما يتطلبه ذلك من خطاب وأداءات أو كونها “سياسية” وما يحتاجه ذلك من خطاب وأداءات أيضا.
في ظني تكون هذه المرحلة كتسوية لنقل السلطة حققت هدفها وبالانتهاء من الحوار الوطني تكون قد استنفدت غرضها أيضا إلا من صياغة الدستور والذهاب إلى الانتخابات للانتقال إلى المرحلة التالية والذي يجب أن يحدث في أقرب وقت ليس لأن المرحلة الانتقالية قد مددت حتى نهاية هذا العام فقط بل لأن ذلك أصبح ضرورة وحاجة ملحة. مع الإقرار أن الذهاب المبكر للانتخاب لا يخلو من مخاطر إلا أنها لا تقارن مع مخاطر الاستمرار في المرحلة الراهنة مع عجزها الواضح عن معالجة التحديات الراهنة والتي لا تقود مع تقادم الوقت إلا إلى الانهيار الشامل.
يمكن هنا تلخيص التحديات الراهنة ولم يكن الحال بعد إجراء الانتخابات هو الأفضل في التعاطي معها من الحال الراهن..
– تآكل الشرعية السياسية في مقابل توسع شرعية السلاح.
لأن المرحلة الراهنة هي انتقالية في الأساس ولأنها تسوية سياسية بعد حالة ثورية فهي ملتبسة الشرعية بين شرعية السياسة والتسوية وبين شرعية الثورة ولهذا الحال الملتبس فهي أضعف في مواجهة شرعية السلاح التي تتوسع على حساب الشرعية السياسية.
توسعات الحوثي العسكرية الأخيرة هي نتيجة طبيعية لتلك الشرعية الملتبسة في تعريف النظام السياسي القائم فتحت الحجج الثورية القابلة للاستخدام من كل الأطراف يبرر الحوثي ما يقوم به من توسع الخطير في الأمر أن تلك الحجج تجد رواجا أمام عجز التسوية السياسية الراهنة عن إحداث الإصلاحات المطلوبة نتيجة قيامها على التوافق. فإن كان الأمر ثوريا فالحوثي يبرر ما يقوم به باسم الثورة وإن كان توافقا سياسيا فهو يقول لم لا يكون يشمله أيضا ولأنه كذلك هو يرى أيضا أنه لا يحق للدولة الانحياز ضده ومواجهة ما يستحدثه على الأرض كونه يبررها بأنها ضد أطراف سياسية وليس ضد الدولة..
في المقابل تجد الدولة نفسها ضعيفة أمام هذه الحالة نتيجة الانقسام الذي حدث بفعل الثورة في مؤسساتها بما في ذلك الانقسام في مؤسسة الجيش ولأنها قائمة على التوافق بين الأطراف في التسوية السياسية فهي عاجزة أيضا عن اتخاذ القرار الذي يفترض بدولة ما اتخاذه للتعاطي مع حالة مشابهة إلا من التوسط بين الأطراف مع أن ذلك ليس من وظائف الدول التي تقوم على احتكار القوة واستخدامها ضد جميع الأطراف الخارجة عن سياق الدولة فيما تتفاقم الحالة وتتوسع شرعية السلاح على حساب شرعية السياسية وشرعية الدولة ككل.
انتقال النظام السياسي إلى شرعية شعبية و انتخابية يجعل من الدولة في مكان أفضل لاتخاذ القرارات المطلوبة في مواجهة شرعية الجماعات المسلحة التي تتهدد وجودها قبل أي شيء آخر وليس شرطا أن تكون قرارات بالحرب فالشرعية السياسية الانتخابية هي حجة قوية في ذاتها لتحجيم شرعيات السلاح وإبطال حججها ابتداء..في تلك الحالة أيضا تكون أجهزة الدولة السياسية والأمنية أكثر قدرة على التحرك في مواجهة المخاطر الأمنية كتلك التي تمثلها القاعدة أو الانفلات الأمني المجتمعي عموما مما هو الحال في نظام التوافق القائم على المحاصصة وتنازع تلك الأجهزة بين أطراف عدة.
لهذه الأسباب وأسباب أخرى يكون الإسراع في الانتقال إلى الشرعية السياسية الانتخابية ضرورة وحاجة وطنية ملحة.. على الأقل يمكن هناك الحصول على إجابات معينة للتعاطي مع التحديات الأمنية الراهن