نادي القضاة بين ضبابية الرؤية ومفهوم الإضراب القضائي عن العمل

المحامي عبدالعزيز أحمد السماوي

 - 
من المسلمات أن النظام الجمهوري القائم في البلاد يقوم على أساس وجود سلطات ثلاث في البلاد هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية وهذه السلطات الثلاث المفترض أن تعمل كل في مجال ولايتها الدستورية سواسية ودون

من المسلمات أن النظام الجمهوري القائم في البلاد يقوم على أساس وجود سلطات ثلاث في البلاد هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية وهذه السلطات الثلاث المفترض أن تعمل كل في مجال ولايتها الدستورية سواسية ودون توقف من قبلها مجتمعة أو منفردة ولا يجوز لها أو لإحداها التوقف عن عملها أيا كانت الأسباب والدوافع ولا يستقيم النظام كنظام دستوري إلا بذلك وفي الغالب الأعم يكون التظاهر أو الإضراب أو الاعتصام حقا للجماعات أو الأفراد في مواجهة الدولة بسلطاتها الثلاث أو في مواجهة أي من تلك السلطات منفردة حتى يتم معالجة الأسباب التي لأجلها تظاهر الناس أو اعتصموا أو اضربوا من قبل السلطة ممثلة بالدولة غير أننا في الآونة الأخيرة وجدنا السلطة القضائية جزئيا أو كليا تضرب عن العمل وتمتنع عن قيامها بولايتها المخولة لها بمقتضى الدستور النافذ وإذا كان الإضراب حقا للناس فرادا كانوا أو جماعات وتم تنظيمه في قانون التظاهر في مواجهة الدولة وهو ما يستند إليه الناس الذين يضربون عن العمل لأي سبب من الأسباب غير أن الناس يستندون في استعمال ذلك الحق إلى قانون نافذ وإذا كانت السلطة القضائية كسلطة ثالثة في النظام الجمهوري لا يقوم النظام الجمهوري إلا بها وأدائها لواجباتها وعملها وفقا للدستور فإن إضراب السلطة القضائية يعد تعطيلا للدستور النافذ وإخلالا به فضلا عن أن ذلك الإضراب لا يستند إلى تشريع نافذ وهو ما يغنينا عن الخوض حول مشروعية إضراب السلطة القضائية في البلاد من عدمه.
صحيح أن الاعتداء على القضاة أو الإساءة إليهم أو النيل من القضاء يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ويستوجب مساءلة مرتكبها وإخضاعه لطائلة المساءلة والعقاب وذلك من قبل السلطة كدولة بسلطاتها الثلاث عبر النيابة العامة كجهاز قضائي في السلطة القضائية بولاية القبض والتحقيق والإحالة والحبس والتصرف في الوقائع أو من قبل قضاة المحاكم القائمة ولكن على أساس أن من يملك ولاية المساءلة وإخضاع المجرمين للمحاكمة والعقاب هم قضاة آخرون غير القضاة الذين وقعت تلك الجرائم عليهم أما في حالة أن يضرب جميع القضاة المنتسبين للجهاز القضائي في البلد كله رغم عدم جوازه دستوريا فإن ذلك يجعل كافة أعضاء النيابة وقضاة المحاكم المضربين في حكم الخصوم للجناة مرتكبي تلك الجرائم بدون استثناء ومن البديهي أن حق النيابة كجهاز من أجهزة القضاء القبض على الجناة والتحقيق معهم وإحالتهم للمحاكم وطلب الحكم بإدانتهم ومعاقبتهم وفقا للقانون مرتبط بضرورة ممارستهم لواجباتهم تلك في إطار توافر عنصر الحياد فيهم فضلا عن أن قضاة المحاكم المضربين قد فقدوا عنصر الحياد الذي لا يجوز للقاضي إجراء المحاكمة إلا بتوفره على نحو يقيني وبافتقاد عنصر الحياد تفتقد صلاحية القاضي للقضاء المضرب في قضية يكون القاضي طرفا في الإضراب الشامل كما هو الحال الآن في جميع أعضاء النيابة وقضاة المحاكم في عموم الجمهورية يعدون في حالة الإضراب الشامل كما هو الحال الآن في البلاد طرف في الخصومة مع الجناة المفترض إخضاعهم جراء ما ارتكبوه من أعمال إجرامية في حق أي قاض لطائلة المساءلة والعقاب ومن البديهي استحالة الجمع بين أن يكن أحد طرفي الخصومة خصما وقاضيا في الدعوى ولا يخفى المأزق الذي يمكن أن تصل إليه السلطة بمكوناتها الثلاث المنصوص عليها في الدستور لأن الإضراب الكلي الكامل لأعضاء السلطة القضائية يحول القضاة المضربين إلى خصوم لبعض أفراد الشعب من مرتكبي الجرائم وهو ما يوجد الذريعة لأولئك المجرمين إلى المطالبة بقضاة محايدين من خارج البلاد في جميع الدرجات القضائية بما يستتبع ذلك من إخلاء بالسيادة وانتهاك لسياسة البلاد والعباد ومسخ إحدى سلطات الدولة الثلاث من النظام القائم الأمر الذي يوجب إعادة النظر في موضوع إضراب السلطة القضائية برمتها لتعلق الإضراب بسيادة الدولة والمساس بالدستور النافذ وهو ما يجب معالجته ووضع حلول مناسبة له بعيدا عن موضوع إضراب القضاء وبعيدا عن أن يتحول أعضاء السلطة القضائية من قضاة محايدين إلى خصوم حاقدين فالدولة بسلطاتها الثلاث مسؤولة عن حياة رعاياها وأعراضهم وأموالهم ومن أولئك القضاة الذين يتعرضون للاعتداءات المتكررة وأيا كانت الخطورة التي تشكلها الاعتداءات الواقعة على القضاة من قبل بعض شذاذ الآفاق إلا أن معالجة تلك الظاهرة يجب أن تتم بعيدا عن ممارسة حق الإضراب في البلاد وبعيدا عن تحول أعضاء السلطة القضائية إلى خصوم لمرتكبي الجرائم وبما يترتب على ذلك من محاذير دستورية وانتهاك لسيادة البلاد واستقلاله

قد يعجبك ايضا