رمضان في الرمز الصوفي
عارف الدوش

عارف الدوش –
شهر رمضان سيد الشهور عند الله « شهúر رمضان الذöي أنزöل فöيهö الúقرúآن هدى لöلناسö وبيöنات مöن الúهدى والúفرúقانö ( البقرة 185) وفيه سيدة الليالي ألا وهي ليلة القدر « ليúلة الúقدúرö خيúر مöنú ألúفö شهúر تنزل الúملائöكة والروح فöيها بöإöذúنö ربöهöم مöن كلö أمúر سلام هöي حتى مطúلعö الúفجúرö»( القدر3- 4-5 ) هذا الشهر الفضيل الذي أنزل فيه القرآن الكريم وخط الله سبحانه وتعالى به بداية فجر الإسلام ونص الرسالة المحمدية هذا الشهر الذي فرض الله تعالى علينا فيه الصيام شهر الطاعة والغفران نتناوله هنا من منظور صوفي فقد شدني كلام أصحاب هذا المنهج وهم أهل الله لما يمثله من رسالة سامية ومنهج روحي للإسلام فالصوم لغة هو الإمساك صام الشخص: أمسك وفي الشرع الصوم :إمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الى غروب الشمس مع النية. وقد وردت لفظة الصيام بمشتقاتها المختلفة في القرآن الكريم 13 ويراد بصوم رمضان تزكية البواطن والأبدان طاعة واحتسابا لله سبحانه وتعالى الواحد الديان وتوبة نصوحا وصبر جميل ينال فيها الإنسان والرحمة والمغفرة من العزيز الرحمن فيرتقي إلى مقامات الإيمان والإحسان وصيامه جنة وعبادة يشترك فيها ظاهر الإنسان وباطنه فيها طهارة وصحة البدن وورد في الحديث الشريف « صوموا تصحوا» صحة للبدن من العلل وطهارة للعقل من التشويش الفكري وطهارة للقلب من الأدران وشفاء للصدور وتزكية للنفس والهوى والطبع وفرصة ينال فيها الصائم الرحمة و الهداية والمغفرة من الحق عز وجل ورد في الحديث القدسي « كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به … الخ وشهر رمضان هو شهرا للطاعة وطلبا للمغفرة وشهرا لغسل الذنوب وشهر مثوبة وشهر نكران الذات والتخلي عن كل الشهوات من مطلع الفجر إلى أذان المغرب وهو عند أهل الله ليس امتناعا عن الطعام والشراب والشهوات أنهم يرونه شهر يرتقي بالروح ويجعلها شفافة مستعدة لمعرفة الله تعالى معرفة حقيقية وهناك أنواع عديدة للصوم لدى أهل الله منها الصوم عن الذنوب والصوم عن الغيبة والصوم عن النفاق والصوم عن البهتان و الصوم عن الحسد و الصوم عن النظر الحرام و الصوم عن التجسس و الصوم عن تخريب البلاد إلى غير ذلك من الأنواع وكلها تجعل حياة الإنسان في صوم روحي دائم فليس الصيام أن تترك الطعام والشراب فقط وإنما الصيام أن تترك الذنوب والمعاصي فالصيام صيام الجوارح.
وقال الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه “الانسان الكامل في معرفة الاواخر والاوائل” ج2 – ص 88 “ الصوم هو إشارة إلى الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات صمدية” وقال الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي في المنح القدوسية في شرح المرشد بطريق الصوفية – ص205 “ الصوم في شرع القوم – ويقصد بهم اهل الله – هو الإمساك عما سوى محبوبهم “ وعند أهل الله الغاية الكبرى من الصيام هي تقوى الله تعالى “ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” ومن لم يحقق تقوى الله في صيامه خاب وخسر ولم يكن له من صيامه إلا الجوع والتعب ومن قيامه إلا المشقة والنصب . قال صلى الله عليه وسلم “ من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه “ وقال جابر رضي الله عنه “ إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى جارك وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”
وأهل الله لم يكتفوا بالصيام عن الطعام والشراب وما إلى ذلك ولكن تعدا عندهم الصوم ليصبح معراجا إلى الحضرة الإلهية تغيب الخلق لتظهر به نور الحق تعالى الذي بدوره يضفي نورانيته تعالى على قلوب العابدين العارفين ليغنيهم عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات صمدية تلك الصفات المستمدة منه سبحانه يقول الشعراني “الصوم صفة صمدانية” ونجد أن في التجربة الروحية التأكيد على صوم الجوارح أكثر من سواها لمعرفتهم سر مكنونات الإنسان ولصوم شهر رمضان فوائد لا تعد ولا تحصى ولكن للصوم رمزية صوفية منها ما يقوله جعفر الصادق رضي الله عنه “الصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجل الالتجاء إلى الله وسبب انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات “ عادل خير الدين – العالم الفكري للإمام جعفر الصادق – ص 169 . ويقول الحكيم الترمذي “ ثمرة الصوم تطهير النفس” الحكيم الترمذي – الصلاة ومقاصدها – ص 4 و قد تكون رمزية الصوم عند الصوفية ذات مفاهيم اصطلاحية متعددة معبرة عن مسلكهم الروحي.