مشاهد من الحياة الاجتماعية في اليمن إبان الحكم الإمامي المظلم


تحقيق/ زهور السعيدي –

سنحاول ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لثورة الـ(26) من سبتمبر المباركة أن نعود بالذاكرة قليلاٍ إلى الوراء لنسترجع بعضاٍ من تلك الطقوس والمعتقدات التي سادت في مختلف المناطق اليمنية والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها طلاسم وخزعبلات مسترشدين بروايات عدد من المؤرخين المختصين وبشهادة بعض من كبار السن ممن عاشوا دهاليز وظلام ذلك الزمان.

مخادعة المرض
في الجانب الصحي مثلاٍ انتشر في كثير من مناطق تهامة قبل الثورة اعتقاد بإمكانية خداع المرض.. ويقول المؤرخ عبدالجبار باجل وهو باحث متخصص في التراث اليمني بأن تهامة شهدت في تلك الحقبة وفي ظل الانتشار الواسع لمرض الملاريا الذي يسمى محلياٍ بمرض (الورد) باعتبار أن المرء المصاب به يمرض يوماٍ ويهدأ في اليوم التالي ليمرض في الثالث وهكذا كان هناك معتقد ساد على نطاق واسع في مختلف مناطق تهامة يقول بأن على الشخص المصاب بالورد أن يعمد في يوم نقاهته إلى تبديل فراش نومه والاستعاضة عن ذلك بالنوم على حجر وعندما يعود المرض فإنه يصيب الحجر وبالتالي ينجو المرء ويبرأ من الورد وبذلك يكون قد تم مخادعة المرض الذي وقع في فخ الحجر.

تمائم مباركة
كما انتشرت في عموم مناطق البلاد اليمنية وسائل متخلفة في التداوي من الأمراض التي كانت تفتك بالآلاف من المواطنين وذلك عبر اللجوء إلى هذه الطرق المضحكة والمبكية في آن واحد أو من خلال قصد قبور وأضرحة الأولياء والصالحين وتعليق التمائم.
وتقول صفية أحمد وهي مسنة في السبعين من عمرها من أهالي الحديدة بأن التمائم والحروز كانت الثقافة السائدة أيام الإمام في علاج الأمراض حتى أصبح معظم الناس يعلقونها على أجسامهم وتحت ثيابهم لتقيهم شر وويلات الأمراض ويؤكد عدد ممن كتبوا مذكرات تاريخية عن الحياة الاجتماعية في اليمن أبان حكم نظام الأئمة بأن القصر الإمامي لم يكن مؤمناٍ بالأطباء ولا بالعلاج الحديث وأنه كان يرى أن الأطباء يعودون إلى البلاد ومعهم أفكار تحررية غربية يستهدفون بها عقيدة وحياة اليمنيين كما أن العلاج في وجه نظام الأئمة حسبما يذكر الدكتور المصري مصطفى الشكعة في مذكراته بعنوان (مغامرات مصري في مجاهل اليمن) بأنه رجس من عمل الشيطان لذلك فقد عمل نظام الإمامة بكل ما أوتي من قوة على تشجيع العلاج بالتمائم ويؤكد الدكتور الشكعة بأنه شاهد بعينيه تمائم كان يكتبها الإمام يحيى بنفسه ومن بعده ولده لكي تستشفي بها الرعية ولكي يكون العلاج ناجحاٍ كان الإمام يتعافى عن كل حجاب.. تميمة بعض الأحوال ليضفي عليها من بركاته.

ولهطول المطر حكاية
عاش الإنسان اليمني في فترة نظام الأئمة وفي مرحلة الاحتلال العثماني التي امتدت آثارها بعد ذلك جهلاٍ مطبقاٍ ووصل الجهل والتخلف بالكثير من أبناء هذه الأرض إلى درجة جهلوا فيها أبسط المفردات الدينية وكيفية أداء الصلاة وتعرضت عقائدهم في تلك الفترة لانحرافات عديدة فمارسوا الشرك بمختلف الصور ويذكر المؤرخ المختص في التراث اليمني عبدالجبار باجل وهو صاحب كتاب الشعر الحميني الريادة والأصول (بأن كثيراٍ من الناس قبل الثورة قد بلغ بهم الجهل إلى حد الاعتقاد بأن المطر معقود بأيدي بعض الأشخاص الصالحين من وجهة نظرهم فيسارعون إليهم بين الحين والآخر بالهبات والعطايا ليجودوا عليهم بالمطر ويشير الباحث باجل في حديثه لـ(الثورة) إلى قصة طريفة ما زالت متداولة بين الناس في المناطق الحدودية بين محافظتي الحديدة وتعز وبين أجزاء من مديرية حيس ومنطقة شمير بأن الناس في ذلك الوقت كانوا يظنون بأن رجل في شمير ويدعى عبدالباقي هو من يأذن بهطول المطر وبيديه أمر منع القطر وحجب فيض السماء وكانوا يتسابقون إليه بالهدايا والهبات لكسب رضاه وقد صادف في بعض السنين وقوع قحط شديد يبست على أثره المراعي وجفت الآبار وأوشكت البهائم والناس على الهلاك ولم تنفعهم التوسلات والتضرعات المرسلة إلى هذا الرجل وبعد أن انقطعت آمالهم بإمكانية الاستجابة لهم بإنزال المطر انبرى عدد من الأشخاص ممن يطلق عليهم بـ(اليمنا) وهم ساكنو المناطق شمال المخا والتحيتا ويعرفون بتخلفهم وجهلهم المطبق ليقوموا بخطف هذا الرجل ليوسعوه ضرباٍ قبل أن يقوموا بربطه إلى جذع شجرة وأقسموا أن لا يطلقوه حتى ينزل عليهم الغيث والأطرف في هذه القصة أن السماء وعندما كان الرجل قد بدأ ييأس من إمكانية نجاته قد بدأت تكفهر بالسحب المثقلة لتجود بأمطار غزيرة جداٍ فاضت على أثرها السيول الجارفة وجرفت الأرض وهدمت بعض المنازل حينها كانوا يتوسلون إلى أسيرهم بوقف المطر لكنه رفض بشكل قاطع حتى يتعهدوا له بعدم الاعتداء عليه في قادم الأيام ثم توقف المطر.. لتتعزز عقيدتهم في هذا الرجل.

خمر المؤمنين
كانت نبتة القات وما تزال المشكلة الأهم التي تعيق تحقيق أي تقدم حضاري في اليمن غير أن هذه الشجرة (الخبيثة) لم تنل من الثناء والتمجيد عبر العصور بقدر ما أصبح عليها نظام الأئمة من حسن الألقاب والصفات ويؤكد الدكتور مصطفى الشكعة في مذكراته بعنوان (مغامرات مصري في مجاهل اليمن) بأن أسرة حميد الدين التي كانت تمتلك ثلاثة أرباع مزارع القات في اليمن كان تتفنن في الدعاية لهذه الشجرة ولم تتورع على الرغم من مضاره وآثاره السلبية عن استعارة الأساليب الدينية في ذلك فأطلقت على القات عدة صفات حسنة منها (خمر المؤمنين) و(خمر الصالحين) ويشير الشكعة إلى أن أسرة الحكم الإمامي الظالم لم تكتف بجباية الأموال الباهظة المفروضة ضرائب على مزارع المواطنين بل عمدت إلى منع نزول (القات) القادم من مزارع السكان إلى الأسواق إلا بعد أن يباع (القات الملكي) ويؤكد الباحث المصري بأن نظام الأئمة لم يكتف بخلع الألقاب وأجمل الصفات على شجرة القات بل إن الإمام يحيى ومن بعده ا لإمام أحمد كانا ينشآن فيها القصائد الطويلة للتغني والتغزل فيها ويستشهد بمطلع قصيدة للإمام يحيى عن القات يقول فيها:

يا لائمي في غصون القات مرحمة
لن نترك القات أحياء وأمواتاٍ

هذه مشاهد قليلة جداٍ من حياة التخلف والجهل التي كان يحياها اليمنيون في ظل ذلك النظام البائد.

قد يعجبك ايضا