“هوس الفضائيات” تعكر أجواء وروحانية رمضان اليوم


الثورة نت محمد السيد –
لشهر رمضان في اليمن نكهته الخاصة يختلط فيه الوجداني بالروحي وطقوس صوفية فيها من حرارة الإيمان والأعمال ما يجعل هذا الشهر “منتجعاٍ روحياٍ للصائمين”. فما أن يبدأ العد التنازلي لحلول هذا الشهر الكريم إلاِ وتشتعل معه مشاعر الشوق واللهفة لقدوم هذا الضيف الذي لا يْذكر إلاِ ويْذكر معه “مدفع الإفطار” و”تماسي الأطفال” و”تسابيح المساجد فرمضان هْنا يحمل الكثير من الخصوصيات والعادات والتقاليد التي تعتبر جزء من الموروث الشعبي اليمني لكن رمضان اليوم ليس رمضان الأمس حيث تْعكر “الفضائيات” الجو الرمضاني بعاداته وتقاليده.

أهلاٍ رمضان

وتختلف العادات والتقاليد الرمضانية في الريف عنها في المدينة ففي الريف يؤكد المعمرون أن للشهر الكريم هْنا مذاق خاص لا تعكره “الفضائيات” و”هوس الديشات” حيث يبدأ السكان في الاستعداد لاستقبال الشهر مبكراٍ من خلال توفير المأكولات والمشروبات الخاصة به ويلاحظ الاهتمام بالأنوار والسراج الخاص وتزيين الفوانيس وذلك قبل دخول الشهر بأسبوع.

ويبدأ الترحيب بشهر رمضان والاستعداد له سواءٍ في الريف أو المدينة منذ منتصف شهر شعبان وأول مظاهر هذا الاستعداد يتمثل في قيام الناس بطلاء منازلهم بمادة “الجبس” خاصة في المدن القديمة كمدينة صنعاء فما زال كثير من الناس يتمسكون بهذه العادة ويرتبطون بها رغم أن تطور الحياة وتسارع إيقاعها قضى على كثير من العادات القديمة المشابهة.

وفي منتصف شهر شعبان يقوم غالبية أهل اليمن في معظم الريف والمدينة بإحياء ليلة “الشعبانية “التي تأخذ مظهراٍ أكثر احتفالية فإضافة إلى الصيام في هذا اليوم يقوم القادرون من الناس بنحر الذبائح وتوزيعها على الفقراء والمساكين ثم تبدأ جلسات الذكر بعد صلاة العشاء وتستمر حتى أذان الفجر حيث تتم فيها قراءة القرآن الكريم وتلاوة الأناشيد والأذكار الخاصة بهذه المناسبة وقبل أن يدخل شهر رمضان بنحو أسبوع يقوم بعض أئمة المساجد بالترحيب به طيلة هذا الأسبوع خاصة في الريف ومن هذه العبارات التي تتردد في بعض المساجد “يا مرحبا بك يا رمضان شهر التوبة وشهر الصيام” ويقوم الأطفال بترديد هذه العبارة في الأزقة والحارات في الليالي بصورة مستمرة. وإذا دخل رمضان في اليمن فإن المساجد تشتعل بالتسبيح والتهليل كل يوم وفي كل حارة.

مدفع الإفطار

الطقوس الرمضانية لا تقتصر على ذلك فحسب بل إن أهم ما يميز شهر رمضان في اليمن هو “مدفع الإفطار” الذي يظل الأطفال والكبار يتوقون إلى سماعة قْبيل الإفطار طوال أيام شهر رمضان المبارك وذلك لما يْشيعه من أجواء بهجة في نفوس الناس كباراٍ وصغاراٍ أثناء سماع دويه.

لعل أكثر ما يْميز رمضان في اليمن هي تلك “التماسي” التي يؤديها أفواج الأطفال أحلى أداء من خلال ترديد شعر التمسيات الذي يتجدد بحلول رمضان فيحلو في الشفاه والأسماع وهو نشيد طفولة لا يؤديه إلا زمْر من الأطفال. وبحسب الأديب اليمني عبد الله البردوني يبدأ الأطفال يتهيئون لشهر رمضان من أواخر شهر شعبان وينتظرون بهجة التماسي التي يكسبون بها مقادير ضئيلة من النقود.

حيث يجتمع الأطفال خلال الأسبوع الأول من رمضان حول بيوتهم يرددون التماسي الخاصة بالأدعية لآبائهم كقولهم:

“يا رمضان يابو الحماحم

أدي لبي قرعة دراهم

يا رمضان يابو المدافع

أدي لنا مخزن بضائع”

ويستمر هذا النشيد نصاٍ وأداءٍ حول بيوت الأطفال وعندما ينتهي الأسبوع الأول من رمضان ينطلق الأطفال إلى البيوت القائمة في الأحياء المجاورة حيث يؤدون أغاني التمسيه في كل باب ويبدأ أول الأداء بقولهم:

” يا مسا وأسعد الله المسا

يا مسا جدد الله الكسا”

وعندما يعطيهم أحد البيوت قطعة النقود يردد الأطفال:

” يا مسا جيت أمس عندكم

يا مسا والجمالة هي لكم”

أما البيوت التي لا تعطي وهي قادرة أو تلك التي تعطي غير المطلوب فإن مجاميع الأطفال تْطلق أناشيد تعبر عن السْخرية بهذه البيوت كقولهم:

يا مسا جيت أمسي من “خبان”

يا مسا راجموني بالكبان

وهذه إشادة بالعطاء ولكن غير المطلوب إذú جعلوا من “الكبان” وهو نوع من الخبز الشهي بدلاٍ عن النقود! أما عندما تمنع البيوت القادرة نفحة صغيرة من الأطفال فإنهم –أي الأطفال- يهاجمون على الذي يعطي كقولهم:

يا مسا جيت أمسِي من “ذمار”

يا مسا لا حقونا بالحجار

فهذه الأناشيد المسماة بالتماسي هي إنشاد جماعي خاص بليالي رمضان إلى ليلة العيد.. وهذه الأناشيد على تكرارها ووراثتها تعمل على إشاعة البهجة وتخلع على ليالي رمضان طرافة وخصوصية على سائر ليالي الشهور.

الإنشاد الديني

الإنشاد الديني هو الآخر يجد في حلول شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتغذية الروح وبحسب رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع فإن ليالي السمر في صنعاء والعديد من المحافظات اليمنية تشتعل بالإنشاد الديني الذي يتناول موضوعات روحية رائعة كالعشق الإلهي أو مدح الرسول الأعظم “ص” أو الوحدانية والملكوت الأعلى .

لذا فإن رمضان يْشكل مناخاٍ مناسباٍ لتعزيز دور الإنشاد الديني حيث يتصدى لهذا اللون من الغناء كبار المشايخ والمنشدين الذين يتولون إحياء ليالي رمضان في العديد من المدن اليمنية أبرزها صنعاء وحضرموت .

وكلها نصوص تْرحب برمضان وتدعو إلى الوحدة وتشجب الرذيلة وتحث على الفضيلة وتمدح الرسول الأعظم وال البيت كما تتغنى بمكارم وفضائل الشهر الكريم وذلك من خلال العشرات من المجالس الليلية التي تنتشر بالعديد من المحافظات اليمنية .

قد يعجبك ايضا